IMLebanon

تيمور جنبلاط يتسلم زعامة مثقلة بتحديات وأعباء “انقسام وعدم استقرار” على الساحة الدرزية

لم تعرف الطائفة الدرزية وضعا سياسيا منذ العام ٢٠٠٥ كالذي تعيشه هذه الأيام من حيث عدم الاستقرار والانقسام الداخلي وخلط أوراق العلاقات والتحالفات.

هذا الوضع الذي يلامس حالة «انعدام الوزن» ويكتسب الطابع الانتقالي من مرحلة الى أخرى، كان بدأ مع قرار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط «التقاعد السياسي المبكر» والانسحاب من المسرح وتسليم مقاليد الزعامة الدرزية والقيادة السياسية لنجله تيمور، حارقا المراحل ومتعجلا إتمام عملية التسليم والتسلم التي جاءت في ظروف بالغة الدقة في لبنان وسورية والمنطقة، ما يجعل أن نقل الزعامة الى تيمور جنبلاط قرار لا يخلو من مخاطرة سياسية مع عدم وصول تيمور الى حالة «جاهزية كاملة» من جهة، وعدم توافر ظروف مساعدة له من جهة ثانية…

جاءت الانتخابات النيابية لتكشف واقعا جديدا في الطائفة الدرزية. كان وليد جنبلاط واحدا من الخاسرين في هذه الانتخابات بعدما حرمه القانون الجديد قدرة التحكم في مجرياتها، واضطر الى خسارة بعض المقاعد لترسو كتلته النيابية على رقم ٩، وهي في مسار انحداري من العام ٢٠٠٥ (18 مقعدا) إلى 2009 (11). فاز تيمور جنبلاط في هذه الانتخابات ولكن فوزه جاء منغصا.

ليس المقصود هنا أنه نال أصواتا تفضيلية درزية أقل مما ناله النائب أكرم شهيب، وقد حصل شيء مماثل مع وليد جنبلاط عندما تقدم عليه مروان حمادة…

المقصود أن مستجدات طرأت وأزعجت النائب وليد جنبلاط وهي:

ـ فوز التيار الوطني الحر بمقعدين في الشوف، في حين أن المحسوب والمتوقع لم يكن أكثر من مقعد واحد…

ـ تقدم وئام وهاب على مروان حمادة في الأصوات التفضيلية، وكاد وهاب أن يفوز بالمقعد الدرزي الثاني ويسجل خرقا نوعيا وهدفا ثمينا في مرمى جنبلاط لولا الحاصل الانتخابي الذي لم يسعفه ولم يحسب له حسابا، أو لم يحصل بسبب مفاجآت تتعلق بالتصويت الشيعي وحزب الله…

ـ خسارة جنبلاط للمقعد الثاني (الأرثوذكسي) في البقاع الغربي الذي لم يتنازل عنه الحريري ولا استطاع الحصول عليه.

هذه التطورات الانتخابية تبقى غير ذات شأن مقارنة بالتطورات السياسية التي تشكل مصدر الاستياء والقلق عند جنبلاط وأهمها:

١ ـ العلاقة السيئة مع العهد الجديد، وتحديدا مع الوزير جبران باسيل الذي يعتبره جنبلاط رجل العهد الأقوى ومن يدير علاقاته وسياساته وتوجهاته التي يبرز فيها التوجه الى إضعاف دور جنبلاط السياسي بدءا من تحجيم وتقليص كتلته النيابية…

٢ ـ العلاقة المتراجعة مع الرئيس سعد الحريري من سيئ الى أسوأ.

وهذا التراجع بدأ منذ سنتين، منذ أن قرر الحريري قلب الطاولة وتأييد انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، ما اضطر جنبلاط للسير بالتسوية على مضض، ثم تفاقم الأمر في تنفيذ التسوية عندما نشأ تحالف وثيق بين الحريري وباسيل، حتى تحول الى ثنائي متحكم بالسلطة والقرارات والتعيينات والمشاريع.

٣ ـ العلاقة المتأزمة مع الأمير طلال إرسلان والواصلة الى حد التسبب في انقسام درزي داخلي شبيه بانقسام مماثل، وإن أقل حدة، عرفه المسيحيون وعرفوا معه بداية عصر انحطاط وانحدار في وضعهم.

وفي وقت كان جنبلاط منهمكا في فك ألغاز تحالف الحريري باسيل بعدما فشل في فك الارتباط القائم بينهما، فاجأه تحالف إرسلان باسيل الذي كان أشد وقعا عليه لأنه يضرب الاستقرار الداخلي للطائفة، ويتيح للوزير باسيل تسجيل اختراق سياسي مباشر فيها، لأن تحالفه مع إرسلان ليس انتخابيا فقط وإنما تحالف سياسي وخيار أخذه إرسلان عن سابق تصور وتصميم وكلفه خسارة حليفيه السابقين بري وفرنجية.

فعل إرسلان ذلك تماشيا مع وضع جديد لم يعد فيه جنبلاط قادرا على التحكم والاستئثار بكامل الوضع الدرزي، ولم يعد كافيا ترك مقعد شاغر لإرسلان في عاليه لإرضائه..

4 ـ لم يكن قانون الانتخابات الجديد لوحده العامل الذي أدى الى تحرر إرسلان من الحاجة الى جنبلاط والى حنق إرسلان على جنبلاط وبري لأنهما حالا دون حصوله على مقعدي بيروت وحاصبيا أو واحد منهما على الأقل.

هناك حسابات أخرى لدى إرسلان ترتبط بالعهد الجديد في لبنان الذي انخرط فيه منذ البداية داعما انتخاب الرئيس ميشال عون، وساعيا الى تصحيح علاقته مع الحريري.

جنبلاط الذي ساءه أن يدخل الحريري على خط الوضع الدرزي الداخلي، وساءه أن يكون إرسلان منخرطا في تكتل باسيل النيابي، رفع درجة هجومه على الحريري الذي يرى في هذا الهجوم «تحاملا»، وبدأ معركة سياسية مفتوحة مع باسيل، وأسقط خيار المساكنة مع إرسلان والثنائية الدرزية غير المتكافئة معه: في المواجهة مع باسيل يحصل تنسيق وتعاون بين جنبلاط وبري، وفي المواجهة مع إرسلان يحصل تقاطع والتقاء بين جنبلاط ووئام وهاب.