كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
لم يُمْضِ رئيس الوزراء اللبناني زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري إجازتَه الأسبوعية، بعد عناء انتخاباتٍ نيابيةٍ عاصِفة خاضَها بـ «اللحم الحي»، بالاستجمامِ أو ممارسةِ هواياته المفضّلة كقيادة الدراجات أو الغطْس أو تحضير أطباق إيطالية وهندية. فالحريري «موديل 2018» جَعَلَ أول «ويك إند»، بعد النتائج المخيبة التي حَصَدَها تيارُه من صناديق الاقتراع، أولَ الغيثِ في ورشةِ مُحاسَبةٍ جريئةٍ ومفتوحةٍ، وعلى كل المستويات، في «البيت الأزرق» الذي صدرتْ عنه يوميْ السبت والأحد الماضيين سلسلةُ قراراتٍ بإقالاتٍ واستقالاتٍ وبحلِّ هيئاتٍ وماكيناتٍ ومنسقيات.
وأوحتْ إجراءاتُ الحريري، التي كانت مُفاجئة في جانبٍ منها، بأن زعيم «المستقبل»، الذي لم يَترك منطقةً في جهات لبنان الأربع (نحو 100 بلدة وقرية) إلا وزارَها خلال حَمْلَتِه الانتخابية، قرّر أخذ الأمور بيده بعدما اكتشف مكامن خللٍ فاضحة في إدارة العملية الانتخابية، تَحالُفات وترشيحات وماكينات وتوزيع أصوات، تجاوزتْ الطابع التقني وأَظْهرتْ هشاشةً تنظيمية وصفقات تحت الطاولة وسوء أداء وفساد، الأمر الذي دَفَعَ الحريري إلى الضرب على الطاولة في مراجعةٍ قلّما تشهدها القوى السياسية التي غالباً ما تمارس الهروب الى الأمام.
ولم يُخْفِ كلام الحريري عن انتصارٍ حقّقه بالفوزِ بأكبر كتلة صافية لـ «المستقبل» في البرلمان (20 نائباً من أصل 32 مقعداً في المجلس السابق) الخيبةَ التي مُني بها تيارُه. ولم يكن الاحتفال بـ «النصر» أكثر من عُدّة شغلٍ سياسية لشدّ عَصَب جمهور «المستقبل»، وإظهار مكامن القوة في لحظة انطلاق معركة تشكيل الحكومة وما ستشهده من تَدافُع خشنٍ وعضّ أصابع وليّ أذرع وما شابه من عباراتٍ سيملّها اللبنانيون في الأسابيع، وربما في الأشهر المقبلة، التي يُتوقع ان تجعل من الحريري «كيس رمل» في مصارعةٍ موجعة وبأجنداتٍ محلية وإقليمية بين اللاعبين في البلاد.
فالفوز الذي حقّقه الحريري في الانتخابات جاء بطعْم الخسارة… هكذا كان المَشهد ليلة قفْل صناديق الاقتراع وبدء عمليات الفرز، حيث ساد «صمتٌ صادِمٌ» دارة الحريري، الذي كانت التقارير المرفوعة إليه مغايرة لما تَحقق من نتائج، كاشفةً عن أداء سلبي ومتراكِم يتجاوز «درْس» الانتخابات وعِبَرها ويتّصل بما أصبح عليه تيار رفيق الحريري الذي كان في عيون البعض حاضنةً للـ «انتليجنسيا» والفقراء والطوائف والحداثة والكفاءات قبل أن تتكاتف عليه الاغتيالات وكواتم الصوت والمُجازَفات والغربة وشحّ المال وأزماتٍ تكاد أن تقلب المنطقة رأساً على عقب.
واللافت أن قرارات الحريري جاءت على مستوييْن:
- الأول ارتبط بوضوح بالانتخابات من خلال إشارة الأمانة العامة لـ «تيار المستقبل» الى ان قرارات الحريري على هذا المستوى جاءت «بعد الإطلاع على مجريات الحراك الانتخابي في كافة الدوائر، والتقارير الواردة في شأنه، وعمل هيئة شؤون الانتخابات والماكينة الانتخابية اللوجستية والتقارير الواردة في شأنه».
وفي هذا السياق تمّ حلّ هيئة شؤون الانتخابات والماكينة الانتخابية اللوجستية بصورة عامة في «تيار المستقبل»، والهيئات التنظيمية القيادية في كل من: منسقية بيروت، منسقية البقاع الغربي وراشيا، منسقية البقاع الأوسط، منسقية الكورة، ومنسقية زغرتا، إضافة الى إعفاء وسام الحريري (المنسّق العام للانتخابات) من مسؤولياته في هيئة شؤون الانتخابات.
- والثاني لم يتمّ ربْطه في البيانات الرسمية مباشرةً بالانتخابات، واشتمل على تطورين: أوّلهما اتخذ شكل «استقالة»، أعلن عنها المكتب الاعلامي لزعيم «المستقبل»، لمدير مكتبه نادر الحريري (ابن عمّته) «من كافة المسؤوليات التي يتولاها في مكتب الرئيس». وقد شكر الحريري الرجل الثاني في تياره، «على الجهد الذي بذله طوال فترة توليه المنصب، متمنياً له التوفيق في كل ما يتطلع إليه»، كاشفاً عن تكليف محمد منيمنة تولي مهام مدير مكتبه بالوكالة.
أما التطور الثاني فحمل صيغة «الإعفاء» وكشفت عنه الأمانة العامة لـ «المستقبل» وتمثّل في قرار الحريري إعفاء ماهر أبو الخدود (مدير دائرة المتابعة في مكتبه) من مهامه في التيار. علماً أن الأخير يعمل أيضاً مستشاراً لوزير الداخلية نهاد المشنوق.
وترافقتْ هذه الإجراءات مع إشاعات لم توفّر الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري (شقيق نادر الحريري) الذي سرعان ما «غرّد» عبر «تويتر» نافياً ما تردّد «من أخبار ملفقة» عن استقالته، قبل أن يصدر «المستقبل» بياناً حول «شائعات وأخبار مفبركة تتردّد على خلفية القرارات التنظيمية التي صدرت عن الرئيس الحريري»، مؤكداً «عدم صحّة ما يتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي».
وإذا كانت عملية «التطهير» التي بدأها الحريري أحدثتْ ارتياحاً في صفوف «المستقبل»، فإن الوسط السياسي بدا مهتمّاً بتقصي أسباب استقالة «الذراع اليمنى» للرئيس الحريري، أي نادر، في ظل مقاربتيْن لهذا التطور: الأولى ربطتْه بتداعيات الانتخابات والدور الذي اضطلع به في هنْدسة التحالفات وتوزيع الأصوات، والثانية رأتْ ان هذا التطور على صلة بما رافق أزمة استقالة زعيم «المستقبل» من الرياض في 4 نوفمبر الماضي وما تردّد حينها عن جملة مآخذ للسعودية على أداء مدير مكتبه.
وفيما شكّلت «ثنائية» نادر الحريري – رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «القناة الخلفية» للتسوية السياسية التي أفضتْ الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية نهاية أكتوبر 2016 و«مَلاحقها»، فإن خروج نادر الحريري من المَشهد على مشارف مرحلة سياسية جديدة في لبنان طرح علامات استفهام حول تأثيراتٍ محتملة لهذه الخطوة على «ضوابط» التحالف بين «المستقبل» و«التيار الحر» وتالياً على مستوى التناغم بينهما في استحقاقات مقبلة، مثل تشكيل الحكومة، وحول إذا كان الرئيس الحريري يعطي إشارات الى «أداء جديد» تحت سقف التسوية السياسية.