كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
أربعة أشقاء لبنانيون من آل الخيّاط، مقيمون في أستراليا، اتُّهِموا بالتخطيط لتفجير طائرة إماراتية فوق سيدني عبر شقيقهم الانتحاري، آلة التنفيذ عبوتان مخبّأتان في فرّامة لحوم ودمية باربي داخل حقيبة سفر، في تموز 2017. تراجع المنفِّذون في اللحظة الأخيرة. مرّ أسبوعان، أوقف اثنان منهم في أستراليا وأوقف الشقيق المتّهم أنّه انتحاري في لبنان، فيما أوقف الرابع، وهو قيادي في تنظيم «الدولة الإسلامية»، في العراق. في الجلسة الأولى من المحاكمة، بكى عامر الخياط دافعاً بالبراءة. أما محاضر التحقيق، فتتضمن إفادتين. الأولى تثبت تورطه والثانية تُبيِّن أنّه بريء وأنّ أشقاءه أرادوا التخلُّص منه!
بكى الموقوف عامر الخيّاط، اللبناني الأسترالي المتَّهم بالإعداد لتنفيذ عملية انتحارية لتفجير طائرة إماراتية لمصلحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، أثناء مثوله الأوّل أمام رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله، يوم الاثنين الفائت. صرخ الشاب الأربعيني باكياً: «والله ما خصّني. سمعت بالقصة من الإعلام وإجوا وقّفوني وحقّقوا معي. أنا تبع نايت كلوب ومخدرات مش دين وإرهاب. اتركوني لروح على بيتي». خيّاط هذا اتُّهِم مع أشقائه الثلاثة بالتخطيط لتنفيذ عملية إرهابية لاستهداف طائرة قادمة من سيدني الأسترالية إلى أبو ظبي، تحمل على متنها 120 لبنانياً من أصل 400 راكب، بواسطة عبوتين مخبأتين في فرّامة لحوم ودمية باربي. لم تُنفَّذ العملية. تراجع المنفِّذُون في اللحظة الأخيرة بسبب وزن الحقائب الزائد. استخرج الأخ الأكبر خالد العبوتين من الحقائب، ودّع شقيقه وغادر مسرعاً فيما أكمَل عامر (مواليد ١٩٧٨) الانتحاري المُشتبه فيه، طريقه إلى لبنان. لم يكد يمرّ أسبوعان حتى أوقف شقيقا عامر، خالد ومحمود من قبل أجهزة الأمن الأسترالية، فيما أوقف فرع المعلومات اللبناني الشقيق الثالث بعد مرور ثلاثة أسابيع على وجوده في لبنان.
ما الذي دفع بأربعة أشقاء للتورط بالتخطيط لعملية إرهابية بهذا الحجم؟ وكيف بدأت القصة؟ مَن جنّد مَن؟ وما حكاية الثأر الذي انطلق من عاصمة «دولة الخلافة» في الرقة؟ وكيف وقعت القُرعة على عامر الخيّاط ليؤدي دور الانتحاري؟ لماذا تراجع المنفِّذون في اللحظة الأخيرة وكيف أُحبِطت العملية بتوقيف الأشقاء الأربعة؟
في عام 2000، سافر عامر إلى أستراليا، حيث يقيم معظم أفراد عائلته منذ عام 1988. خطب هناك من فتاة طرابلسية تحمل الجنسية الأسترالية قبل أن ينفصل عنها بعد عام. ثم تزوّج فتاة من عكار وعَمِل لسنوات لدى ذويها «شيف مطعم». حصل على الجنسية الأسترالية عام 2006. وفي عام 2009 انفصل عن زوجته وترك عمله في المطعم. تنقّل بين عدد من المطاعم قبل أن ينتهي به المطاف في شركة تنظيفات يملكها لبناني. مع بداية الأحداث في سوريا واحتدام القتال الدائر هناك، قرر شقيقه طارق الخياط اصطحاب عائلته إلى الرقة للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية. وفي عام 2016، قُتل أحد أبنائه الذي لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره أثناء قتاله في صفوف التنظيم المتشدد. لم تكد تمرّ أشهر قليلة حتى قتل ابنه الثاني بقذيفة أثناء قتاله أيضاً. شكّلت حادثة مقتل ابنَي طارق، تحوّلاً كبيراً في حياة عائلة خيّاط. حضر أشقاؤه إلى لبنان للمشاركة في العزاء. منذ ذلك الحين، تكثّفت الاتصالات بين خالد الشقيق الأكبر (مواليد 1964) وشقيقه طارق الذي فقد ابنيه عبر تطبيق الـ«Wechat». بات يتابعه عن قُرب ويتابع إصدارات التنظيم حتى أنّه، بحسب إفادة عامر، بايع تنظيم الدولة الإسلامية من أستراليا، راغباً في الثأر لمقتلهما. يروي عامر أنه كان منبوذاً من أشقائه لكونه كان يشرب الكحول ويتعاطى المخدرات. وهذا كان سبب انفصاله عن زوجته. يقول للمحققين إنّ وفاة ابني شقيقه دفعته إلى إعادة التفكير، فقرر «التوقّف عن الشُرب والتوبة عن المعاصي» ليبدأ بالصلاة. غير أنّ ما يبرز لافتاً في إفادة عامر واقعة طلب خالد منه «تنفيذ عملية استشهادية للتكفير عن أخطائه ورفع رأس العائلة التي كان قد جلب لها العار بسلوكه الشائن». عند هذه النقطة تكون الرواية أمام مسارين. الأول أنّ شقيقيه خالد ومحمود أقنعاه بتنفيذ العملية وبالتالي ثبوت تورطه لكونه تواطأ معهما؛ والمسار الثاني أن يكون أشقاؤه قد أرادوا التخلُّص منه، والإيحاء بأنّه نفّذ عملية استشهادية، بعد دس عبوتين ناسفتين بين أغراضه. وبحسب التحقيقات، تارة يروي عامر كيف فاتحه شقيقه خالد بموضوع العملية الانتحارية وأنّه ردّ عليه بـ«إن شاء الله»، ويسرد كيف عرض عليه الأول لاحقاً الكيفية وباشر بإعداد العبوتين الناسفتين في منزل خاله عمر مرعي بمعاونة ابنه محمد الذي كان يعمل في المطار. ويكشف أنّ العبوتين كانتا مزوّدتين بموقت يضمن انفجارهما بعد عشرين دقيقة من إقلاع الطائرة. قبل أن يقول إنّ لا عِلم له بأنّه كان يحمل عبوتين ناسفتين، نافياً أن يكون أحد من أشقائه قد حدّثه بهذا الموضوع. ويشير إلى أنّه علِم بتوقيف شقيقيه من وسائل الإعلام، قبل أن يُلقى القبض عليه.
