كتبت ثريا شاهين في “المستقبل”:
لاحظت مصادر ديبلوماسية، ان لبنان الرسمي لم يعلّق بعد على العقوبات الاميركية والخليجية على قيادات في “حزب الله”، وعلى انعدام التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب في الاتهام بالارهاب.
وربما هذا الصمت، بحسب المصادر، يعود الى اتصالات لبنانية – دولية وعربية لجسّ النبض حيال التعاطي مع لبنان في حال تضمنت تشكيلة الحكومة الجديدة شخصيات من “حزب الله”. ويدرك لبنان الرسمي دقة المرحلة والتعقيدات المحيطة بها. فإما ان تحصل تسوية ترضي الافرقاء في الداخل والخارج، واما ان الوضع سيتجه نحو المواجهة داخلياً ومع الخارج، بدءاً من عرقلة تشكيل الحكومة، نتيجة احتمال لجوء “حزب الله” الى الهروب الى الامام، بدلاً من التهدئة، والبحث عن مخارج لا تحمّل لبنان تبعات المواقف الخارجية. “حزب الله” يقول ان له اكثرية موصوفة في المجلس النيابي الجديد. فهل يستخدم ذلك في التعامل مع المرحلة المقبلة ان اراد المواجهة، لكن لبنان لا يحتمل هذا الخيار وسط تشدد اميركي مختلف عمّا كان عليه وما هو دور رئيس الجمهورية في هذا الموضوع.
ليس متوقعاً ان تكون لدى قيادات “حزب الله”، لا سيما الذين طالتهم العقوبات الاميركية الاخيرة، حسابات لدى المصارف في الولايات المتحدة الاميركية، الحزب قام باجراءاته، وفقاً لمصادر ديبلوماسية، في عمليات التمويل، مع ان المراقبة لدى الخزانة الاميركية على حركة تمويل الحزب تشمل ايضاً الصيارفة.
العقوبات، هي عقوبات سياسية عليه، واقتصادية عليه وعلى من يتعامل معه، من منطلق جرمي، باتهامات الارهاب وتهريب الاموال والسلاح، والمشاركة في الحرب السورية واليمنية. انها عقوبات سياسية جاءت بالتزامن مع عقوبات خليجية على الحزب، والتنسيق قائم بين واشنطن والخليج حول هذا المسار. انه تضييق على الحزب كونه جزءاً من المنظومة الايرانية.
الا ان العقوبات على الحزب لم تأتِ نتيجة الانتخابات النيابية اللبنانية، انما كانت ستتم قبل ذلك، لكن تم تأجيلها بسبب الانتخابات، وتلافياً لان يتم استخدامها من الحزب للضغط سياسياً وشعبوياً. وبالتالي هي عقوبات اجرائية كون واشنطن تعتبر الحزب اداة تنفيذية لايران ومتورط في ملفات المنطقة وحروبها. انما في الوقت نفسه تأتي الاجراءات في اطار استكمال ملف مفتوح في المواجهة بين واشنطن وايران، انه تحول نوعي في مسار التصعيد، والضغط، وفي مواجهة ايران تحديداً.
لذلك، ان هذا المسار يحمل مخاطر على لبنان، بسبب ان المفهوم الذي كان حاصلاً دولياً في التعامل مع الوضع اللبناني، ويقوم على التمييز بين جناحين لدى الحزب، السياسي والعسكري، بات الآن في خطر. والتمييز كان اكثر ما يركز عليه الاوروبيون ونجحوا في تسويقه دولياً في كل المراحل السابقة بهدف تحييد لبنان عن ازمات المنطقة الملتهبة، والابقاء على وضعه مستقراً. اي كانت هناك محاولات اوروبية للارتكاز الى موقف مزدوج وضبابي درءاً لاية اخطار قد يتعرض لها الداخل.
لذلك تتوقع المصادر، ان العقوبات ستضاعف الارتباك في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، والارتباك اصلاً موجود، والقلق من بروز النفوذ الايراني في عملية التشكيل موجوداً ايضاً. التسوية التي حصلت في لبنان والتي انهت الفراغ الرئاسي كانت قائمة على المفهوم المذكور. وبالتالي، الخطورة في ان يصعِّد الحزب ويقطع الطريق على التسوية ويقلب المعادلة. لكن مصادر قريبة من قصر بعبدا، تستبعد خروج الوضع السياسي في البلد عن السيطرة نتيجة العقوبات الاميركية والخليجية.
وتشير المصادر، الى ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب اجرى مقاربة مختلفة عن سلفه باراك اوباما حول المنطقة وايران. وترامب لم يعد يفصل بين المسار النووي والوضع السياسي، خلافاً لما كان اوباما يفعل، وترامب الآن يربط ايضاً بين المسارين السياسي والعسكري للحزب بالتنسيق مع الخليج. والآن الانظار متجهة الى وقع العقوبات على الحزب سياسياً وعلى علاقاته بشركائه اللبنانيين، لان اجراءاته الاقتصادية والمالية متخذة سابقاً لتلافي الانعكاسات الآنية. مع الاشارة الى ان العقوبات المتجددة على ايران ستؤدي بعد وقت الى التأثير في مالية الحرس الثوري الايراني الذي يمسك الاقتصاد ويموّل المنظمات التابعة لايران في المنطقة.
السؤال المطروح، كيف سيتم تجاوز المسألة؟ فاذا كان هدف العقوبات التأثير على مشاركة الحزب في الحكومة، هذا سيؤثر، لانه من الصعب التوصل الى حكومة ضد التوجهات الاميركية والخليجية، في حين ان الحزب يتجه اكثر للمشاركة في الاستثمار في المؤسسات اللبنانية وليكون شريكاً كاملاً في الملفات الداخلية، بعدما كان يركز جهوده على النواحي العسكرية.
اما اذا كان الهدف الاميركي والخليجي من العقوبات التأثير على موقف الاتحاد الاوروبي من اجل تغييره بالنسبة الى الاتفاق النووي فهذه مسألة اخرى.
ان العقوبات تمثل رسالة سياسية في الدرجة الاولى. كل الاسماء التي ذكرت في العقوبات موجودة اميركياً على لوائح سابقة، لا سيما حول سوريا وتبييض الاموال، والارهاب، وايران والجريمة المنظمة وغيرها من اللوائح. وليس مستبعداً ان تكون العقوبات رسالة الى الاوروبيين للتأثير على دور ايران الاقليمي.