تقرير رولان خاطر
إنه هو… لبنان. رغم سوداوية الأيام، يبقى الرجاء والأمل يشعّان منه. قبل أشهر قليلة حمله زياد الدويري إلى العالمية من خلال فيلمه “القضية 23” الذي ترشح لأوسكار. واليوم، حملته نادين لبكي إلى منابر العالم، بفخر، باعتزاز متواضع، بضحكة ملأها الايمان، عيون يسكن الحلم فيها، ببراعة استثنائية، وتصميم على تأدية الرسالة.
أي رسالة؟ هي الإنسانية المطوّقة بقيود العذاب والبؤس فجرتها نادين لبكي بأسلوب ذكي، عصامي، هادف. من خلال عمل سينمائي حمل اسم “كفرناحوم”، الذي صوّر بأسف ووجع ويأس واقع الطفولة الأليم، خال من المحبة والرأفة والإنسانية والأخلاق.
“كفرناحوم” الذي عُرض ضمن مسابقة مهرجان “كان” السينمائي في دورته الحادية والسبعين، فاز بجائزة التحكيم. هذا الفيلم الذي تلقّى تصفيقاً مدوّياً لمدّة 15 دقيقة بعد انتهاء العرض، زاد المخرجة اللبنانية تألقاً في مجال السينما والابداع لمدة 15 تاريخاً، وحجز في روزنامة الزمن يوم 19 أيار ملكا لنادين لبكي.
تشرح نادين لـIMLebanon كيفية وصولها إلى العالمية، فليس هناك من سر ولا خلطة سحرية، إنما حلم اقترن بعمل مضن وجهود كبيرة، حلم، عملت الكثير لتحقيقه وتحقيق هدفي من خلاله وهو تسليط الضوء على القضايا التي تحدث عنها الفيلم. وهي ممتنة جداً لأن مهرجان “كان” سلّط الضوء على واقع غائب أو مغيّب أحياناً، ولا مراجع تعيره اهتماماً. أناس عانوا مرارة عدم الاعتراف بهم وحتى عدم وجودهم، يعيشون في الظلام الكامل، في وضع مزر ومأساوي.
مهرجان “كان” ألقى الضوء على المأساة والمعاناة التي حبكتها نادين لبكي بقصة مكتوبة وصور جذبت عاطفة المشاهدين ودموع الرأي العام، فكان ضرورياً إيصال الرسالة – الهدف عبر إظهار معاناة هذه الفئة من الناس، وخصوصاً على المستوى العالمي، لربما احد يتعظ.
أبدت لبكي فرحة كبيرة لتقدير اللبنانيين لها إن في الهمس أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الاعلام كافة، من دون أن “تحقد” على منتقديها، لا بل تفهمتهم. وتقول: “شي بيكبّر القلب” لأنك في هذه الأوقات تكون بحاجة لدعم الناس، فتشعر بهم، ويمنحونك ثقتهم، ويحملونك ويشكلون سندا لك في كل الأوقات، ولو أن ثمة قسماً من الناس لا يفرحون لانجازات غيرهم، وهذا أمر أتفهمه، لأنه موجود في أنحاء العالم، فلا يمكن لأي فرد أن يحقق إجماعاً على أعماله وانجازاته”.
أسفت نادين لـ”الشك” الموجود في أذهان اللبنانيين، “فلا نعتبر وصول أي شخص إلى أماكن مهمة أو عالمية إلا ونحيطه بشك كبير حول كيفية وصوله ونجاحه، والأخطر اننا كلبنانيين، نعتبر أننا غير موجودين على خريطة العالم، وان العالم أجمع يحاربنا، وبالتالي، لدينا مفهوم أننا لا نستطيع أن نحقق اي إنجازات على مستوى عالمي وكبير، واذا صادف وتحققت، تكون عبر طرق ملتوية وغير صحيحة، وهذا يدل أننا كلبنانيين لا نؤمن بقدراتنا”.
