بدأت المشاورات حول المرحلة الجديدة بعد الانتخابات النيابية تسلك خطوات جدية بعد اللقاءات بين قادة الكتل الرئيسة. وأخذت هذه المشاورات ترسم المواقف من الاستحقاقات التي تلي الانتخابات وتفرز المواقف من بعضها بعضاً، بدءاً بانتخاب رئيس البرلمان نبيه بري لولاية جديدة، في ظل اتجاه إلى نوع من الإجماع عليه بعد لقائه الذي وصفه بـ «الممتاز» مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي تسرب عنه أنه ماضٍ في التعاون مع رئيس المجلس، وبعد إعلان عضو «تكتل لبنان القوي» النائب شامل روكز أن التكتل سيؤيد بري لرئاسة البرلمان، والنائب إيلي الفرزلي نائباً له. ولا ينسحب التأييد العارم الذي سيلقاه بري على ترشيح الفرزلي، بعدما استبعد «لبنان القوي» بذلك ترشيح النائب الجديد إلياس بو صعب للمنصب. والكتل النيابية الرئيسة المعارضة لانتخاب الفرزلي ستتكون من «المستقبل»، «القوات اللبنانية»، «اللقاء النيابي الديموقراطي» و «الكتائب»، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين، فيما كشفت صحيفة «الحياة» أن «القوات» باشرت منذ ليل أول من أمس، اتصالات من أجل حصد الدعم لترشيح عضو كتلتها النائب الجديد عن الشوف – عاليه أنيس نصار. وكان «اللقاء الديموقراطي» في اجتماعه قبل يومين قرر عدم التصويت للفرزلي ولبو صعب نظراً إلى التباعد السياسي بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» وبين «التيار الوطني الحر» اثناء الحملات الانتخابية. وقالت مصادر «القوات» إن نصار فاز بالنيابة عن قضاء عاليه بالتحالف مع «الاشتراكي» وبالتالي لا ينتظر أن تعارض قيادته هذا الترشيح، والاتصالات متواصلة في هذا الشأن مع نواب مستقلين أيضاً.
وكان زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري باشر التحرك للتفاهم على المرحلة المقبلة بلقائه عون ثم بري الأسبوع الماضي، ثم بلقائه المطول أول من أمس مع رئيس «القوات» سمير جعجع، بعد «انقطاع دام أشهراً طويلة « كما قال الأخير. وهما تقاطعا على رفض تأييد الفرزلي، (المصنف في قوى 8 آذار والقريب من القيادة السورية) من بين القضايا العديدة التي ناقشاها. وعلمت «الحياة» من مصادر الفريقين أن البحث جرى خلال لقائهما في انتخاب نائب رئيس البرلمان استناداً إلى المعطيات لدى كل منهما عن أن الرئيس بري فهم من لقائه مع الرئيس عون أول من أمس، أنه يفضل انتخاب الفرزلي. وقالت المصادر نفسها إن الحريري أبدى لجعجع تأييده لترشيح نصار أحد نواب «القوات» الأرثوذكس.
وفيما قال جعجع رداً على سؤال حول اتهامات له بالتحريض على الحريري في السعودية، إن «هذا لا أساس له وبات قديماً للغاية»، أكد مصدر مقرب من الحريري لـ «الحياة» أن أياً من الرجلين «لم يتناول مرحلة استقالة الحريري وظروفها بحيث لم يحصل لا عتاب ولا نقاش في هذا الشأن، والرئيس الحريري كان متجاوباً وجعجع لم يطرح أي شروط بل تحدث بمنطق جديد عن المرحلة المقبلة.
