كتب فيليب جيلي – لو فيغارو في “الجمهورية”:
بالرغم من أنّها أوّل إمرأة في التاريخ تتولّى رئاسة الـ»سي أي أيه»، لم تكن جينا هاسبل من قبل صاحبة شهرة. وإذا كان الجميع في مقرّ لانغلي يعرف شكلها الرشيق والخفي تقريباً، فهذا لأنّها تسكن منذ 30 عاماً «ممرّات التجسّس الأميركي الغامضة»، بحسب أحد سابقيها مايكل هايدن. وفيما عدا مهنيّو الحرب السرية الذين صفّقوا لتعيينها بلا تحفظ، لا أحد يعرف حقّاً المديرة الجديدة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.
تجاوزت هاسبل عائق مجلس الشيوخ يوم الخميس بـ54 صوتاً مقابل 45، بدعم من 5 ديمقراطيّين عوَّضوا عن إنشقاق 3 جمهوريّين. وقبل أسبوعين، كانت على وشك سحب ترشيحها بسبب إحتمال وجود جلسة صعبة، «ومُحرجة» لسِمعتها ولسِمعة الـ»سي آي أيه». وبدعم من البيت الأبيض، واجهت أخيراً خمس ساعات من الإستجواب العام وجلسة مغلقة.
وكان الأمر لهذه المرأة البالغة من العمر 61 سنة المتمرّسة في المعارك السريّة بمثابة عملية قلب الأدوار، كما كان أيضاً إختباراً إستعدّت له طوال حياتها. وحتى بجسمها الضعيف وحديثها المهذّب، لم تستسلم لأي شيء. إذ استجوبها أعضاء مجلس الشيوخ المُحبطون بشأن مرحلة مشكوك بها من حياتها المهنية الطويلة، لا سيّما أنّهم يجهلون بقيّتها.
وكانت قد انضمّت إلى وكالة المخابرات المركزية في سن الـ28، عام 1985، حيث أمضت جينا هاسبل 32 سنة «متخفيّة» كجاسوسة تحت هويات متغيّرة وأعمال غامضة. وإلى حين تعيينها كنائب مدير إلى جانب مايك بومبيو العام الماضي، لا يمكن إيجاد سوى صور نادرة لها ولا أثر لها على شبكات التواصل الإجتماعية وتسجيل صوتي واحد، أثناء مأدبة لقدامى «مكتب الخدمات الإستراتيجية» (OSS) (سلف الـ»سي آي أيه»).
لم يرفع مركز لانغلي في فرجينيا إلّا جزئيّاً الحجاب عن مسيرتها المهنية: شغلت 20 منصباً مختلفاً، بما في ذلك سبعة في الخارج (في أفريقيا وآسيا والشرق الأدنى وأوروبا). كما تعلّمت خلال تنقّلاتها المتعدّدة اللّغة الروسية والتركية. إلّا أنّ منصبها الأخير كرئيسة للتجسّس «في عاصمة دولة حليفة» ، لندن، هو سرّ معروف.
ولوكالة المخابرات المركزية أسباب وجيهة للإحتفاظ بلغز مهام موظفيها القديمة: فبعض الشركات الوهمية في الخارج لا تزال تُستخدم كغطاء للعملاء السرّيين الذين لا يملكون حجّة ديبلوماسية. ولكن يُشتبه في أنّ جينا هاسبل عندها إفراط في الحماس في عبادتها للسريّة.
ويعتقد السيناتور رون وايدن أنّه: «يمكن كشف السريّة عن كثير من هذه المعلومات. وأظن أنّ الوكالة تغطّي ماضيها، لأنّه إذا عرفت عامة الشعب ما أعرفه أنا، لقال كثير من أعضاء مجلس الشيوخ إنّه لا يوجد خيار آخر سوى رفض تعيينها». وتؤكّد المعنيّة على عكس ذلك أنّ نفس القوانين قد طُبّقت عليها وعلى زملائها، وتقول إنّه لو قالت المزيد «لساعد ذلك في تأكيد تعييني، وهذا أمر لا أريد القيام به».
