كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
على هامش الحديث عن مسلسل العقوبات الجديدة التي تلت خروج الأميركيين من التفاهم النووي الإيراني والتي فُرضت على قيادات وكيانات إيرانية أو صديقة لها، تعدّدت السيناريوهات؛ ابتداءً من الحديث عن تفكيك الميليشيات العراقية، وصولاً إلى سحب «حزب الله» من سوريا، وهو ما طرَح سؤالاً جريئاً: هل في استطاعة «حزب الله» العودة إلى لبنان؟ كيف ولماذا؟
يقارب اللبنانيون الخطوات الأميركية الأخيرة التي تلت تجميد الاعتراف بالتفاهم النووي الإيراني بكثير من الانطباعات المتناقضة. فبين من ينظر اليها على انّها من مسلسل الخطوات الأميركية الفاشلة الساعية الى استعادة مواقع فقَدتها بانسحاب الإدارة السابقة من المنطقة وملء الإيرانيين وفئات متعددة للفراغ، وأخرى تتطلع الى جدّية الرئيس الأميركي الجديد في خطواته الجازمة ولو جاءت بنتائجها السلبية على حلفائه قبل الخصوم.
وما هو واضح أنّ لكلّ من اصحاب هاتين النظرتين المتناقضتين ما يَدفعه الى التمسّك بهما. فأصحاب النظرية الأولى لديهم ما يكفي لتبريرها. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- يكفي أن يستذكر الجميع ما خلّفه القرار الأميركي بالانسحاب العسكري من العراق بعد 6 سنوات من إسقاط نظام صدّام حسين (9 نيسان 2003)، وتحديداً ما بين العامين 2009 و2013، قبل أن يغادر الرئيس الأميركي باراك اوباما البيت الأبيض، وهو ما اعتبرَته طهران انتصاراً لها بعد وضع اليد على كثير من القطاعات العسكرية والسياسية والحزبية والدينية في العراق.
- تراجُع واشنطن عن دعمها للميليشيات المعارضة في سوريا على رغم الكلفة العالية التي خصّصتها لتدريبها وتسليحها الى جانب دول الحلف الدولي امام القوتين الكبريين «داعش» من جهة و«النظام السوري» من جهة أخرى، ما أدّى الى تراجعها عن الساحة السورية امام «الطحشة الروسية» بعد الإيرانية وبدء استعادتهما للسيطرة على المناطق الخارجة على سلطة النظام وانهيار المجموعات المسلحة الموالية للأميركيين وحلفائهم واحدةً بعد أخرى.
– إنهيار «دويلة» كردستان العراق في ايام قليلة بعدما اعتُبرت قاعدةً متقدّمة للأميركيين في المنطقة واستعادة الدولة المركزية العراقية لكلّ ثرواتها وصلاحياتها على النفط والمعابر البرّية والجوّية، وهو ما ينبئ بما يمكن ان يكون عليه مصير الموالين للأميركيين في ايّ منطقة من العالم.
أمّا اصحاب النظرية الثانية فهم يتوقّفون امام ما حقّقه الرئيس دونالد ترامب في ما عبَر من ولايته في البيت الأبيض ليستعينوا بها في دعم نظريتهم. وهم يشيرون الى الآتي:
- لم يتراجع ترامب عن تحقيق كلّ ما وعد به في برنامجه الانتخابي، سواء على المستوى الداخلي او الخارجي. وبالإضافة الى قراراته الداخلية التي تسَبَّبت بهزّات داخلية اقتصادية واجتماعية، وها هو نفّذ وعده بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل عدا ما حقّقه في شأن علاقاته الاقتصادية والمالية مع دول العالم التي ادخلت مئآت المليارات الى الصناديق والمؤسسات الأميركية من دول الخليج وغيرها، امتداداً الى ما حققه في الملف النووي الكوري الشمالي، وهو يستعدّ لمثيلٍ له في الملف النووي الإيراني، وتجاهله مصالح حلفائه الخليجيين والأوروبيين وغيرهم من مجموعة الدول (5 +1).
