كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
رغم المتغيّرات الهائلة ووقائعها اللاهبة في المنطقة، فإن لبنان ما زال ينعم بـ“فترةِ سماحٍ” إقليمية، جنّبتْه الانضمام إلى نادي الدول المشتعلة على مدى سبعة أعوام من “الحديد والنار” في دول قريبة وبعيدة في الشرق المستباح، وتتيح له الآن وحتى إشعار آخر إمرار الترتيبات الجديدة في إدارة الحكم وعلى البارد، بعد الانتخابات النيابية التي جرت في السادس من هذا الشهر.
فلم يكن عادياً انصراف بيروت إلى كوْلساتها في عمليات جسِّ نبضٍ لما ستكون عليه الحكومة العتيدة، على وقع مناوشاتٍ استباقية، حدودها لعبة الأحجام فيها، في اللحظة التي تكبر بقعة الدم الفلسطيني على تخوم غزة وتُمنى القدس بنكبةٍ جديدة مع رفرفة العلم الأميركي فوق السفارة، وتَرنُّح المنطقة بأسرها فوق الفوهةِ الإيرانية – الاسرائيلية المربوطةِ بالصاعق النووي.
فبعد نحو عشرة أيام على الانتخابات العاصفة، بدت بيروت وكأنها في استراحةِ محاربٍ تستعدّ لمعاودة انتخاب الرئيس نبيه بري على رأس البرلمان (الأربعاء المقبل) بأقل قدر من الضجيج ونائباً له من حصة حزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أي “التيار الوطني الحر”، ايذاناً ببدء المعركة الأكثر حساسية على الحكومة الجديدة، رئيساً وتوازنات وحقائب وبياناً وزارياً.
ورغم أن رحلة تشكيل الحكومة، التي يفترض أن تبدأ الأسبوع المقبل مع التكليف شبه المحسوم للرئيس سعد الحريري بموجب الاستشارات النيابية التي سيُحدد موعدها بعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبه، لن تكون سهلة في ضوء تعقيدات توزيع الحصص الوزارية والتوفيق بين “أوزان” الكتل ونوعية الحقائب، إلا أن ثمة معطيات تشير الى منحى لاستعجال ولادة الحكومة لسببيْن متداخليْن:
- الأول حرص الرئيس عون، الذي كان عبّر مراراً عن ان الحكومة الأولى في عهده ستكون عملياً بعد الانتخابات، لن يتساهل مع أي اتجاهات لعرقلة مسار التشكيل وتأخيره لأشهر، ولا سيما أن ثمة ملفات ضاغطة وضعها كأولوية قصوى للمرحلة المقبلة مثل عودة النازحين السوريين وتوفير البيئة السياسية الملائمة للاستفادة من الدعم الدولي لمسيرة النهوض الاقتصادي في لبنان.
- والثاني الواقع الاقليمي البالغ التوتر والذي يرغب “حزب الله” في ملاقاته بإبقاء الواقع اللبناني “تحت السيطرة” وضمن الضوابط التي تحكمه حالياً ولا سيما بعد ارتياحه الى نتائج الانتخابات النيابية التي وفّرت له ولإيران “أفضلية” يَخشى ان يحاول البعض كسْر اندفاعتها.
ومن هنا كانت “كلمة السرّ” التي عبّر عنها الأمين العام لـ“حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمة له أول من أمس حين جزم بأن ”موضوع رئيس مجلس النواب محسوم، وسيكون دولة الرئيس نبيه برّي”، أما منصب نائب الرئيس وهيئة المكتب “فعلى الأغلب لن يكون هناك خلاف عليهما، بل سيكون تفاهم”، مضيفاً “هناك لغة إقليمية، مُعادية لنا، تطلب عدم الاستعجال في تشكيل الحكومة، وإذا أمكن جرّ البلد نحو خلاف. ولكن المصلحة الوطنية تُحتّم أن تُشكّل الحكومة الجديدة من دون أي تأخير”.