كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: يعتبر الرئيس نبيه بري عميداً لرؤساء البرلمانات في العالم، ببقائه رئيساً للبرلمان اللبناني منذ عام 1992. واللافت أنه لم يشهد يوماً منافساً جدياً له في موقعه، مستفيداً من شخصيته التي تبقي شعرة معاوية مع الخصوم، ومسافة آمنة مع الحلفاء.
ولقد نال برّي ألقاباً كثيرة، أشهرها «الساحر»، فرئيس البرلمان كان دائماً جاهزاً لإخراج «الأرنب» من قبعته، عندما تتأزم الأمور، مجترحاً الحلول، وإن قال بعض السياسيين إنها غير دستورية. ومنها، مثلاً، حالة إسقاط المهلة التي يفرضها الدستور لانتخاب أحد كبار موظفي الدولة رئيساً للجمهورية، من أجل تمكين النواب من انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية عام 2008 من دون تعديل للدستور، إلا أنه كان المخرج شبه الوحيد من الأزمة.
ويقول نائب رئيس البرلمان السابق، فريد مكاري، الذي كان نائباً لبرّي منذ عام 2005، إن رئيس البرلمان «من أكثر السياسيين معرفة بالوضع اللبناني»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية براغماتية نبيه برّي التي تميزه عن غيره من بقية السياسيين. وإذ يصفه مكاري بأنه متحدث لبق مقنع، يؤكد أنه «خصم شرس؛ لكن يمكن التعاون معه». ويلفت مكاري إلى أن برّي لم يدخل في عداوة دائمة مع أحد من السياسيين اللبنانيين، والأهم أن طبيعته لا تتغير عند الخلاف معه. «فإذا اختلفت معه بالسياسة، يستمر باستقبالك والكلام معك، وحتى المزاح، وهو ما خبرناه». أما في حياته الخاصة، فهو «يخاصم من يعتقد أنهم آذوه؛ لكنه سرعان ما يسامح»، كما يقول أحد أصدقائه المقربين لـ«الشرق الأوسط».
وعندما بدأت الأزمة السورية، انحاز «حزب الله» إلى جانب النظام السوري بكل قوة، واندفع في وقت لاحق إلى مشاركته في القتال ضد المعارضة؛ لكن بري انحاز إلى موقف «الحل السلمي» الذي ظل ينادي به منذ اللحظة الأولى، ولا يزال. وبقيت حركة «أمل»، التي يرأسها برّي، وحيدة بين حلفاء النظام السوري، بعيدة عن الميدان العسكري الذي انخرط فيه بقية الحلفاء. كما كان لافتاً أن برّي لم يقم بزيارة واحدة لدمشق منذ ذلك التاريخ.
ولد نبيه برّي في مدينة فريتاون، عاصمة سيراليون، يوم 28 يناير (كانون الثاني) عام 1938، حيث كان يقيم والده مصطفى برّي، وهو من أوائل الجنوبيين الذين عملوا في أفريقيا. وعندما بلغ السنة الثالثة من عمره، عاد مع والدته إلى لبنان نظراً لظروفها الصحية. وعندما عادت الوالدة لتلتحق بزوجها، استقر الرأي على بقائه في لبنان. وفي بلدته تبنين، نشأ نبيه برّي في كنف عمّته التي كانت بمثابة أمّه لجهة الرعاية والاهتمام بشؤون معيشته. ومن ثم، تنقّل بين المدارس بطريقة لافتة، حتى كاد يقضي كل سنة في مدرسة مختلفة. وفي المرحلة الجامعية، انتسب برّي إلى كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، ونال إجازة في الحقوق بتفوق عام 1963، محتلاً المركز الأول في سنوات الدراسة الأربع، ثم أكمل دراساته العليا في الحقوق في جامعة باريس – السوربون، في فرنسا.
منذ شبابه، عرف برّي بحبه للمطالعة، وحماسته للقضايا الوطنية والعروبية. كذلك عرف عن برّي رفضه التشدّد المذهبي، حتى قال عن نفسه في عام 2013: «أنا شيعي الهوية، سنّي الهوى، لبناني وعربي المنتهى».
تزوّج برّي مرتين: الأولى، ابنة عمه ليلى برّي التي أنجب منها: سيلان وسوسن وفرح ومصطفى وعبد الله وهند. والثانية، رندة عاصي برّي، وله منها: أمل وميساء وباسل. ولا يوجد من بين أبناء برّي حالياً من يعمل في الحقل السياسي، رغم عمل بعضهم في الحقل العام، من خلال جمعيات خيرية وتعليمية، كابنيه عبد الله، وباسل الذي يرأس حاليا جامعة «فينيقيا». ويقول برّي لسائليه إنه يرفض التوريث، وإنه وقف ضد الإقطاع السياسي، ووراثة الزعامة، ولن يقتدي بها.
وعلى صعيد الهوايات، كان برّي ماهراً في السباحة، وهي من الهوايات التي مارسها صيفاً وشتاءً. وفي صغره مارس الملاكمة؛ لكنه لم يحترفها. أما «السنوكر»، فكان من الرياضات المحببة إليه، إلى جانب رياضته المفضلة (كرة القدم). كذلك، يهوى نبيه برّي الشعر، نظماً وإلقاءً وقراءة، وكان يكرّس وقته للقراءة والكتابة وتدوين الخواطر. وهو معروف ببلاغته وقدراته اللافتة في اللغة العربية.