- مشاركة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها البريطانيين والفرنسيين في توجيه الضربات الجوّية ضد مواقع تخزين او استخدام السلاح الكيماوي السوري، وللوجود الإيراني في سوريا والسماح لإسرائيل باستكمال الخطط الهادفة الى سحبِ الإيرانيين منها وتقليص وجودهم ومنعِ قيام قواعد لها فيها بعد تحييد الروس عن مجمل هذه العمليات ومنعِهم من أيّ ردّ فعلٍ يُذكر أو يعرقل تحقيق هذه الأهداف.
- إنضمام العراق في خطوة لا يُستهان بأهمّيتها الى لائحة الدول التي تطبّق العقوبات الأميركية على الشخصيات والكيانات العراقية الموالية لإيران بنحو غير مسبوق ودعمِ ما يؤدي الى قيام حكومة عراقية تواجه النفوذ الإيراني في البلاد وتحدّ من سطوته وسيطرته على مفاصل مهمّة من الدولة.
وتعترف مصادر ديبلوماسية وعسكرية تراقب تطورات المنطقة انّه وبمعزل عمّا تقول به هاتان النظريتان فإنّ الإدارة الأميركية الجديدة كشَفت عن اهدافها بنحوٍ لا يقبل الجدل، وأبرزُها إعادة فتحِ باب المفاوضات في شأن التفاهم النووي وتمديد ما سمّيَ مهلة السنوات العشرة «2015 – 2025» وإضافة ملف الصواريخ البالستية من ضمنه وقفُ تمدّدِ ايران خارج حدودها الجغرافية، وهو ما يعني الطلب اليها طوعاً تقليصَ دورها ووجودها في العراق وسوريا واليمن ولو بدرجات متفاوتة.
وأمام هذه البانوراما الأميركية التي رسمتها التوجّهات الجديدة تتوقّف مراجع عسكرية ودبلوماسية امام احدى مظاهرها التي قالت بسحبِ الوحدات الموالية لإيران من سوريا، و«حزب الله» في مقدّمها، بعدما أرفَقت ذلك وبالتعاون مع المملكة العربية السعودية بفرضِ عقوبات متشدّدة على شخصيات قيادية من الحزب وكيانات عسكرية واقتصادية ومالية، وهو ما فتح الباب امام نقاش حول وجود «حزب الله» وإمكان انسحابه من سوريا والعودة الى لبنان كما يطالب به اللبنانيون ايضاً من دعاة تطبيق مبدأ «النأي بالنفس» بالصيغة التي اعتمدتها الحكومة وشدّدت عليها عقب عودة الحريري عن الاستقالة التي اعلنها من الرياض.
وعليه، فإنّ موضوع «عودة» الحزب من سوريا، بات محلّ نقاش في الدوائر الرسمية العليا عقبَ الانتخابات النيابية الأخيرة على رغم ما حقّقه الحزب فيها من تحسين لـ«تمثيله النيابي الصافي»، واستعادة مواقع حلفائه من غير الشيعة. وهو ما فرَض بحثاً جدّياً لا يمكن أحداً التهرّبُ منه على ابواب تأليف الحكومة الجديدة وحصّة الحزب فيها وما يمكن ان يقبل به الحريري أو يحرمه في ضوء العقوبات الجديدة.
ثمّة من ينصح اصحابَ نظرية انسحاب الحزب من سوريا والعودة الى لبنان باستحالة الخطوة لأسباب بسيطة خلاصتُها في بضعة أسئلة، ومن يمتلك الأجوبة عليها فليتفضل. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- هل يستطيع الحزب العودة من سوريا اليوم في ظلّ المواجهة المفتوحة على شتّى الاحتمالات بين ايران واسرائيل؟ وقبل الاطمئنان الى مصير النظام السوري والآليات التي ستقود الى «سوريا الجديدة»؟
- هل تتّسع الأراضي اللبنانية لـ«الجيش» الذي يقوده «حزب الله» بآلياته الثقيلة ومدرّعاته وطائراته المسيّرة وشبكاته الصاروخية التي قدّم منها نموذجاً في «عرض القصير» قبل سنوات من اليوم؟
وفي معزل عن كلّ ما سبق من ملاحظات فإنّ من يملك جواباً على السؤال الأخير يمكنه ان يقرأ إمكان عودة «حزب الله» من سوريا. إلّا إذا كان يقترح الفصل بين الحزب الموجود في سوريا عمّا هو في لبنان. وإن كان ذلك وارداً فيجب البحث في الموضوع من زاوية أخرى مختلفة تماماً عمّا هو مطروح اليوم؟