في متن التحقيقات التباس يتعلق بكيفية التخطيط لتهريب العبوة الناسفة إلى الطائرة. فتارة يقول عامر إنّ شقيقه خالد أخبره أنّ حقيبة اليد لا تُمرّر عبر السكانر لذلك وضع فرامة اللحمة فيها وطلب إليه حمل الدمية بيده للحؤول دون تفتيشها، علماً أنّ هذه المعلومة غير صحيحة تقنياً لكون كل شيء يخضع لكشف السكانر. ولدى مواجهته بذلك، ردّ بأنّ هناك صديقاً أسترالياً في المطار يعمل في التفتيشات سبق أنّ سهّل مروره من دون خضوعه للتفتيش، مشيراً إلى أنّه كان سيعتمد عليه لإعادة الكرّة.
في متن الرواية الأولى التي تفيد بعلمه أنّه يحمل عبوتين، يقول عامر إنّ الغاية من وجود عبوتين ضمان حصول الانفجار، ففي حال تعطّل واحدة تنفجر الثانية. ويتحدث الانتحاري المفترض عن تطوّر مفصلي أدى إلى إفشال العملية في يوم التنفيذ. يروي كيف توجه مع شقيقيه خالد ومحمود إلى المطار. وبينما انتظرهما محمود خارجاً، قصد مع شقيقه خالد مكتب طيران الاتحاد في مطار سيدني من أجل الـ«Boarding». غير أنّ الصدمة كانت بالوزن الزائد للحقيبتين. الحقيبة التي لم تكن تحوي متفجرات كان وزنها ٢٣ كليوغراماً، فيما بلغت زنة الثانية ١١ كيلوغراماً. عندها طلبت العاملة في المكتب منه خفض وزن حقيبة اليد إلى ٧ كيلوغرامات. ولدى سؤالها إن كان بإمكانه إدخال الدمية معه إلى الطائرة ردتّ بالرفض، طالبة إليه وضعها في الحقيبة، علماً أنّها تفاجأت بوزن الدمية الثقيل بحيث بلغت ٣،٥ كيلوغرام. يتحدث عامر عن شكوك ساورت العاملة التي بان أمامها بصورة واضحة أنّ هناك أمراً غريباً، قائلاً: «انتاب شقيقي خالد شعور بالخوف وارتبك خوفاً من افتضاح أمرنا فسحب فرامة اللحمة بعد لفّها بالملابس وأخذ اللعبة مني وغادر مسرعاً».
جلسة المحاكمة التي جرت يوم الاثنين الماضي، هي الأولى التي تُعقد منذ توقيفه في تموز العام الماضي، إلا أنّها أُرجئت لإبلاغ أشقائه الثلاثة المدّعى عليهم طارق وخالد ومحمود مع ابن شقيقه محمد الخيّاط، علماً أنّ الأوّل وهو قيادي في تنظيم «الدولة الإسلامية» أوقف في العراق، فيما الشقيقان الآخران موقوفان في أستراليا بتهمة الإرهاب. في الجلسة الأولى، طلب رئيس المحكمة تسطير رسالتين، الأولى إلى السلطات الأسترالية للطلب منهم تزويده بمحاضر التحقيقات المجراة مع الموقوفين لكشف ملابسات لا تزال غامضة. والثانية إلى السلطات العراقية لتزويد الطرف اللبناني بمعطيات عن التحقيق القائم مع الموقوف اللبناني خيّاط. كذلك طلب رئيس المحكمة إيداعه داتا الاتصالات للموقوف من قبل فرع المعلومات لتحديد طبيعة تواصله مع شقيقه القيادي في تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأمن الأسترالي لم يوقف سوى الشقيقين، فيما تُرِك محمد خالد الخياط حُرّاً على رغم إشارة الموقوف إلى أنّه ساعد بتجهيز العبوة مع والده بعدما وصلهما طارق الخيّاط بخبير متفجرات من التنظيم. كذلك لم يتم توقيف الخال عمر مرعي الذي جُهِزت العبوتان في منزله، لكونه لم يكن يعلم بذلك وكان بالمستشفى. كذلك لم يتم تحديد كيفية إدخال المواد المتفجرة إلى أستراليا.