وأضاف المصدر: «من اللحظة الأولى للقاء ابتعدت الشوائب التي سادت العلاقة في المرحلة السابقة التي اتسمت باصطفافات مختلفة، ودخلا في صلب البحث في المرحلة الجديدة التي تحدث عنها جعجع في تصريحه مشيراً إلى الحاجة إلى «انطلاقة جديدة» من نقاطها «أن ندعم جميعاً العهد، ونتحلق أكثر حول مؤسساتنا الدستورية: العهد، المجلس النيابي والحكومة». وأكد جعجع أن الحكومة المقبلة تحتاج وجوها جديدة وطريقة جديدة في العمل، وقال إن الحريري « كان مستمعاً ولا مانع لديه، لكنه يريد أن يرى مدى قابلية الفرقاء الآخرين لهذا الطرح»، مكرراً موقف «القوات» بفصل النيابة عن الوزارة. وأوضح أن بنظره والحريري «ليس لدينا الكثير من الوقت من الناحيتين الاقتصادية والمالية». وقال جعجع: «لا يمكن أن ننطلق انطلاقة جديدة ليبدأ لبنان الخروج مما هو فيه سياسياً واقتصادياً، بثياب قديمة وإلا سنحصل على نتائج السنوات السابقة… ولا نستطيع أن نقبل بأنصاف الحلول».
وإذ جدد القول إن «ما يجمع القوات والمستقبل أكبر بكثير مما يفرقهما»، واعتبر أن «تفاهم معراب (مع التيار الوطني الحر) لم ينته أبداً على رغم كل الشوائب، والرئيس الحريري من ضمن تفاهم معراب، فهو على تفاهم مع العهد». وأوضح أنه كان مع الحريري «صديقين يتباحثان للتوصل إلى تصور حول الحكومة الجديدة لكي نحسّن في البلد. الحصص ليست لدينا، انسوا الأمر. نحن على استعداد لأن نبقى خارج الحكومة ونؤيدها». وتابع: «ليست لدينا أي مطالبة بأي حقيبة معينة. ويجب أن يكون التمثيل الوزاري لكل طرف على قدر حجمه الشعبي والنيابي. فلا أحد منا سيبخس الآخر حقه أو يتنازل عنه».
وعلق المصدر المقرب من الحريري على كلام جعجع مؤكداً أنه ورئيس «القوات» عقدا لقاءً هادئاً حول «أهمية إنجاح المهمات والتحديات المطروحة على الدولة في المرحلة المقبلة، بأسلوب جديد لتحقيق إنجازات تعالج الوضع الاقتصادي المتردي وتحقق صدمة إيجابية». وذكر المصدر نفسه أن البحث لم يتطرق إلى الحقائب والأسماء في الحكومة المقبلة، وركز على التوجهات المطلوبة، في انتظار بدء الاستشارات النيابية حول التأليف.
وعما إذا تناولا الخلاف مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في شأن مقاربة ملف النازحين السوريين، أوضح المصدر أن البحث اقتصر على ملاحظة من وزير الإعلام ملحم رياشي الذي حضر اللقاء، استغرب فيها رمي المسؤولية (في مواقف التيار الحر) على وزارة الشؤون الاجتماعية التي يتولاها الوزير القواتي بيار بوعاصي في إيجاد حل لهذه الأزمة، كأنها هي القادرة على معالجته. واعتبر المجتمعون أن إثارة الأمر على هذا الشكل له أهداف سياسية وليس الوصول إلى حل.
وذكر المصدر المقرب من الحريري لـ «الحياة» أن الأخير وجعجع تطرقا إلى الوضع الإقليمي الساخن ومخاطره على لبنان من التطورات الدراماتيكية في فلسطين، إثر نقل الإدارة الأميركية سفارتها إلى القدس، إلى الموقف العربي والدولي في مواجهة سياسة إيران وتدخلاتها في المنطقة، انتهاء بالانتخابات العراقية والوضع في سورية. وأشار المصدر نفسه إلى أنهما اتفقا على أن « مختلف القوى السياسية مدعوة إلى أن تتحمل مسؤوليتها في حماية البلد من التداعيات الإقليمية المتسارعة».
ولفتت مصادر لصحيفة “الأخبار” إلى أن تركيز جعجع صبّ على ملفات اجتماعية واقتصادية، لناحية حلّ ملفات تتعلق بالكهرباء وأزمة السير وطريقة العمل في الإدارة.