كتبت رايل عتيق في صحيفة “الجمهورية”:
يتنافسون في استعراضِ حجمِ قوة كلٍّ منهم، و«مين بزيد» أكثر، فيما يجدر التوقفُ عند رقمٍ واحد. 43 في المئة من النازحين السوريين الموجودين في لبنان مِن «مناطق خفض التوتر». هل سيتوحّدون لمرةٍ ويستعرضون «القوّة الجامعة» لإنقاذ لبنان من هذا الضغطِ الديموغرافي الاجتماعي الإقتصادي الأمني، خصوصاً أنّ في يد لبنان أوراقَ ضغط في وجه المجتمع الدولي الذي جرّبته الدولةُ اللبنانية ولمَست أنه خائفٌ على الدول الأوروبية وغيرها، لا على لبنان أو النازحين؟
السلطةُ التي تولّت ملفَّ النزوح السوري أفرزت نفسَها بعد الانتخابات الأخيرة، لذلك المرجو كثير والأملُ قليل. ففي حين تنشط الاتّصالاتُ لتركيبِ تحالفاتٍ وتقسيمِ غلّات، لا أحد من المعنيين يُكلّف نفسَه بالتواصل مع وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس، الذي يُعتبر «كبيرَ الخبراء اللبنانيين في ملفِّ النازحين»، والذي كشف لـ«الجمهورية» عن خطةٍ واضحةٍ لحلّ هذا الملفّ.
في إطار المفاوضاتِ للاتّفاق حول تقسيم الحصَص والحقائب قبل تشكيل الحكومة العتيدة، المطلوب من الدولة اللبنانية والقوى السياسية كافةً الاتّفاق على موقف موحَّد مُدَعَّم بورقة يُلوِّح بها لبنان في وجه المجتمع الدولي للضغط نحو سلوكِ طريقِ عودة النازحين السوريين وفق خطّة زمنيّة واضحة، يتولّاها المجتمع الدولي والأصدقاء، من دون توريط لبنان في وحولٍ من نوعٍ آخر بالتعاطي المباشر مع النظام السوري والخروج من مشكلة للدخول بأخرى وإثارةِ نقمةِ الدول العربية.
فبعد الأخذ والرد، والتنديد والإيضاح بعد البيان الصادر عن مؤتمر «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، في بروكسيل في نيسان الماضي، حول مصطلحات «العودة الطوعيّة» و»العودة الموقتة» و«إرادة البقاء» و«الانخراط في سوق العمل» التي تخفي ما بين سطورها «توطيناً مبطّناً»، لم يظهر أنّ هناك إرادة دولية جدّية في إيجادِ حلٍّ سريع لهذا الملفّ.
في 14 حزيران 2014 أقرّت الحكومة اللبنانية ورقةً حول موضوع اللاجئين بالإجماع، ونصَّ هذه الورقة «من أوّل إلى آخر حرف» وزيرُ الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس، ولا يسأله أحدٌ من المسؤولين اللبنانيين أيَّ سؤال حول هذا الملفّ.
ووفق تجربته في حكومة الرئيس تمام سلام، كشف الوزير السابق رشيد درباس لـ«الجمهورية» أنه «كان يشعر أنّ عاملَ اللجوء السوري وسيلةٌ من وسائل التجاذب السياسي وحتى الطائفي، فالجميع كان ينظر إلى أنّ «غداً هناك انتخابات».
ويقول: «كلُّ طرفٍ فرح بالانتصار الذي حقّقه، ولا أحدَ يستشعر مدى الخطر المحيط بنا، في حين أنّ الديموغرافيا اللبنانية مُحمّلة على ظهرها نصف عدد سكانها من اللاجئين».
فما الذي يتوجّب على لبنان فعلُه، من خلال الحكومة العتيدة؟
نحو 11 مليون سوري في حالة هجرة خارجية أو داخلية، بينما هناك مناطق سورية كثيرة أصبحت هادئة. ويرى درباس أنّ «من واجب الحكومة اللبنانية أنّ تستنفرَ كلّ قواها ودبلوماسيّتها وعلاقاتها وتشكّل لوبي مُختصاً بهذه المسألة، وأن لا تتقدّم عليها أيُّ مسألة أو قضية أخرى.
