أعلنت العقوبات الأميركية – الخليجية على “حزب الله” وكبار قادته بدءًا بأمينه العام السيد حسن نصرالله انطلاق مرحلة جديدة بالغة الخطورة من المواجهة المفتوحة التي أعلنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب بالتعاون مع قادة دول الخليج الذين كان التقاهم في البيت البيض قبل أسابيع.
بطبيعة الحال ليس للعقوبات الجديدة – القديمة أي تأثيرات مالية أو اقتصادية على “حزب الله” أو قادته المشمولين بهذه العقوبات، بفعل أن الحزب وهؤلاء القادة يعيشون عملياً خارج النظام المالي اللبناني، وربما العالمي، باستثناء بعض المسارب التي ربما تكون لا تزال قائمة وتتعقبها أهم الأجهزة العالمية.
التطور الخطير في الإعلان الأميركي – الخليجي هو إطلاق مرحلة جديدة من المواجهة مع إيران وأحد أهم أذرعها في المنطقة “حزب الله”، والتي تأتي بالتزامن مع الضربات التي شنتها إسرائيل على البنى التحتية لإيران في سوريا، كما مع الإعلان الروسي عن وجوب انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، في إشارة ضمنية واضحة لإيران وميليشياتها، كما بالتزامن مع الانتصار الذي حققه السيد مقتدى الصدر في الانتخابات التشريعية في العراق بما يشكل نكسة سياسية كبرى للمشروع الإيراني في العراق، بما يؤشر إلى تدهور أوضاع المحور الإيراني في المنطقة.
وحده لبنان كان شهد من خلال انتخاباته التشريعية الأخيرة ما يشبه تعزيز أوضاع المحور السوري- الإيراني عبر إغلاق الثنائي الشيعي الساحة الشيعية أمام أي اختراق، والعمل في المقابل على اختراق الساحة السنية بوجوه حليفة لـ”حزب الله” والنظام السوري أمثال عبد الرحيم مراد، أسامة سعد، فيصل كرامي، عدنان طرابلسي وغيرهم مع حفظ الألقاب.
هذه الصورة غير الوردية في لبنان، والتي قابلها تعزيز وضع “القوات اللبنانية” ومضاعفة حضورها في المجلس النيابي الجديد، استوجبت إجراءات شكلت صدمت سياسية ثقيلة كالعقوبات التي أعلنت، والتي سبقها بساعات لقاء هو الأول من نوعه منذ 8 أشهر بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، كما سبقتها إجراءات جذرية ونوعية تحت شعار “المحاسبة” و”إعادة التنظيم” الداخلي في تيار المستقبل، والتي حملت رسائل واضحة في أكثر من اتجاه عن طي صفحة اتسمت بـ”التسويات” والتي لم تكن المملكة العربية السعودية راضية عنها على الإطلاق.
كل هذه الصورة تضع لبنان ما بعد الانتخابات أمام استحقاق مواجهة غير مسبوقة منذ أعوام، وتحديداً منذ خيار تيار المستقبل الاشتراك في حكومة الرئيس تمام سلام تحت شعار “ربط النزاع” مع “حزب الله”. فهل يمكن ربط أي نزاع بعد اليوم مع “حزب الله” طالما الولايات المتحدة والدول الخليجية بقيادة السعودية أعلنت المواجهة المباشرة مع الحزب بتصنيف أرفع قياداته “إرهابيين”؟ وأي حكومة يمكن أن تتشكل في ظل هذه المواجهة؟ وهل يمكن للرئيس سعد الحريري أن يشكل حكومة مع من تصنفهم الولايات المتحدة والخليج “إرهابيين”؟ وماذا إذا أصرّ “حزب الله” على المشاركة في الحكومة وبوزارات أساسية كما تشيّع مصادره منذ ما بعد الانتخابات؟ وأي مصير لمسار تشكيل الحكومة وللاستقرار الداخلي برمته؟ وهل يلجأ المسؤولون اللبنانيون إلى منطق “تصريف الأعمال” في انتظار اتضاح صورة المواجهة الإقليمية وخصوصاً بعد تراجع الرئيس العماد ميشال عون عن المطالبة بتشكيل حكومة أكثرية إلى الحديث عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، أم يستعجل “حزب الله” تشكيل حكومة بمشاركة فاعلة له فيها؟
الثابت الوحيد أن الإجابات عن هذه الأسئلة وسواها لن تكون سهلة على الإطلاق، ولا شيء في الأفق يوحي بإمكان تشكيل سريع للحكومة في ظل قرع طبول المواجهة الخطرة في المنطقة!