كتب عيسى يحيي في صحيفة “الجمهورية”:
من المسؤول عن حال الإهمال التي وصلت إليه دائرة نفوس بعلبك؟ وهل الفساد والسمسرات صفة يجب أن تلازم هذه الدائرة في عهد الإصلاح ومكافحة الفساد، ولماذا يتوجّب على المواطن دفع رسوم الوثيقة للدولة والمعلوم للموظف، وعلى أي أساس تكون الدائرة حكراً لمختار على علاقة وثيقة برئيسة الدائرة المكلفة بالوكالة يصنع فيها ما يشاء مقابل انتظار المخاتير والمواطنين أياماً للاستحصال على وثائقهم؟!
يبدو أنّ حظ مدينة بعلبك لا يحالفها إلّا بالندرة، فمشاكل المدينة الإنمائية والأمنية والإقتصادية لا تنتهي، حيث ظنّ البقاعيون أنه مع إنشاء محافظة بعلبك – الهرمل عام 2003 وبعدها بأعوام، بتعيين المحافظ الذي يعمل ما استطاع إليه سبيلا، ستعيش المنطقة ارتياحاً من مختلف الجوانب يبدأ بفصل الإدارات ولا ينتهي بالإنماء، لكن الواقع كان مختلفاً لجهة سوء عمل بعض الإدارات وتراجع أدائها.
وقصة قلم النفوس في بعلبك كقصة إبريق الزيت التي لا تنتهي، فلا تكاد تمر فترة وجيزة على مشكلةٍ في الدائرة حتى يرتفع الصوت على مشكلة جديدة.
منذ عشرات السنين عانت دائرة النفوس إهمالاً وفساداً تمثّل بتفشّي ظاهرة الرشاوى والسمسرات بين الموظفين، حيث أصبح إنجاز أي وثيقة مرهون بدفع المعلوم، حتى جاء قرار وزير الداخلية مروان شربل عام 2011 المتمثّل باستحداث مكتب للقوى الأمنية في سراي بعلبك مهمته ضبط أعمال الدائرة، وقيام عناصر قوى الأمن بتسلّم طلبات الحصول على الوثائق من المواطنين وتسليمهم إيّاها بعد إنجازها من قبل موظّفي الدائرة وفق الأصول لجهة الوقت وغيره، إضافةً إلى قيام العناصر بكتابة الوثائق للمواطنين خلال الفترة الأخيرة لأنّ الموظفين لم يكلفوا أنفسهم عناء إكمال ما يتوجّب عليهم من وثائق يومياً.
وعليه، سارت الأمور وفق ما رسم لها، وانتظم العمل في الدائرة، حيث برزت مشكلة تقنية تمثّلت بأخطاء في وثائق ما يزيد عن 20 ألف مواطن من المنطقة تقاذَف المخاتير والداخلية التهم في سبب وقوعها، لتظهر مشكلة جديدة في المكان الذي نقلت إليه الدائرة في مبنى المحافظة الجديد والمؤقت لجهة ضيق المحلّة والمستودع الذي حفظت فيه السجلات والمعرّضة في أيّ وقت للتلف والسرقة.
ولأنّ مشاكل القلم لا تنتهي عادة لتظهر من جديد، ففي الوقت الذي يفترض أن تسير الدائرة وفق النظام المعمول به وإصدار وثائق المواطنين الشخصية بالسرعة المطلوبة، عادت الدائرة إلى سابق عهدها قبل موعد الإنتخابات بأيام، حيث اتخذ قرار بإلغاء مكتب قوى الأمن في مبنى القلم واستبعد العناصر عن تسلّم وتسليم الطلبات للمواطنين وإدارة الأمور اللوجستية لجهة إصدار الوثائق في نفس اليوم وغيرها، وعادت السمسرات تتفشى بين الموظفين من دون حسيب أو رقيب حتى أصبحت الدائرة أشبه بدكانة لكل موظف فيها حصة، يتأبّط بعضهم عدداً من طلبات إخراجات قيد عائلية وفردية صباحاً لمخاتير وأشخاص لإنجازها مقابل بدل مادي في وقت ينتظر عدد من المواطنين والمخاتير أياماً للحصول على وثائقهم، حتى أصبح الطلب الداخل إلى قلم نفوس بعلبك للاستحصال على وثيقة رسمية مفقود والخارج بعد ايام مولود، زِد على ذلك عدم توزيع سجلات الأحياء بشكل منتظم بينهم، فترى الدفاتر تتداور بينهم وتتطاير يمنةً وشمالاً ما ينتج عن ذلك أخطاء كثيرة عند كتابة تلك الوثائق.
