تحقيق رولان خاطر
كُتب الكثير عن معاناة الشباب اللبناني، في ما خص شراء منزل، من دون أي حلول توضع موضع التنفيذ، لا بل أن الشباب يدفعون اليوم جراء توقف قروض المؤسسة العامة للإسكان ثمن ديماغوجية السياسات المصرفية وغياب الرؤية الرسمية في ملف الإسكان. فالشاب مهدد دائماً، بمستقبله، بعمله، بمعيشته، بحياته أحياناً، وبحظه، الذي يشعر انه يتآمر عليه أحياناً. والحظ هنا، عاكس العديد من الشبان الذين قرروا العمل والبقاء وتكوين عائلة في لبنان على رغم من عدم توافر الحد الأدنى من شروط العيش بكرامة ورفاهية وسلام.
نحو 70 شاباً وشابة، موجودون اليوم في حالة صدمة وخوف وضياع. قرروا ان يتملكوا منازل لدى شركة يقولون إن اسمها عريق في مجال البناء والعقارات، فربطوا عقودهم معها، وبدأوا يحضرون خططهم المستقبلية، العائلية والمهنية، إلا أن “عقود القانون” بدأت تنهار مع الحديث عن مشاكل كبيرة داخل شركة Sayfco التي تتولى تسويق العقارات التي تملكها أو التي تتبناها.
هؤلاء الشبان دفعوا “جنى” تعبهم. قدموا أوراقهم لشركة عقارية تدعى Nabay 20 وهي مملوكة ويديرها مالك شركة Sayfco شاهي ابراهام آرا يروافيان، للتملك في مشروع سكني في نابيه – أنطلياس، وهو مشروع St. Thomas.
اليوم، مشاكل كبيرة يواجهوانها. المشروع تأخر. الوعود لم تتحقق. ولا منازل ليستلموها رغم التزامهم الكلي بالعقود القانونية التي وقعوا عليها، فيما الفريق الآخر كما يقولون لم يلتزم من جهته بما تم الاتفاق معه لجهة تاريخ بدء بناء المشروع وتسليم الشقق واليوم يقولون لنا إن صاحب الشركة سيعلن افلاسه وبالتالي، هم امام حائط مسدود.
ايلي سعادة، يقول لـIMLebanon إن الحديث مع الشركة بدأ عام 2013، على أساس أن يتسلّم مسكنه تماما بعد 4 سنوات من تاريخ حصول الشركة على رخصة بناء المشروع. لم تحصل الشركة على الرخصة إلا في الـ2016 أي بعد 3 سنوات، فيما كان يسدد دفعات شهرية للشركة.
إلا أن المشكلة بدأت، كما يقول ايلي، عندما علمنا أن المشروع توقف العام الماضي، وعندما سألنا عن الأسباب، كنا لا نحصل على أجوبة واضحة وشافية، فمرة يقولون إن شركة “كفوري للتعهدات” والتي تتولى بناء مشروع St. Thomas لديها مبالغ ضخمة بحوزة مالكي شركة “نابيه 20” تصل إلى 10 ملايين دولار لم يدفعوها، ومرة أخرى يقولون إن الأرض لا يمكن البناء عليها واستكمال بناء 5 بلوكات إضافية إلى جانب الاثنين اللذين تم بناؤهما. وتارة يقولون لنا إن السيّد شاهي “أفلس”، وبالتالي هناك صعوبة في إكمال المشروع، وحتى من الصعوبة أن نسترد اموالنا، هذا بالاضافة إلى حكاية المالكين الجدد الذين اشتروا شركة “سايفكو” من مالكها شاهي يروافيان ووقوعهم بمشاكل مادية.
بمعنى آخر، المسألة غامضة برمتها كما يقول ايلي. كلام كثير من دون أي نتيجة ملموسة لما ينتظرنا في الأيام المقبلة. فليردوا لنا اموالنا على الأقل، ونحن ندبر أنفسنا، خصوصا أن هناك الكثير من الشباب والشابات ربطوا كل مشاريعهم الحياتية والمهنية بحصولهم على الشقة، وهم دفعوا كل ما يملكون من أموال. وبالتالي المسألة عندهم “يا قاتل يا مقتول”.
