كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
صباح الاثنين المقبل، تُعقد جلسة استجواب النائب المنتخب ميشال ضاهر بدعوى الاحتيال وإساءة الأمانة أمام قاضي التحقيق الأول في بعبدا نقولا منصور. تنعقد هذه الجلسة التي لا يُعرف إن كان سيحضرها مالك شركة «ماستر تشيبس» أم سيتغيّب للمرة الثانية، فيما ينام إخبار ثان بشبهة التعامل التجاري مع إسرائيليين في أدراج مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، أحالها إليه النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود جراء إخبار تقدمت به حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان، بناءً على ما نُشر في «الأخبار» يوم 13 نيسان 2018. النيابة العامة العسكرية لم تحرك ساكناً للاستماع إلى ضاهر أو سؤاله أو حتى التدقيق في ما نُشر وعُرِض على وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة. فهل يجوز الارتياب هنا من كون مفوض الحكومة بيتر جرمانوس معيّناً من الفريق السياسي نفسه الذي ترشح ضاهر على لائحته؟ لماذا لم يكلف القاضي نفسه عناء السؤال عن الوثائق والمستندات التي يُشتبه بموجبها بضاهر؟ هل تجُبُّ التحالفات الانتخابية ما قبلها ويغفر لضاهر إعلانه أنه سيتبرّع براتبه النيابي للجيش؟
نحن أمام قضيتين منفصلتين. الأولى تمسّ الأمن القومي اللبناني وتتعلق بشبهات تورط رجل أعمال أصبح نائباً في البرلمان بالتعامل التجاري مع إسرائيليين. والثانية تتعلق بإخبار قدمه رجل الأعمال سامر الجميل لدى النيابة العامة المالية، بتهمة اختلاس أمواله المودعة لدى شركة ضاهر. كان قد سبقه تحقيق لوحدة التحقيق التابعة لهيئة الأسواق المالية وتلاها ادعاء للنيابة العامة المالية على ميشال ضاهر وابنه مارك وشركتهما بجرائم الاحتيال وإساءة الأمانة ومخالفة قانون النقد والتسليف ومخالفة تنظيم مهنة الوساطة المالية مع علمهم بالأمر.
في قضية التعامل التجاري مع إسرائيليين، خرج النائب المنتخب قبل يومين من الانتخابات النيابية عبر قناة «أم تي في» ليُبرِّر شراكته مع إسرائيلي، مدعياً أنها شبيهة بشراكة أيٍّ كان في شركة عملاقة مثل «ماكدونالدز». أوحى ضاهر بوجود آلاف المساهمين في شركة كان يملك حصة فيها، فكيف سيعلم أن أحدهم إسرائيلي؟ أراد تسخيف القضية فأجاب بما حرفيته: «أنا شريك بأربعين شركة بأميركا. ما فيي أعرف كل واحد من وين جايي وشو أصولو. إذا بدي اشتري أسهم بماكدونالدز ممكن يكون فيها إسرائيلي». المثل الذي ضربه ضاهر أراد من خلاله الإيحاء للرأي العام بأنه كمن يشتري سهماً في بورصة لا يعلم من فيها، لكنه لم يذكر أنه كان عضو مجلس إدارة وثالث أكبر مساهم في شركة يرأس مجلس إدارتها الإسرائيلي درو نيف، الذي جاوره لخمس سنوات في مجلس الإدارة. ودرو نيف كان قد خدم في سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي، وتباهى في إحدى مقابلاته بأن في شركته «مستثمراً لبنانياً مهماً» (راجع «الأخبار» يوم 13 نيسان 2018).
وفي سياق آخر، ردّ ضاهر عبر قناة المرّ زاعماً أن سامر الجميل الذي ادعى عليه بالاحتيال وإساءة الأمانة، تقدم بدعوى ضده بعد سنة ونصف من خسارته ٢١ مليون دولار. فقال إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أخطأ بحقه ثم صحّح خطأه، مبرزاً مستنداً أمام الكاميرا. وادعى أن الخطأ المادي يبرئه من الاحتيال وإساءة الأمانة ومن مخالفة قانون النقد والتسليف ومهنة تنظيم الأسواق المالية المدعى عليه فيها.
المسار القضائي في هذه القضية يبدو طويلاً، في ظل الضغوط الكبيرة التي تمارس. بداية سُحب الملف من قاضي التحقيق الأول في بعبدا جان فرنيني بتاريخ 25 أيلول 2017، بسبب دعوى بالارتياب المشروع. أثبت المدعي بالدليل صدق ارتيابه. حادثة ثانية تستوجب التوقف عندها، وتحديداً لدى القاضية ريتا حرّو ابنة زحلة. فقد اتخذت هذه القاضية بتاريخ ٢٩ آذار ٢٠١٨ قراراً ضد موقعَي «ليبانون ديبايت» و«ليبانون نيوز أونلاين» بالامتناع عن التداول بنزاع قضائي قائم بين سامر جميل وميشال ضاهر بذريعة ما يترتب عليها من تبعات تؤثر في نتيجة الانتخابات، منصّبة نفسها مكان هيئة الإشراف على الانتخابات. ليس هذا فحسب، تدقيق بسيط في تاريخ قرار القاضية حرّو يبين أن هذا القرار كان الوحيد الذي صدر في ذلك اليوم، لكون كل قضاة لبنان كانوا معتكفين بدعوة من مجلس القضاء الأعلى.
في الملف الأم، (دعوى الجميل على ضاهر)، حُدِّد موعد جلسة الاستماع الاثنين المقبل، أي قبل يوم واحد فقط من دخول نائب الأمة قبّة البرلمان، وقبل تمتّعه بالحصانة النيابية. غير أن ذلك لا يعني أن هذه الحصانة ستُشكّل درعاً له لاحقاً إذا ما أُرجئت الجلسة، لكون الجرم، في حال ثبوته، لا يرتبط بنيابته، باعتباره سابقاً لانتخابه وليس ناتجاً من عمله كنائب.
بعد القاضي فرنيني والقاضية حرّو، ماذا سيفعل القاضي نقولا منصور غداً؟ وهل يُفرج القاضي بيتر جرمانوس عن الإخبار ويتحرّك للتحقيق وإجراء المقتضى أم أنّ القضاء سيثبت مرة جديدة أنه يعمل بأمر السياسة؟