ويعود السبب في ذلك إلى غياب مأمور نفوس أصيل وإلى قلة عدد الموظفين في الدائرة، وليس آخراً المحسوبيات التي نتجت عن انتداب موظفة من بيروت إلى الدائرة يومين في الأسبوع لتسهيل أمور المواطنين بعد الأخطاء التي وقعت في وثائق الناس واضطرارهم للسفر إلى بيروت، فكان القرار بتسيير أمور الناس في المدينة ورفع كاهل السفر عنهم.
وعليه، سارت الأمور لفترة وجيزة على هذا المنوال ليتفشّى بعدها الإهمال والسمسرات نتيجة تضارب الصلاحيات بين قوى الأمن والموظفين، فعمل من عمل على اتخاذ القرار بإبعاد قوى الأمن الداخلي عن الدائرة، ليخلو الجو لأصحاب النفوس الدنيئة، وتبدأ مرحلة ابتزاز الناس بأموالهم مقابل وثائقهم، والانتظار الذي يقضيه المواطنون لأيام من دون أن يخلو من بعض الكلام المسيء من قبل الموظفين.
وفي حين كان انتداب الموظفة لتسيير أمور الناس، تحوّلت القصة إلى ربح مادي يتمثّل بقرب أحد المخاتير من الموظفة حيث لا تستعصي عليه قضية في أخطاء القلم والوثائق، تصحّح مقابل مبالغ تصل إلى 1000 دولار تنفق على هدايا وإكراميّات بين الجانبين، أضف إلى إصداره طلبات إخراجات القيد لمختلف المواطنين من أبناء بعلبك والقرى المجاورة في حين ينصّ القانون على ألّا تقبل الطلبات إلّا من مختار المحلة نفسه.
شكاوى المواطنين والمخاتير تكاثرت في الآونة الأخيرة حول طريقة التعاطي، والبطء في إنجاز المعاملات، حتى أصبح الجميع تحت دفع المعلوم أو رضى موظّف يسهّل لهم أمورهم، وخوفاً من المساءلة وطلبهم للتحقيق كما جرى مع بعضهم بعد التعبير عن رأيهم في قضية نقل مكان الدائرة والسراي، يرفض بعض المخاتير التصريح للإعلام، ولكن في الوقت نفسه يطالبون وزارة الداخلية بزيادة عدد الموظفين وتعيين مأمور نفوس أصيل يعرف كيف يسيّر أمور الدائرة وينجز المعاملات ويحوّلها إلى الدوائر المعنية، كذلك يطالبون بعودة قوى الأمن لتسيير أمور الناس، ويضيف البعض أنّ الدائرة كانت في أحسن أحوالها قبل إبعاد العناصر عنها، كذلك يطالبون بكفّ يَد البعض لجهة المحسوبيّات وتصحيح الوثائق وغيرها، ويسأل البعض عن القرار الذي اتّخذ بسحب عناصر قوى الأمن من دائرة النفوس ومن المسؤول عنه، ولمصلحة من؟ علماً أنه عام 2011 دائرة النفوس هي من طالبت بقوى الأمن في القلم.
غياب العقاب عن دائرة نفوس بعلبك وتنظيمها لجهة تعيين مأمور نفوس وزيادة عديد الموظفين واستبداد موظفة ومختار بها، يطرح السؤال: إلى متى يبقى الإهمال في دوائر الدولة، وخصوصاً البعلبكية منها؟ وإلى متى يجب على المواطن أن يدفع ثمن تلك الفوضى نتيجة تقصير الدولة في المحاسبة وتنظيم الإدارة؟!