كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
بعد الانتخابات، اتجهت الأنظار الى الاستحقاق الأهم في عملية إعادة تكوين السلطة وتحديد الأحجام السياسية، وهو استحقاق الحكومة الجديدة.
لم يكن في الحسبان أن استحقاق رئاسة المجلس النيابي سيكون مطروحا على بساط البحث أو موضع اهتمام لأن الأمر محسوم للمرشح الأوحد الرئيس نبيه بري، ولكن حدث أن «معركة» من طرف واحد، هو الطرف المسيحي، فتحت حول رئاسة المجلس وأخذت عنوان «معركة الأوراق البيضاء»، وأن معركة فتحت بين الكتلتين المسيحيتين الأقوى («لبنان القوي» و«الجمهورية القوية») حول نيابة رئاسة المجلس.
في موضوع رئاسة المجلس، المسألة باتت مسألة بأي حجم يعود الرئيس بري رئيسا للمجلس الجديد، وما إذا كان بإمكانه تحقيق توافق وإجماع حول شخصه أم أن التصويت المسيحي من جهتي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية له بالمرصاد وسيحول دون تحقيق مثل هذا الإجماع عبر اقتراع «الورقة البيضاء»، أو الاقتراع السلبي طالما ليس هناك من مرشح آخر.
حتى الآن ليس هناك من قرار نهائي متخذ لدى أي من الحزبين، ويدور نقاش سياسي داخلهما بمضمون مختلف.
النقاش لدى التيار الوطني الحر يتوزع بين رأيين: الأول يرى، وانطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل، ضرورة عدم التصويت للرئيس بري ردا على عدم تصويته للعماد عون رئيسا للجمهورية، خصوصا وأن توترا كبيرا شهدته العلاقة معه في الأشهر الماضية ومازالت تداعياته قائمة.
أما الثاني، فإنه يطرح أن يكون هذا الاستحقاق مناسبة لفتح صفحة جديدة مع الرئيس بري وتوجيه إشارة إيجابية وبادرة حسن نية في سياق تسهيل مهمة وخطط العهد، وتماشيا مع الأجواء الإيجابية بين رئيسي المجلس والجمهورية، في ضوء لقائهما قبل أيام والتفاهم الحاصل حول ترتيبات المرحلة المقبلة.
أما النقاش داخل القوات، فإنه يدور أيضا بين رأيين وتوجهين، ولكن بمضمون آخر: الرأي الأول يطرح اعتماد الموقف ذاته الذي اعتمد عامي 2005 و2009 بعدم التصويت للرئيس بري لأسباب سياسية، وطالما هو في تموضعه وفي محور حزب الله المتحالف مع إيران والنظام السوري.
وهذا الموقف ليس موقفا شخصيا من بري الذي تكن له القوات كل تقدير واحترام ومودة، والرأي الثاني يطرح ضرورة التصويت للرئيس بري لأسباب كثيرة منها:
٭ أن ظروف اليوم غير ظروف 2009، والانقسام الذي كان بين فريقي 8 و14 آذار لم يعد موجودا.
٭ أن الفصل بين الموقف السياسي والعلاقة الشخصية غير موفق وغير ممكن عمليا.
وسيتعاطى بري مع التصويت بالورقة البيضاء كمؤشر سلبي وسينعكس الأمر على العلاقة السياسية معه، في وقت تسجل العلاقة معه تقدما والتقاء في أكثر من ملف داخلي، وتحتاج القوات الى حليف سياسي مثلما تحتاج الى توسيع مروحة علاقاتها، وتحديدا باتجاه الطائفة الشيعية.
٭ أن تأييد انتخاب بري ينسجم تماما مع موقف القوات الداعي الى الرئيس القوي المستند الى تمثيل شعبي وتأييد في طائفته، وبالتالي فإن تأييد انتخاب رئيس المجلس القوي ينسجم مع مقولة رئيس الجمهورية القوي ويكرسها.
قبل أن يصدر القرار النهائي عند القوات والتيار في شأن رئاسة المجلس، فتحت بينهما معركة حول نيابة رئاسة المجلس.
كان من المفترض أن «الكباش الأول» (المنازلة) سيكون في معركة الحكومة الجديدة، ولكنه حصل في مجلس النواب الجديد.
وأهمية هذه المعركة بغض النظر عمن يربحها، ستكون مناسبة لإجراء أول فرز وتحديد لكتل وتحالفات وتوجهات المجلس الجديد، وستكون فرصة للطرفين لإجراء أول «اختبار قوة» وأول عملية «جس نبض» داخله.
«تكتل لبنان القوي» لديه أربعة نواب أرثوذكس هم: إيلي الفرزلي، إلياس بوصعب، جورج عطالله، واسعد درغام، ويرى أنه بصفته التكتل الأكبر يحق له أخذ موقع نائب رئيس المجلس.
والمفارقة أنه ينطلق في معركته مدعوما من الرئيس بري استنادا الى تفاهم جرى بين بري والرئيس عون بأن يكون نائب رئيس المجلس من هذا التكتل، ولم يعرف بعد ما إذا كان التفاهم يتضمن تصويت التكتل لرئاسة بري.
ويتردد أن التفاهم تم على أن يتولى إيلي الفرزلي هذا الموقع مع أن اسم الياس بوصعب مطروح بقوة، وهو المفضل عند الوزير باسيل.
«تكتل الجمهورية القوية» يضم أيضا 4 نواب أرثوذكس هم: أنيس نصار، عماد واكيم، وهبي قاطيشا وسيزار المعلوف، وقد قررت القوات اللبنانية ترشيح نصار لمعركة نيابة الرئاسة، وانطلقت من قاعدة نيابية لا بأس بها مؤيدة لهذا الترشيح وتضم كتل المستقبل والاشتراكي والكتائب، مع وجود اتصالات مفتوحة مع «المردة» و«العزم» وآخرين.
القوات اتخذت قرارها بعدما تأكدت أن إيلي الفرزلي سيطرح كمرشح وحيد، وهو موضع اعتراض وتحفظ من كتل كثيرة، وأن التيار الوطني الحر يحضر بعد ذلك لأخذ موقع نيابة رئاسة الحكومة (الذي تشغله القوات مع غسان حاصباني) لإلياس بوصعب بعد صرف النظر عن مبدأ فصل النيابة عن الوزارة وبحجة أن هذا الموقع كان دوما محسوبا لرئيس الجمهورية أو عليه.
بالتالي، يمكن الاستنتاج أن القوات تخوض قتالا استباقيا على جبهة مجلس النواب لحماية موقعها ومصالحها في الحكومة المقبلة.