تقرير آية يونس:
يحتفل لبنان بـ”اليوم الوطني للتراث” في الخميس الثالث من شهر أيّار. ويعتير هذا اليوم فرصة للمواطنين للتعرّف على المتاحف والمواقع الأثرية في بلدهم مجّاناً، تطبيقاً للقرار رقم 71 الصادر عن وزارة السياحة عام 2015. ولهذه المناسبة تقيم وزارة الثقافة-المديرية العامة للآثار في المواقع الأثرية في لبنان، سلسلة نشاطات ثقافية وفنيّة، يستمتع الزوّار بها، من لوحات فولكلورية الى عزف موسيقى شرقية، فرقص وأغان على أنغامها.
وفي هذا اليوم المميّز، لا بدّ من استذكار قصّة “منزل آل الحسامي” أو ما يسمّى بـ”بيت القرميد” في جبيل، الذي أطلقت عليه مع الزمن تسميات من قبل السوّاح أعطت قيمة اضافية الى هذا الموقع الغني عن التعريف، مثل “بيت البحر” أو “حارس البحر” كونه يقع على تلة مشرفة على الأبيض المتوسّط.
لقد عانى هذا البيت بقدر ما عانى اللبناني في بلده، “خبرية بتاخدو وخبريّة بتجيبو” فلو كان له لسان لنطق وقال “ارحموني”. عاش يتيماً منذ عام 1923 حين هدمت سلطات الانتداب الفرنسي كلّ البيوت التي كانت قائمة على ذات الموقع وذلك بهدف اجراء الحفريات الاثرية بعد اكتشاف مدافن ملوك جبيل الفينيقيين، واستخراج كميات كبيرة من الآثار التي أرسلت إلى متاحف فرنسا. وقد بقي هذا المنزل وحيداً طيلة هذه الفترة يراقب الحضارات التي مرّت عبر العصور في جبيل، وفي الوقت عينه، يعدّ السنوات التي تأكل كلّ يوم من قرميده وأساسته وأحجاره. ولكنّ رغم كلّ ذلك، تصدّر الصحف والمجلّات والأخبار السياحية اللبنانية والعربية والعالميّة وأصبح نجماً يبتسم أمام عدسات الكاميرات ليظهر جماله الذي لا يعكس ما في داخله أبداً.
“بيت آل حسامي” الذي كان ملكا للسيد عثمان الحسامي التاجر المعروف في وقته، انتظر أكثر من عشر سنوات لاتمام مشروعه بحسب مسؤولة جبل لبنان الشمالي وموقع جبيل في المديرية العامّة للآثار تانيا زافين . وانتهت حاليّا مرحلة درسه ووضع التصاميم بمساعدة مهندسين ومرممين، ليتحوّل قريباً بعد ترميمه الى متحف يشمل تاريخ حفريات موقع جبيل. وهنا، أفضّل ألّا أدخل في تفاصيل عن تضارب المصالح بين الوزارات المعنيّة التي أدّت الى تأخير أعمال التأهيل وتعطيلها.
بشرة خير؟
قدّمت وزارة الثقافة في مناسبة يوم التراث الوطني هديّة الى اللبنانيين والى الجبيليين الذين لا يعرفون ما هي الاجابة المناسبة التي ترضي السائح الذي يسألهم عن سبب عدم الاهتمام بهذا الارث الثقافي واهماله، من دون احراج أنفسهم أمامهم. نعم، لقد بدأت وزارة الثقافة بالشراكة مع بلدية جبيل-بيبلوس مشروع ترميم هذا البيت وتحويله الى متحف واعادة تأهيل كل المنطقة المحيطة بالقلعة، بالاضافة الى مركز الدراسات في جبيل الذي تقوم بتفعيله بحلة جديدة قريبا.
ولكن، ما لا يدركه الناس أنّ صورة هذا المنزل التي رسخت في أذهانهم، لن تبقى كما هي. فبعد الترميم، سيتحول “البيت الحجري القرميدي” الى “البيت الأبيض” اذ أنّه سيطلى بالدّهان الأبيض باعتبار أنّ شكله الأساسي ” كان كذلك عند بنائه قبل أن تتلف واجهته وتظهر أحجاره الرمليّة التي تعرفونها اليوم” بحسب المديرية العامّة للآثار.
لقد انتظر اللبنانييون سنوات كثيرة ليتمكّنوا من الدخول الى هذا البيت الذي شكل حالة استثنائية عند الزوار وخصوصاً أنّ الدخول اليه بأعداد كبيرة يشكّل خطورة عليهم، فخاف الكثيرون من الدخول اليه والذين دخلوه تمنّوا لو لم يفعلوا بسبب الحالة السيئة التي يعانيها، هذا ناهيكم عن الطريق المؤدية اليه المليئة بالأشواك والحشرات المؤذية.
فلنترك الأياّم المقبلة تحدّد رأي الناس في الشكل الهندسي الجديد لبيت جبيل الشهير الذي تشبه قصّتّه حكاية رجلّ مسنّ تمنّى أن يعود شاباً، فأعادوه طفلاً…