يصل مبلغ الأموال الذي دفعه ايلي سعادة لصالح “نابيه 20” إلى نحو 75 ألف دولار. في حين دفع جيلبير مرهج حتى الآن 36 ألف دولار، وهو الذي وقع العقد مع “نابيه 20” في الـ2016. ويقول جيلبير لـIMLebanon: “الدفعة الأخيرة التي أعطيتها للشركة كانت 4000 دولار، وبعد يومين تبلغت منهم بأن المشروع توقف. فوجئت بما حصل. قصدت الأرض موقع البناء فكانت خالية من أي حركة، لا عمال ولا أعمال.
ايلي داغر، أيضاً ممن وقعوا في مشكل مع “سايفكو”. دفعت 48 الف دولار ووقعت العقد في الـ2016، كما قال لموقعنا. ويضيف: “وعدنا بانه عندما تتأمن الرخصة يبدأ البناء بالمشروع. ونتسلم شققنا بعد 4 سنوات. بدأ العمل بشكل بطيء لمدة سنة.
داغر يقول إن المشاكل بدأت تظهر بشكل واضح عندما قاموا بتشييد بناءين من 5 طوابق من البلوكات الصغيرة. وعندما باشروا العمل بالبناء الثالث بدأ التراب “يشلق”. هكذا قيل لنا. لكن التبريرات لم تقف عند هذا الحد، فكنا كلما نراجعهم بشأن مصير المشروع كنا نتلقى أجوبة مختلفة. هناك من قال لنا إن المشاكل هي مع “كفوري للتعهدات”، الذي توقف عن البناء بسبب أموال له لدى السيد شاهي، فتم مراجعة شركة “كفوري” فأكدوا لنا أن شركة “نابيه 20” لا تدفع لها الأموال، في حين كان جواب القيمين على الأخيرة إن القضية ليست قضية أموال بل المشكلة في الأرض التي لا يمكن استمرار تشييد الأبنية عليها لخطورة الانزلاق.
كذلك الأمر بالنسبة لغدي رشوان، الذي حاول التملك هو وشقيقته أليكسا في مشروع “سان توماس”، وتعاقد مع “نابيه 20″، لكن بطبيعة الحال، المشكلة ذاتها يواجهانها كما غيرهم من المتعاقدين. وعود كاذبة، كلام كثير من دون نتيجة، حتى المعنيين كالمدير العام المساعد للشركة جوزف دكاش الذي اجتمع مرات عدة بالمتعاقدين، واعدا إياهم بحلول قريبة أو بإعادة أموالهم، لم يستطع أن يفي بوعوده أو يقدم حلولا ناجعة، فالأمور كانت تتخطى قدرته على الحل.
هذه المشكلة، ليست الأولى من نوعها في لبنان، فكثير من الشباب والعائلات وقعوا في مشاكل الشركات العقارية التسويقية، وكان الثمن دوما يدفع من جيب المواطن الضعيف.
لكن الخطورة بدأت تكبر، عندما أعلن السيد شاهي يروافيان يوم الأحد 20 أيار 2018 عبر موقع الشركة على “الفايسبوك” إعلانا خطيرا، وهو أن السيد محمد حمدون اشترى في العام 2015، 90% من أسهم شركة “سايفكو القابضة” بواسطة شركة Real holding sal؟
وكشف السيد يروافيان هوية محمد حمدون، وهو مالك البنك اللبناني الكندي، الذي تم إغلاقه في العام 2011، من قبل وزارة الخزانة الأميركية ووزارة العدل الأميركية لاتهامه بغسل أموال للارهابيين ومهربي المخدرات.
كما كشف ان حمدون و”أصدقاءه” قاموا في العام 2009، بشراء شقق من SAYFCO بملايين الدولارات وحققوا منها أرباحاً كبيرة.
ونشر السيد يروافيان جزءا مما حصل معه ومحمد حمدون في مشروع Les Suites de Faqra ، واعداً بكشف حقائق لا تزال مخفية حول المشروع. ويبدو بان الامور بين شاهي يروافيان ومحمد حمدون إلى مزيد من التأزم، خصوصاً بعد أن كشف شاهي أنه تلقى تهديدات بالسجن أو بالقتل في حال عمد إلى كشف ما حصل بينهما أو الذهاب إلى القضاء. علماً أن هناك معلومات متداولة ان شاهي مالك “سايفكو” هارب من لبنان منذ فترة وهو يوجد على الارجح في بانكوك في تايلاند، لكن من دون ان تتأكد صحة هذه المعلومات.
