كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
استنفرت القوى السياسية كما الأجهزة الأمنية والعسكرية في الساعات القليلة الماضية لتدارك تدهور الوضع الأمني في مدينة بعلبك شرق لبنان، والذي عاد إلى الواجهة مؤخرا على خلفية أشكال مسلح بين عائلتين أدى إلى ترويع سكان المنطقة في الأيام الماضية، من دون تحرك القوى المعنية لإلقاء القبض على المتورطين بالحادث.
وانعقد المجلس الأعلى للدفاع يوم أمس في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء المختصين إضافة لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية. وأشار بيان مقتضب صدر عن الاجتماع الذي يبقي عادة قراراته سرية إلى أنه تمت دراسة «الأوضاع الأمنية في البقاع ولا سيما في بعلبك على أن تُتخذ الإجراءات الملائمة». وأوضح البيان أن المجلس الأعلى للدفاع أوصى الحكومة بـ«تنفيذ المشاريع الإنمائية في البقاع».
وقالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش عرض خلال الاجتماع الوضع في منطقة بعلبك والبقاع بشكل عام كما شرح الإجراءات التي يقوم بها»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «أكد أنه ماض في الخطة التي ينفذها في المنطقة وفي ملاحقة المطلوبين ومداهمة أماكن وجودهم».
وسبق اجتماع المجلس يوم أمس، تعرض دورية للجيش اللبناني إلى إطلاق النار من أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية خلال تنفيذها مداهمة في بلدة حورتعلا في قضاء بعلبك. وقالت مصادر ميدانية في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» إن «عملية المداهمة استهدفت منزلا لشخص من آل المصري كان فيه 5 مطلوبين، وقد تمكن شخصان من الفرار بعد لجوئهما إلى إطلاق النار والقذائف، فيما تم إلقاء القبض على الأشخاص المتبقين، وهم لبنانيان وسوري مطلوبون بجرائم سرقة ومخدرات». كذلك أفادت المصادر عن تنفيذ الجيش مداهمة أخرى في مدينة بعلبك لم تسفر عن توقيف أي مطلوب، فيما أشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أن «مروحية عسكرية تابعة للجيش حلقت بشكل دائري في أجواء مدينة بعلبك على علو منخفض، وخاصة فوق محلة الشراونة».
وكان إشكال مسلح على خلفية ثأرية، وقع مطلع الأسبوع في مدينة بعلبك بين عائلتي كيال وعثمان أدى لإلحاق أضرار بعدد كبير من المحلات التجارية والسيارات وترويع المواطنين الذين طالبوا القوى الأمنية بالضرب من يد من حديد. وأفيد منتصف الأسبوع بأن الجيش سيّر دوريات مكثفة وانتشرت عناصره في بعلبك وأحيائها الداخلية، بعد الاتصال الذي أجراه محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر مع قائد الجيش العماد جوزف عون، لوضع حد للفلتان الأمني في المدينة، بحسب «الوكالة الوطنية للإعلام».
إلا أن الإجراءات التي اتخذتها القوى الأمنية لم تكن كافية لإنهاء الوضع الأمني المتفلت، ما دفع نواب وفعاليات المنطقة يوم أمس لعقد اجتماع في بلدية بعلبك لوحوا فيه باللجوء إلى «الأمن الذاتي» في حال عدم استنفار المعنيين لإيجاد حل نهائي للأزمة الأمنية المستمرة منذ سنوات في المنطقة.
وأعرب رئيس تكتل «نواب بعلبك الهرمل» النائب عن «حزب الله» حسين الموسوي عن شعوره بـ«الخجل والتقصير لأن هناك من يحاول أن يدفّع المدينة ثمن خيارها كمقاومة ولأن هناك شيئا لم نستطع معالجته»، مشددا على أن «المطلوب معروف ومحدد وأطلق النار على الناس وأحرق محلات»، وأضاف: «من يقول إننا لا نساعد الجيش كذاب والجيش يعرف مدى تعاوننا في الجرود وبمجابهة إسرائيل وبما يتعلق بالأمن».
من جهته، أكد وزير الزراعة غازي زعيتر المحسوب على حركة «أمل» أن أكبر المتضررين في المنطقة هما حركة أمل و«حزب الله»، لافتا إلى أن «بعلبك بحاجة إلى ثلاثة آلاف عنصر أمني، أفرزوا لها أربعمائة وخمسة وستين عنصراً». وحذّر زعيتر من أنه «إذا بقيت الأمور على هذه الحال سنعمل على سلخ المنطقة عن لبنان». كذلك أشار رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس إلى أنه «إذا كان عناصر قوى الأمن الداخلي غير قادرين على حفظ الأمن في المدينة، فخذوهم إلى أماكن أخرى، ولنقم بأمن ذاتي ونتعاقد بأمن ذاتي بالتعاون مع شرطة البلدية».
بالمقابل، شدد عضو كتلة «المستقبل» النائب المنتخب عن منطقة بعلبك – الهرمل بكر الحجيري على أن ما يُحكى عن أمن ذاتي «غير ممكن وغير مفيد»، لافتا إلى أن «الإشكال الرئيسي في المدينة يكمن بأن الدولة لا تتعاطى بحزم مع الملف الأمني في المنطقة لغياب القرار السياسي». وقال الحجيري لـ«الشرق الأوسط»: «القوى الأمنية في بعلبك كما المواطنون ضحية، فلو توافر القرار السياسي لضرب عناصر الأمن بيد من حديد». وأضاف: «الكل يعلم أن حزب الله وأمل هما اللذان يمسكان كل شيء على الأرض، لكنهما يقدمان مبررات تقول بأنهم غير قادرين على ضبط بعض الزعران، علما بأنهما في الانتخابات الأخيرة تمكنا تماما من فرض التصويت باتجاهات محددة وبالتالي في حال أرادا حقيقة ذلك فهما قادران على فرض احترام القانون والنظام».