بعيداً عن المزايدات الإعلامية، انكب المراقبون على دراسة أرقام إحدى أكثر الدوائر الانتخابية المسيحية سخونة، هي دائرة الشمال الثالثة (بشري، زغرتا، الكورة والبترون)، وذلك نظراً للمواجهة المباشرة التي شهدتها بين ثلاثة مرشحين للرئاسة هم سمير جعجع وجبران باسيل وسليمان فرنجية كما ذكرت وكالة “أخبار اليوم”.
ويقرأ المراقبون الأرقام الناتجة عن هذه الانتخابات وفق الوقائع الآتية:
ـ أولاً: أثبتت “القوات اللبنانية” أنها الحزب الأكبر والأكثر تنظيماً في هذه الدائرة، ولكن أرقامه بقيت دون توقعاته بحصوله على 4 حواصل بعد انضمام “الكتائب اللبنانية” إلى لائحته. ففي البترون حققت “القوات” مفاجأة مدوية عبر نيل أكثر من 10 آلاف صوت في مقابل حوالى 12 ألف صوت لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، في حين كانت التوقعات المتفائلة تتحدث عن حصول “القوات” على 8 آلاف صوت في حين كان البعض يتوقع لباسيل ما لا يقل عن 14 ألف صوت. أما في الكورة فكانت نتيجة “القوات” منصفة لها وتوازي التوقعات تقريباً رغم أن مرشحها النائب فادي كرم سقط بسبب فورة الأصوات البترونية وليس بسبب تراجع الأصوات القواتية في الكورة.
أما الصدمتان السلبيتان لـ”القوات” فجاءتا من بشري وزغرتا. ففي بشري جاء التصويت أقل من المتوقع لتنال اللائحة القواتية أقل من 13 ألف صوت في مقابل حصول المرشح وليام طوق على حوالى 4500 صوت، وكاد المرشح جوزف اسحق يسقط على فارق 77 صوتاً تقريباً لتصبح نسبة الأصوات التفضيلية لفادي كرم أعلى من نسبته فينجح كرم ويسقط اسحق لمصلحة نجاح وليام طوق في بشري وسقوط جورج عطالله في الكورة. وبالتالي لا تزال الإدارة القواتية في معراب تدرس أسباب الخلل الواضح في ماكينة بشري حيث كادت تقع في المحظور!
أما قضاء زغرتا فشكل خيبة أمل كبيرة بعد ترشيح مرشح قواتي للمرة الأولى، فلم ينل النقيب ماريوس البعيني غير 2776 صوتاً في حين كانت “القوات” تقدّر حجمها الزغرتاوي قبل الانتخابات بحوالى 5 آلاف صوت.
ـ ثانياً: تمكن تيار “المردة” من حصد 4 مقاعد في هذه الدائرة انطلاقاً من تحالفاته ومن تراجع قدرة تيار المستقبل على حشد الأصوات السنية وتجييرها لمصلحة لائحة “الشمال القوي” التي انضمّ إليها عبر مرشحه نقولا غصن. وهذا الأمر ظهر جلياً في تراجع قوة “المردة” في قضاء زغرتا إلى أقل من 19 ألف صوت في حين كان النائب سليمان فرنجية يتوقع حصوله على ما بين 22 ألف و24 ألف صوت. ولولا تحالفه مع الحزب السوري القومي الاجتماعي ومع النائب بطرس حرب لكانت حسابات “المردة” مختلفة بشكل كامل.
ـ ثالثاً: بدأ “التيار الوطني الحر” مسيرته في هذه الدائرة فظهر أن ثقله الشعبي في البترون حيث الوزير جبران باسيل، في حين أن حضوره في زغرتا والكورة اقتصر على أقل من 4 آلاف صوت في كلّ من القضائين، إضافة الى تحالف رمزي في بشري مع سعيد طوق من دون أن يكون لـ”التيار” حضور فعلي فيها.
ولكن في الخلاصة يعتبر المراقبون أن باسيل وضع حجر أساس لطموحه، وهذا ما اضطره إلى أن يسعى جاهداً للتحالف مع رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوض، ولو بشروط الأخير ورفضه التنازل عن ثوابته، وخصوصاً أن باسيل كان يحتاج الى شريك شمالي والتحالف مع معوض أمّن له أن يظهر توازناً بين اللوائح الثلاثة بحيث نالت لائحته كما لائحة “القوات” 3 حواصل.
ـ رابعاً: حققت “حركة الاستقلال” مفاجأة من العيار الثقيل في هذه الدائرة فأثبتت أنها تشكل القوة الرابعة من حيث عدد الأصوات التي نالها معوض، وذلك بعد “القوات” و”المردة” و”التيار”، فسبقت تيار المستقبل والقوميين وبطرس حرب و”الكتائب”. كما أن أرقام معوض في قضاء زغرتا شكلت صدمة لأكثر من طرف وخصوصاً لتيار “المردة” الذي كان يشيّع بين مناصريه بأن معوض لن ينال أكثر من 6500 صوت كأقصى حد، فنال معوض 8571 صوتاً في حين نال طوني فرنجية 11407 أصوات، وأيضاً شكلت أرقام معوض صفعة لـ”القوات” التي كانت تمنّي النفس بالتفوق على معوض في زغرتا، فإذ بالأخير يظهر ان حجمه الزغرتاوي يفوق حجم “القوات” بـ3 أضعاف ما أدّى إلى حسم واقع الأحجام بشكل نهائي على صعيد قضاء زغرتا، وما يسمح لرئيس “حركة الاستقلال” بالتفاوض مستقبلاً انطلاقاً من حجمه الحقيقي منفرداً ومن دون منّة من أحد، وخصوصاً أنه جيّر للائحة ما لا يقل عن 1000 صوت خارج قضاء زغرتا، ما يجعل حجمه منفرداً حوالى 10 آلاف صوت.
وبهذا المعنى يجمع المراقبون على أن معوض و”حركة الاستقلال” شكلوا المفاجأة الكبرى في هذه الدائرة وخصوصاً أن حجمهم في السابق كان غير واضح بفعل التحالف الدائم مع “القوات” فأتى هذا القانون بتحالفاته ليكشف الأحجام الحقيقية للقوى السياسية في كل الأقضية والدوائر.
-خامساً: مُني كل من تيار المستقبل و”الكتائب اللبنانية” بخسارة قاسية في هذه الدائرة.
فمن جهة “المستقبل” برز تراجع الإقبال السني بشكل كبير إضافة الى عدم قدرة “المستقبل” على الحشد والتجيير ما أدى الى صدمة سقوط مرشحه في الكورة نقولا غصن الذي نال فقط حوالى 2500 لمصلحة مرشح “التيار” جورج عطالله.
أما “الكتائب” فشكلت أرقامها في البترون نكسة قد يكون سببها التفاف القاعدة السيادية حول مرشح “القوات” الدكتور فادي سعد الذي كان يملك الحظوظ الفعلية في مواجهة الوزير باسيل، وهذا ما برهنته الصناديق بالفعل.