فيصدر موقفٌ واحدٌ موحَّد من الحكومة اللبنانية باستنفار كلّ طاقاتها، الدبلوماسية والاغترابية والاتّصالية والإعلامية والإعلانية والفنّية… وتُشكّل لوبي عربياً أولاً ولوبي من الأصدقاء، يضغط في إطار أنّ هناك مناطقَ آمنة في سوريا، خصوصاً أنه وفق الإحصاءات هناك نحو 43 في المئة من النازحين السوريين في لبنان هم من مناطق «خفض التوتر» التي تمّ الإتفاقُ عليها.
ما هي خطة العودة؟
عودةُ اللاجئين السوريين غير مُنطلقة من أيِّ «عنصرية» أو «لاإنسانية» بل من اقتراب لبنان من استنزاف كل القدرات التي تمكّنه من حَمل هذا اللجوء، وفي هذا الإطار يوضح درباس أنّ على الحكومة المقبلة بلورة خطة للعودة لا أن «نضع اللاجئين» في «البوسطات» ونرسلهم إلى سوريا، وتكون هذه الخطة بالاشتراك مع المجتمع الدولي والحكومة السورية. فيتّفق المجتمع الدولي مع الحكومة السورية وينفّذ لبنان، من دون تنسيق مباشر مع النظام السوري. وبالموازاة مع خطة العودة ضمن روزنامة زمنيّة، تتمّ بلورةُ خطة عيش تحفظ كرامة اللاجئين السوريين في لبنان.
ماذا عن التواصل مع النظام السوري؟
يؤكد درباس أنّ «التعاطي مع النظام السوري ذريعة، كي تنحاز الحكومة اللبنانية وتتواصل مع الحكومة السورية، فنعرّض أنفسَنا في لبنان أولاً لنقمةٍ عربية من الدول العربية المعادية لسوريا ومن غالبية السوريين الموجودين في لبنان المعارضين للنظام السوري»، مشدّداً على أنّ «سياسة النأي بالنفس سياسة حكيمة، وأيّ سياسة أخرى ستكون مدمّرة».
لكن في ظلّ ربط المجتمع الدولي عودة النازحين بالحلّ السياسي في سوريا ورفض لبنان لهذا الطرح، هل سيتجاوب المجتمع الدولي مع المطالبة اللبنانية؟
من خلال تجربته الواسعة مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، يؤكّد درباس أنه «حين تُظهر الدولة إرادتَها وتمارسها، وتقول إنّ هذا موقفها الذي أجمَع عليه اللبنانيون، يُضطر المجتمعُ الدولي أن ينظرَ إلينا باحترام ويعامل لبنان كدولة سيّدة».
ويشير إلى أنّ لبنان يملك أوراق ضغط بدوره، منها:
– الإشارة إلى أنّ شواطئنا ما زالت غير مُشرّعة للهجرة غير الشرعية.
– جمع اللاجئين في مركز واحد والحدّ من حركتهم.
لكنّ التعارضَ اللبناني وازدواجية التعاطي مع الملفات من نقاط ضعف لبنان التي يستغلّها المجتمعُ الدولي، فعندما كان يأتي المسؤولون الأجانب ويلتقون المسؤولين اللبنانيين، كانوا يسمعون كلاماً يختلف من مسؤول إلى آخر، على رغم اتّخاذ الحكومة قراراً واحداً في هذا الإطار. وقد عبّر أكثرُ من مسؤولٍ دوليّ عن ذلك لدرباس.
رقمٌ آخر من أرقام عدة معروفة ومُوثّقة، يجب التنبّه لخطورتها وتداعياتها. إنّ البنية التحتية اللبنانية التي كان من المُفترض أن تخدم لـ15 عاماً استُهلكت في 4 سنوات، ووفق البنك الدولي إنخفض النموّ ووصلت الخسارة في لبنان في السنوات الأربع الأولى لتدفّق اللاجئين إليه 27 مليار دولار.
والمطلوب من لبنان اليوم موقف واحد موحّد وواضح، هو عودة اللاجئين وتشكيل لوبي عربي دولي للضغط في هذا الاتّجاه، والتوقّف عن عدّ أصوات صناديق الاقتراع، وعدّ الأصوات الصارخة من ما يُقارب المليونَي لاجئ سوري ونحو 4 ملايين مواطن لبناني يسكنون في دولة على حافة الانهيار شكلاً ومؤسّساتياً.