هذا الواقع، يجعل كل من ايلي سعادة، وايلي داغر، وجيلبير مرهج، وغدي رشوان وغيرهم ممن يتحضرون للتقدم بدعوى قضائية لحماية واسترداد حقوقهم، في موقف حرج وخوف من أن يخسروا كل شيء، وان يدفعوا من وجعهم وشقاهم على مر السنين ثمن لعبة الكبار.
في المقابل، هذا الأمر لا يعطي الطمأنينة اليوم لكل فئات المجتمع اللبناني لأن تمنح ثقتها حتى للشركات الكبرى التي بات لها اسما عريقاً في مجالات العقارات والأبنية.
الخبير العقاري، نقيب المساحين السابق طوني منصور، تحدث لـIMLebanon عن حالات كثيرة مشابهة تصيب الشباب اللبناني في مسألة تعاقدهم مع الشركات العقارية التسويقية أو حتى مع أصحاب الأبنية، وذلك لقلة معرفة وثقافة الشباب اللبناني في هذا الموضوع، الذي يتوجب عليه بحسب منصور كخطوة أولى عند إمضاء أي عقد مع أي شركة وضع إشارة على الصحيفة العقارية التابعة للعقار الذي يريد ان يتملكه.
وقال: “سايفكو “تمثيلية كبيرة”، وهي كغيرها من الشركات التسويقية “بيفشخوا اكبر من حجمهن”. ومعلوم انهم يتهربون من كل الالتزامات التي يوقعونها، لذلك، امام الشباب الذي وقعوا عقوداً في مشروع St. Thomas سلوك طريق القضاء الذي هو الطريق الاصح وتقديم دعاوى امام القضاء أو أمام النيابة العامة استنادا على العقود التي بحوزتهم. فأولا، عليهم وضع إشارة في الصحيفة العقارية، اذ انه بذلك يصبح مالك العقار ملزما الوصول الى تسوية معهم، والخطوة الثانية رفع دعوى و”تعلية” السقف في محاولة الحصول على تسوية مع مالكي “سايفكو” كائنا من كانوا.
المحامي سليمان لبوس شرح لـIMLebanon المسار القانوني الذي بجب اتباعه من قبل المشترين، فقال: “الحل الوحيد لضمان حقوقهم أن يقدموا دعاوى قضائية ووضع إشارة تثبت أنهم اشتروا عقارا على الأرض التي سيتم عليها تشييد البناء، فيقدموا اتفاقية البيع التي اشتروا بموجبها الى محكمة البداية في المنطقة التي يوجد فيها العقار ويقدموا دعوى الزام التسجيل ويضعوا إشارة على الصحيفة العينية للعقار حتى يكون لهم أولوية على الأشخاص الآخرين الذين لهم أموال أو دين على هذا العقار أو ما شابه”.
وأشار لبوس إلى ان المشاكل تحصل بكثرة، أولا، لأن صاحب العقار عندما يبرم اتفاقية بيع مع المشتري ويحصل منه على الدفعة الأولى والتي تصل إلى نحو 30% من قيمة الشقة، يقوم بصرفها بطريقة شخصية من دون أن يوظفها في المشروع الذي يقوم بها فتقع المشكلة، وهذا حصل مرات عدة، ومن ناحية أخرى، التوعية ضرورية لأن المشتري يجب عند شرائه أي عقار قيد الانشاء ان يضع “إشارة” على الصحيفة العينية، التي تظهر انه يمتلك شقة في المشروع او البناء المنوي تشييده.
انطلاقاً مما تقدم، بات مهماً ومطلوباً أن تقوم وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وحتى الالكترونية بحملة توعية وتثقيف الشباب اللبناني على المشاكل التي يمكن ان تصادفهم في الشؤون العقارية عند شراء مسكن او عقار ما، لكي يتجنبوا الوقوع في فخ الاتفاقات التي تقوم بها الشركات التسويقية ويطلعوا على السبل الضرورية لحماية حقوقهم.