والسرية لا تدين التواضع. فأخبرت هاسبل أثناء استجوابها: «منذ أوّل أيّامي في الخدمة السرية، برعت في البحث والحصول على المعلومات السرية التي تمّ الحصول عليها من خلال التبادلات الخفية والمخابئ أو اللقاءات في الممرّات الترابية في عواصم العالم الثالث. مغامرة كنت أحلم بها […]. كان يمكن أن أعيش من دون قضاء ليال طويلة أنام فيها على أرضية قسمي في مركز مراقبة مُتقدّم. لكنّني أفتخر بالعمل المنجز، بما في ذلك القبض على الإرهابيين الرئيسيين، وعملية ناجحة لمكافحة الإنتشار وتفكيك خلية إرهابية». وبعد أن تعرّضَت الـ»سي آي أيه» للضغط، أحالت الوكالة إلى لجنة الإستخبارات ملفّاً سريّاً لا بدّ أنّه يكشف مزيداً من الأمور.
خسر المنتخبون أخيراً أمام خبرة هذه المرأة، التي تؤكّد أنّها «تعرف الـ»سي آي أيه» عن ظهر قلب». وفي 2002، كانت جينا هاسبيل مسؤولة عن مراقبة «موقع أسود» لوكالة المخابرات المركزية في تايلاند، إحدى السجون السرّية حيث خضع الإرهابيون المشتبه بهم «لإستجوابات مُعزّزة»، وهذه كناية إستخدمتها إدارة بوش. وفي عام 2014، إستنتج تقرير برلماني يتألّف من 700 6 صفحة أنّ هذه الإستجوابات لجأت إلى التعذيب فعلاً.
وتعطي النسخة التي رُفعت السرية عنها تفاصيل عن الضربات حتى الغثيان ومحاولات الغرق والحبس في مربع حجمه 75 × 50 سم في تايلاند للفلسطيني أبو زبيدة في آب 2002، 24 ساعة على 24 ولمدة 19 يوماً.
ما من دليل يثبت أنها شاركت شخصياً في ذلك. ومع ذلك، هتف بعض المتظاهرين في مجلس الشيوخ «Bloody Gina» (جينا الدامية). وقد أدانها الإتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) بأنّها «مجرمة حرب». وحضّها العديد من الديمقراطيين المنتخبين على القول إذا كانت تعتبر أنّ هذه الأساليب، المحظورة منذ ذلك الحين، «غير أخلاقية».
فتهرّبت هاسبل من ذلك، مشدّدة على أنّ الـ»سي آي أيه» قد حصلت على «معلومات قيّمة» في ذلك الوقت. لكنّها أكّدت أنّها تتمتّع بـ»بوصلة أخلاقية قوية» ووعدت أنّها لن «تعود أبداً» إلى هذا الماضي المظلم. ودعا جون ماكين الذي تم ّتعذبيه من قِبل الـ»فيت كونغ» إلى التصويت ضدّها، معتبراً «أنّ رفضها للإعتراف بعدم أخلاقية التعذيب يُسقط أهلية تعيينها».
وبعد ثلاث سنوات من هذه الحادثة، أوصت جينا هاسبل بتدمير 92 تسجيل فيديو للإستجوابات «لحماية عملاء» وكالة المخابرات المركزية الذين يظهرون فيها. وتتحمّل مسؤولية هذا القرار «بالكامل» الذي لا شكّ في أنّه غريب عن شعبيتها داخل المركز.
ودافع عنها مديرون سابقون، مثل ليون بانيتا وجون برينان أمام المنتخبين. وفي رسالة تلت إستجوابها، إعترفت أخيراً بـالتالي: «بعد أخذ خطوة للوراء والخبرة، لم يكن يجب على الـ»سي آي أيه» أن تقوم ببرنامج الإستجواب القوي». وأدّى الجدل إلى أن يهرع دونالد ترامب لمساعدة «مرشحته المحترمة جدّاً، وأكثر شخص مؤهّل، لأنّها كانت قاسية جدّاً مع الإرهابيين!»
ويقول الرئيس السابق للعمليات السرية فرانك ارشيبالد التي كانت هاسبل مساعدة له: «لم أرَ الظروف تطغى عليها من قبل». هذه الشخصية القوية ستفيدها أمام الرئيس الذي اقترح خلال حملته إعادة استخدام «محاولات الغرّق وأساليب أسوأ بعد».
وحذّرها جيمس كلابر، المدير السابق للإستخبارات الوطنية الأميركية في عهد باراك أوباما، والذي يوافق على اختيار جينا هاسبل قائلاً: «أعتقد أنّها ستكون مديرة ممتازة طالما هي مستعدّة لأن يتمّ طردُها في أيّ وقت.»
جيمس كلابر، المدير السابق للإستخبارات الوطنية الأميركية في عهد باراك أوباما: «ستكون مديرة ممتازة طالما هي مستعدّة لأن يتمّ طردُها في أيّ وقت.»