Site icon IMLebanon

زغردة في عزّ رقصة الموت… (بقلم يورغو البيطار)

كفى! من أجاز لكم الاحتفال و”الزغردة” والتصفيق والفرح في عز رقصة الموت التي نخوضها؟ من سمح لكم بمواصلة مسار محفوف بالشوك لنقل صورة مختلفة عمّا نجهد ليل نهار لترسيخه؟ من أباح لكم التفكير بأن شعلة الأمل لن تنطفئ رغم إطباقنا على المشهد العام وترك التفاصيل تتطاحنون حول فتاتها؟

لا شكّ أن هذه الأسئلة شكلت جزءاً يسيراً من أفكار عبّرت عنها مجموعة من الوجوه البارزة في صفوف “الممانعة” والتي انبرت لتسلّ سيف كلماتها مهاجمةً الإنجاز السينمائي للمخرجة نادين لبكي بفيلمها “كفرناحوم” الذي نال جائزة لجنة التحكيم في كان، أحد ابرز المهرجانات العالمية. وإن كانت الجائزة بحد ذاتها فخراً للسينما اللبنانية التي تثبت في الأعوام الأخيرة نهضتها المذهلة خصوصاً بعد وصول فيلم “القضية رقم 23” للمخرج زياد دويري لقائمة الترشيحات النهائية لحفل الأوسكار العام الماضي، فإنها في المقابل تحمل بعداً ثقافياً لا يمكن تجاهله، ربما يكون السبب الأساس في “الاستفزاز” الذي يشعر به رموز الممانعة في لبنان.

يتجلّى هذا البعد الثقافي أكثر فأكثر ويتخذ مزيداً من الأهمية لأنه بات المحرّك الأساس لشعلة الحرية والتحرر والتخلص من الوصايات التي تطبق على لبنان خصوصاً بعد خفوت صوت المواجهة السيادية و”ذوبان” القسم الأعظم من السياسيين في منظومة “الحكم” الذي تقوده أوركسترا يتحكم بمفاصلها “حزب الله” بشكل فاضح. كيف يمكن إذن تفسير هذا الرضوخ الكامل لإجراء الانتخابات النيابية في ظلّ قانون أعوج ثبّت إطباق الحزب على البلد من خلال نسبية مشوّهة لا يمكن حكماً أن تؤدي الى نتائج مغايرة لما شهدناه في ظل هيمنة السلاح؟ وبعد إهداء الحزب وحلفائه والدائرين في فلكه أكثرية موصوفة في برلمان 2018 وفي عز المواجهة الإيرانية – الأميركية، رمى خطباء المنابر بعد انتهاء الانتخابات أوراقهم واعلنوا انتهاء مرحلة وبدء أخرى طبعاً تحت حجة “مصلحة البلد” الذي اكتوى بنار الصفقات والاتفاقات من فوق الطاولة وتحتها وبات يسير شراعه وفق هواء يلفح من طهران.

إنها مواجهة ثقافية الآن! فالبعد الذي غفل عنه كثيرون هو أن “كفرناحوم” يتناول أساساً قصة الطفل السوري زين الرافعي الهارب من نير براميل الحقد التي تفنّن النظام السوري في إلقائها على معارضيه في درعا، كما كان فيلم “القضية رقم 23” العمل السينمائي الأول الذي يضيء على قضايا تجاهلتها السينما في معالجتها الحرب اللبنانية، وتعرض بدوره لهجوم عنيف من “مثقفي الممانعة”.

وتبين ذلك بوضوح من خلال المفردات والتعابير والمقاربة التي تعاطى بها هؤلاء مع فوز “كفرناحوم”، فمنهم من اعتبر ان لبنان ليس بحاجة الى مزيد من المجد، ومنهم من واصل نغمة تمجيد السلاح باعتباره المنعة الوحيدة للبلد، مروراً بسيل الأفكار الغوغائية وأحكام الديماغوجيا التي اكل عليها الدهر وشرب! يعترفون ان خط سلاحهم لا ولن يلتقي مع الخط الإبداعي الذي يرفض الرضوخ والاستسلام لأي أمر واقع مهما كانت هوية محاولي فرضه كما يقرّون أن “الخطر” الذي بات يقف عائقاً بوجه احاديتهم هي قيم التنوع والاختلاف والرأي الآخر التي تعتبر السينما أبرز تجسيد لها.

زغردي يا نادين، فكلما علت الزغردة انكشف غبار مشروع غريب عن وطننا وكلما زاد التصفيق لتألقك قوبِل بغضب وتشكيك وصراخ، وكلما أبدع “معشر” السينمائيين وحقق مزيداً من النجاحات وجد عشاق الظلام أنفسهم مستفَّزين من النور والضوء… أليست فعلاً مواجهة ثقافية؟