كتب أسعد حيدر في “المستقبل”:
لماذا لا ترد إيران على القصف الإسرائيلي ضدها في سوريا؟ لماذا أصلاً لا تعلن ولا تُدين القصف الأميركي – الإسرائيلي شبه اليومي ضد قواتها وقواعدها وميليشياتها في سوريا؟ خصوصاً أنها ردّت مرة واحدة، وجعلت منه خطابياً، حلقة من سلسلة من الردود القادمة. هل التفاوت في القوة، هو الذي يقيّد إيران أم أن الأمر يتجاوز اختلال موازين القوى؟
تحوّلت سوريا في الفترة الأخيرة إلى حقل رماية إسرائيلي مع انعدام الرد الإيراني. هذا الاعتدال الميداني، رافقه حتى الآن اعتدال في الرد على الموقف الأميركي. إيران تعرف حدود قوتها، مهما بالغ بعض قادة «الحرس الثوري» في «عنتريات» مثل أن مصير أميركا سيكون مثل مصير صدام حسين، وكأن الإيرانيين هم الذين أسقطوا صدام وليس الأميركيين، وأنهم فقط دفعوا به إلى الإعدام. طهران لا تريد الحرب، سواء مع أميركا بشكل عام أو إسرائيل بشكل خاص.
تخشى إيران من فتح الجبهة الإسرائيلية، ويعرف القادة الإيرانيون أنه ليس باستطاعتهم خوض وإدارة حربين في وقت واحد. تكتفي إيران حالياً، بأنها عبر الرد الصاروخي في الجولان قد أنجزت مهمة «ربط النزاع» مع إسرائيل، ولا داعي في وقت تبدو فيه قواتها مكشوفة في سوريا بشكل كامل أمام إسرائيل إلى الانزلاق نحو مواجهة مباشرة.
لا يعني هذا أن هذا الموقف الإيراني سليم وأنه ينقذها، فأضراره ربما ستكون أكبر وأعمق خصوصاً على الداخل الإيراني، وهو ما يحقق أحد أهداف واشنطن بالوصول إلى إحداث «زلزال» داخلي ينتج صراعاً مكشوفاً على السلطة.
القصف اليومي، مثل الضرب المتواصل على «المسمار» حتى ينغرس عميقاً في «جسد» الموقف الإيراني. لا يهم عدم الإعلان عن وقوع خسائر. طهران و«قادة الحرس» وأيضاً قادة الجيش الإيراني، يطلعون على تفاصيل وأرقام الاستنزاف اليومي لقواتهم واضطرارهم للبقاء مكتوفي الأيدي. الرد في الجولان أو في أي بقعة من منطقة الشرق الأوسط أو العالم سيؤشر إلى إيران ويدينها. لا بد في النهاية من «فرقعة زجاج» الموقف الإيراني الصامت. هذا ما تسعى إليه الإدارة الأميركية وإسرائيل. من الصعب على قيادات عاشت ونهضت وقامت على وقع التضخم العسكري أن تصمت.
تصعيد المرشد آية الله علي خامنئي حجم مطالبه من الاتحاد الأوروبي، بحيث يبدو وكأنه هو الأقوى وهو الذي يفرض موقفه، لا يقنع أحداً. من الواضح أن الملف النووي أصبح «العباءة» التي تخفي مطالب سياسية وعسكرية مضادة مهمة جداً. مشكلة إيران كما يبدو أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان يأمل وهو يوقّع على الاتفاق النووي، في تحقيق «انعطافة جيوسياسية إيرانية» تنتج ولو ببطء شرق أوسط جديداً. ما حصل العكس، تحالفت إيران مع روسيا، وذهبت أبعد بكثير مما كان يمكن حصوله بدون الاتفاق النووي. المرشد خامنئي وهو يضع شروطه على الاتحاد الأوروبي، كشف المطلوب منه، الذي ترجمته المباشرة، توقف إيران عن سياساتها التوسعية ووقف تطوير سلاحها الصاروخي الباليستي، والانسحاب من سوريا وباقي المنطقة التي تمدّدت فيها وجعلتها تعلن مراراً أنها موجودة في أربع عواصم عربية.
تهديد جنرال مثل أحمد رضا بوردستان قائد القوات البرية سابقاً ورئيس مركز الدراسات حالياً في «سحق الأعداء» هو في الوقت الحالي، عرض حال للتفاوض. إيران تسعى وتريد التفاوض مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وبسرعة قبل أن تتزايد عليها الضغوط سواء العسكرية أو السياسية.
باب المفاوضات لم يُقفل حتى الآن. ما يدفع إيران للتفاوض، الوعي الكامل بأن أوروبا وتحديداً «الترويكا» الفرنسية – الألمانية – البريطانية، غير قادرة حتى ولو أرادت على مواجهة سياسة «المقاطعة الترامبية».
الرئيس ايمانويل ماكرون، يلتقي حالياً الرئيس فلاديمير بوتين. الملف النووي وسوريا في صلب المباحثات. يعرف ماكرون أن موقفه يتقاطع مع نظيره الروسي بما خص الملف النووي. أما في سوريا فإنه سيسعى إلى تشجيع بوتين على متابعة ضغطه على الأسد لتحقيق الانسحاب الإيراني من سوريا. هذا الانسحاب يبدو وكأنه وضع على «السكة» خلال ما تبقى من السنة الحالية. ما قاله الرئيس حسن روحاني للشعب الإيراني، يؤشر إلى وضع صعب وقرارات مطلوبة أصعب. فقد توجّه إليه بقوله «اصبروا وصابروا»، أما المتشددون في السلطة مثل ابراهيم رئيسي فقد قال: «لا ينبغي أن يكون شعبنا أسيراً لبعض الأوهام».
يجب أن تقوم إيران بخطوات إيجابية وسريعة حتى يفتح الأميركي باب المفاوضات. الواضح أن ترامب يذهب إلى قمة التشدد للوصول إلى حل. إلغاء القمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون «رسالة» إلى الإيراني بأن عليه تقديم تنازلات كبيرة.
لا يمكن للإيراني تجنب الضغوط العسكرية والاقتصادية (العقوبات بدأت تفعل فعلها في قطاع النفط الذي يُشكل الوريد الأساسي للاقتصاد الإيراني) من دون تقديم مواقف تؤكد حسن نيته. في مقدمة ذلك عدم عرقلة تشكيل حكومة عراقية معتدلة وغير راضخة له. أبعاد المالكي عن تشكيل الحكومة سيكون «رسالة» إيرانية بقبول الانفتاح. كذلك اعتدال «حزب الله» في لبنان، وعدم عرقلة تشكيل الحكومة هو خطوة مهمة تؤكد حُسن نيّة إيران عبر إيجابية «الحزب».
يمكن للمرشد ومعه قادة «الحرس» المراهنة «على الخوف من حصول انفجار واسع في الشرق الأوسط» كما عبّر عنه وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، للتوصل إلى حل وسط مع واشنطن في أساسه لجم التصعيد الإسرائيلي، وهذه العملية يتم التنسيق حولها مع موسكو، خصوصاً أنها الأكثر حرصاً على الحلول العملية السريعة حتى لا تتعرض استراتيجيتها في الإمساك بمنطقة الشرق الأوسط للخطر.. لكن ما العمل إذا سقط هذا «الخوف»؟