IMLebanon

“حزب الله” يتهيأ لاحتمالات التسويات الإقليمية!

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

يلغط الوسط السياسي اللبناني والإعلامي بالتكهنات حول تأثير العقوبات الأميركية الخليجية ضد إيران و «حزب الله» على الوضع اللبناني الداخلي، لا سيما على تأليف الحكومة الجديدة بعد الانتخابات النيابية والتي يفترض أن تبدأ الآلية الدستورية لتشكيلها مطلع الأسبوع المقبل، باستشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتسمية الرئيس المكلف.

ويسود هذا الوسط وجهتا نظر، الأولى ترى أن لا بد لهذه العقوبات أن تؤثر على عملية التأليف بعدما اعتبرت الدول الخليجية في إدراجها أعضاء في شورى «حزب الله» على لائحة العقوبات، أن لا تمييز بين الجناح العسكري والجناح السياسي للحزب. ويرى أصحاب هذا الرأي أن لا بد من الأخذ في الحساب تصاعد موقف الدول الخليجية حيال الحزب رداً على مواصلته وإيران سياسة العداء لها في أكثر من ميدان، وبالتالي تأثير ذلك على توزير محازبين منه في الحكومة العتيدة.

ويقول هؤلاء وبينهم نواب إن هذه الدول لن تقف متفرجة على دخول الحزب إلى الحكومة بعد العقوبات، وبالتالي إذا لم تأخذ موقفاً من تأليف حكومة لحظة ضم وزراء للحزب إليها، فإنها ستكون متشددة حيال لبنان في المرحلة اللاحقة في إطار العلاقة الثنائية بين الدولتين بحيث لا تبدي الحماس الموعود للانفتاح عليه. وهذا ستكون له نتائج سلبية على المساعدات الاقتصادية.

أما وجهة النظر الأخرى فتعتبر أن حديث تأثير العقوبات على تأليف الحكومة ما زال محصوراً في الوسط الإعلامي، ولم يحصل جدياً في الأوساط السياسية المعنية بتأليف الحكومة. فالحديث الإعلامي عن استبعاد «حزب الله» من الحكومة فرضية غير ممكنة سياسياً لأن المعادلة المحلية لا تتيح ذلك، كما أنها تؤدي إلى عرقلة قيام الحكومة حكماً، وليس هناك من إشارات لدى أي من المعنيين محلياً وخارجياً في هذا الصدد.

«حزب الله» والاستشارات

وفي إطار وجهة النظر هذه يقول مصدر قيادي في «تيار المستقبل» لـ «الحياة» إن تأليف الحكومة سيأخذ منحاه التقليدي بعد انتخاب رئيس البرلمان نبيه بري مجدداً رئيساً للمجلس، ثم نائبه وهيئة مكتب المجلس الأربعاء المقبل، لتبدأ بعدها الاستشارات النيابية التي تشمل كل الفرقاء بمن فيهم «حزب الله». والبداية من هنا، حيث يشارك الحزب في تسمية الرئيس المكلف. وسواء سمى الحزب زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي سيحظى بالأكثرية، أم لم يسمه فإنه سيتشاور مع الكتل النيابية وفق الأصول، ومن ضمنها كتلة الحزب، حول التأليف. والافتراض أن الحريري وحده يقرر اشتراك الحزب أو يفرض عدمه، في الحكومة مجاف لطبيعة النظام السياسي والتركيبة الداخلية التي تتحكم بتركيبة هذه الحكومة. فالحريري يكلف بالمهمة استناداً إلى التوازنات بين عدد من الأطراف. والتوازنات التي تحول دون استبعاد الحزب، هي نفسها التي تحول دون فرضية استبعاد غيره. وهذا ينطبق على فرقاء آخرين. فهل يمكن تأليف حكومة من دون «القوات اللبنانية» وهي الفرضية التي طرحها البعض سابقاً؟ وهل يمكن أن تقوم حكومة من دون الحزب التقدمي الاشتراكي؟ نفي الفرضية هذه ينطبق على «حزب الله».

العقوبات والتعطيل

ويعتبر المصدر القيادي في «المستقبل» أن طرح موضوع مشاركة الحزب في الحكومة «ينقل الأمر إلى خيار يساوي بين العقوبات وبين تعطيل تأليف الحكومة، لأن الرئيس بري سيتضامن مع الحزب، في وقت ليس هذا هدف العقوبات التي لها بعد إقليمي في سياق الضغوط الدولية على إيران والحزب لتدخلاتهما في دول المنطقة، ما يجعل العقوبات إقليمية وليست أمراً لبنانياً داخلياً».

ويضيف: «ليس هناك أي مؤشر من أي جهة محلية أو إقليمية إلى أن الدول التي أعلنت عن العقوبات تريد تعطيل تأليف الحكومة. وسفراء أميركا ودول الخليج يلتقون الفرقاء اللبنانيين ولم يظهر منهم أي توجه أو رسالة من هذا النوع». ويلفت أكثر من مصدر إلى أن التدقيق في العقوبات والبيانات السابقة لواشنطن والدول الخليجية يثبت أنها ليست المرة الأولى التي تعتبر فيها الجناحان العسكري والسياسي للحزب واحداً.