وأضافت: “هناك تناقض موجود في الشخصية اللبنانية، فمن جهة نتكلم عن لبنان الأخضر، ونتغنى بحضارتنا وثقافتنا فيما نناقض هذه الادعاءات بأسلوب تفكيرنا وحكمنا الخاطئ على الأمور”.
برأيها، ان كل الآراء السلبية التي تصدر لا تمثل إلا ذاتها، والأكيد أنها لا تشكل عائقاً لها، بل تعطيها دفعا للمواظبة والعمل بشكل مستمر، لأن التعليقات السلبية كانت دوما تشكل حافزا لي، كما تقول، وتمنحي قوة العمل والسير إلى الأمام باندفاع، لأبرهن العكس، لذلك هذه الآراء لا تؤثر بي”.
الانتقادات القاسية التي طالتها من مجموعة معينة تدور في فلك “حزب الله”، تعتبرها تمثل رأيا شخصياً ولا تعبّر عن رأي فئة كبيرة، خصوصاً أنه صدر توضيح من قبل المعنيين بهذا الأمر، مُطَمْئِنة إلى مستقبل لبنان، فلا خوف على لبنان من تغيير صورته الحضارية وهويته الثقافية. وتضيف: “الانسان يللي ما انحب ما رح يحب بحياتو، وفي النهاية ما بيصح إلا الصحيح”.
أكدت نادين أنها مستمرة في أعمالها. فيلم “كفرناحوم” لم يعرض بعد. وهي “متشوقة لأن يعرض في لبنان لكي ترى رد فعل الناس، ربما يغيّر ويترك بصمة ايجابية لدى المواطنين. فهو أكبر من فيلم، ويكفي أن يغيّر وجهة نظر قلة قليلة من الناس كي اكون حققت هدفي”.
نادين نوهت بإبداع الفن اللبناني لأنها ليست وحدها التي تكرّمت وتُكرّم عالميا، فهناك من سبقها، وهناك من سيأتي مستقبلا، وهذا يعطي أملا للفن في لبنان بالمطلق. وهي تصرّ على أن لبنان موجود على الخارطة العالمية بقوة، ولم تعد السينما اللبنانية “خجولة” بل معروفة ولها تقدير عالمي، وهي برأيها تتحول ليصبح هناك صناعة سينما حقيقية”.
وتقول: “في الخارج لمست ايجابية التعامل معي برقيّ، لا أحد يتعامل معي كسينمائية صغيرة إنما كممثلة عالمية، موجودة على الساحة العالمية ومن عائلة السينما العالمية، فلا شك بقدرات السينما اللبنانية، وهذا أمر يجب ان يعرفه اللبنانيون ويتوقفوا عن عدم الثقة بقدراتهم”.
وجددت التأكيد على أنها لن تتوقف عند أي انتقادات طالت الفيلم بكل جوانبه، لأن “التشكيك” موجود في عالم السينما، إضافة إلى أن هناك فعلا أناساً لا تعرف ان تحب ولا تريد الخير لغيرها.
الدولة لديها عمل كبير لتقوم به، تعتبر نادين، وأتمنى لو توجد أهداف تجمعنا كسياسيين وفنانين لتحقيقها، تجعلنا نرى لبنان من زاوية مختلفة. فلا معنى لأي “شعبية” اذا لم ترتبط بالهدف، والشعبية الحقيقية تتجلى بدعم ومساعدة الناس لنا في هدفنا، والربح المعنوي يعطيه الناس لنا عندما نحقق عبره انجازات لمجتمعنا وبلدنا.
“الحلم بمعنى الهدف أمر مهم في الحياة، تردد نادين. هو الذي يعطي الإنسان الأمل بالغد، والدفع لكي يعمل ويستمر. فالهدف أساسي ومهم في حياة الانسان. هذا أمر لم أفهمه بسرعة وفجأة، بل فهمته تدريجياً ومن خلال التجارب، إذ “ليس المهم قمة الجبل إنما الأهم الطريق للوصول إلى قمة الجبل”. من هنا، دعوتها لكل إنسان أن يكون لديه هدفا في الحياة لأنه يعطي المعنى الحقيقي لهذه الحياة”.