كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
يكثر الكلام عن الأحلاف السياسية التي قد تتبلور بعد الانتخابات النيابية، كما يزداد استخدام عبارة «ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها» على لسان عدد من النواب والقيادات السياسية.
كل ذلك الضجيج طبيعي بعد صدور النتائج، ومبرر نظرا لما اعترى العملية الانتخابية من صعوبات وتعقيدات، والتي تشبه التعقيدات الواسعة التي حصلت في انتخابات العام 1947، وفقا لما قاله سياسي مخضرم ومتابع لمسار العمل السياسي في لبنان.
بطبيعة الحال، فإن ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها، لأن العملية الانتخابية أسفرت عن مجموعة من المعطيات، لا يمكن تجاهلها.
وقد كان فيها رابحون وخاسرون، وأماطت اللثام عن العتمة التي وقع فيها بعضهم، بحيث انه اعتقد ان الانتخابات ستلغي الوجود السياسي لبعض الأطراف الفاعلة، بينما تطلق يد أطراف أخرى ليكون لها الكلمة الفصل في قرار الدولة من دون منازع.
لكن نتائج الانتخابات بددت هذه الأوهام، وخرجت بعض الاطراف قوية شعبيا ونيابيا اكثر مما كانت، ورسخت حضورها السياسي على شاكلة متماسكة، لاسيما في تمثيل مناطقها او طوائفها.
ورغم ان عددا من الأحزاب نال أرقاما لا يستهان بها من أصوات ناخبين من طوائف مختلفة، وفقا لأرقام أقلام الاقتراع، ولكن الواضح في هذه الأرقام ان حزب الله وحركة امل نالا اكثر من 80% من أصوات الشيعة، والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر نالا ما يقارب 70% من أصوات المسيحيين، والحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه نال أكثر من 80% من أصوات الناخبين الدروز، كما ان تيار المستقبل نال عددا كبيرا جدا من أصوات الناخبين السنة، وهذه الأرقام تعكس بطبيعة الحال واقع التمثيل على الأرض، وستنعكس حكما على التمثيل الوزاري، إذا ما جرت الأمور بالتوافقات المتعارف عليها، لأن عزل احد هذه الأطراف الفائزة في الانتخابات، يمكن ان يعتبر عزلا لطائفة بكاملها، او إخلالا بالميثاقية.
أما الحديث عن الأحلاف السياسية بعد الانتخابات، فيبدو سابقا لأوانه، لأن اعتبارات التوافق تتحكم في اللعبة السياسية اللبنانية، وبحيث ان اي حلف لا يمكن له ان يعزل طرفا أساسيا نهائيا، كما ان أيا من القوى الفاعلة لا ترغب في إعادة تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2007، عندما خرج منها الوزراء الشيعة، واتهمتها قوى 8 آذار في حينها بأنها فقدت الميثاقية.
وقد ردت قوى 8 آذار على هذا الأمر بعدم الاعتراف ببعض قرارات هذه الحكومة، وهي ترفض حتى الآن تصديق قطع الحساب لموازنة تلك السنوات في المجلس النيابي، مما خلق فوضى في مالية الدولة.
لا يمكن تأكيد قيام أي من الأحلاف بين القوى الفائزة بالانتخابات حتى اليوم، بل على العكس فهناك استعداد لدى أغلبية الكتل للتعاون مع بعضها البعض، إلا ان ذلك لا يمنع قيام مثل هذه الأحلاف في المستقبل القريب، إذا ما تم خلط الأوراق على شاكلة واسعة في مفاوضات تشكيل الحكومة، وعندها قد تفعل الفيتوات الطائفية فعلها.