ويقول المصدر القيادي في «المستقبل» إن السؤال حول من سيسمي الحزب من قادته للحكومة منطقي بدل طرح مسألة تمثيله أو عدمه. فإذا سمى أشخاصاً تشملهم العقوبات يكون هو في هذا الحال من يعطل تشكيل الحكومة. أما حصة الحزب من ضمن الحصة الشيعية فمن الطبيعي أن يتقاسمها في هذه الحال مع حركة «أمل»، تحت عنوان «الوجود القوي» في الحكومة الذي تحدث عنه أمينه العام السيد حسن نصر الله. وهذا يعني أنه لن يتخلى عن مقعد لمصلحة حليف له كما حصل في شأن تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة الحالية.

أما الحديـث عن الحقائب الأساسية التي يمكن أن يطمـــح إليها الحزب فإن طرحها يغفل أن هذا يأخذ من حصة الرئيس بري، في وقت تفيد المعلومات أن قرار الحزب بتسليم التفاوض على الحقائب وتسمية الوزراء إلى بري، كما حصل في تأليف الحكومة الحالية، ما زال ساري المفعول ولم يتغير.

ويشترك المصدر نفسه مع آخر حليف للحزب في القول لـ «الحياة» إن الحزب لم يقل إن حضوره القوي في الحكومة يكون عبر الحقائب، بل بالمشاركة التفصيلية في أعمالها لوضع الحلول للمشكلات المطروحة، ويجب انتظار ما سيقترحه على هذا الصعيد، من دون استبعاد أن تظهر قيادته تشدداً حيال تمثيله في الحكومة في حال طرح أي فريق استبعاده. ويضيف المصدر الحليف قائلاً: «إلا أن الحزب يتمتع بقدر من الواقعية في التعاطي مع وضع ضاغط كهذا».

الزاوية الإقليمية

ويخلص المصدر القيادي في «المستقبل» إلى مقاربة العقوبات الأميركية والخليجية على الحزب من الزاوية الإقليمية، لا من ناحية تأثيرها على آليات الحكم في لبنان، لأنها تستهدف دوره في سورية واليمن والعراق ودول الخليج وغيرها، باعتباره ذراعاً إيرانية للتدخل في هذه الدول.

ويرى مصدر سياسي بارز أنه يمكن رصد بعض الدلالات لتأثير التطورات الإقليمية والضغوط المتزايدة على سلوك الحزب المحلي من زاوية أخرى، من زاوية الاحتياط لهذه التطورات. ويشير إلى أن الحزب قد يحتاج إلى تحضير نفسه للمرحلة المقبلة وفق العوامل الآتية:

1- إذا صح الحديث عن تسويات إقليمية. فإن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائه بشار الأسد أول من أمس، أنه «مع النجاحات الملحوظة للجيش السوري في الحرب على الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية لا بد من سحب كل القوات الأجنبية من أراضي سورية»، يوجب على الحزب أن ينكفئ إلى الداخل ولو أنه لن يتم غداً. فمبعوث بوتين إلى سورية ألكسندر لافرينتييف أوضح أن المقصود بهذه القوات «الأمريكيون والأتراك وحزب الله والإيرانيون». والضغوط على إيران والحزب قد تنتهي بتفاوض أيضاً في ظل الدور الروسي للتخفيف من احتمالات المواجهة العسكرية قد يقود إلى تفاوض «على الحامي»، في ظل حديث عن الانسحاب الأميركي في الخريف المقبل من بلاد الشام.

نقمة جمهور «حزب الله»

2- أن الحزب يدرك أن السنوات الأربع المقبلة من ولاية البرلمان فائقة الأهمية لجهة الانخراط في الوضع الداخلي أكثر. وحديث «الوجود القوي» في الحكومة والدولة من قبل نصر الله هو نوع من المخاطبة التمهيدية للمجتمع الدولي ولخصومه المحليين وللحريري، بأن شراكته الداخلية قد تتعزز بالتوازي مع احتمال تراجع انخراطه في الوضع الإقليمي إذا فرضت الظروف ذلك في السنوات القليلة المقبلة. ويعزز هذا الاحتمال أن الحزب تلمس في الحملات الانتخابية مدى نقمة جمهوره على أداء قيادته في شأن الصعوبات المعيشية التي يعانيه كسائر اللبنانيين، ويتجه إلى التعويض عن الإهمال السابق.

3- أن التهيؤ لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية التي تتناول وضع سلاح الحزب بإمرة الدولة اللبنانية، تفرض عليه التهيؤ للتكيف مع إمكانية الحد من استقلالية قراره العسكري إذا أنتجت التسويات الإقليمية ظروفا ملائمة لذلك.