Site icon IMLebanon

الحريري إلى حكومةٍ جديدة بتوازناتِ “التعادُل السلبي”

كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:

يتهيّأ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ليومٍ ماراثوني من الاستشارات مع الكتل البرلمانية بعد غد الاثنين، والشروع تالياً في تركيب «البازل» الحكومي المعقّد، بعدما مَنَحَه البرلمان رقماً كاسحاً (111 صوتاً من أصل 128) لتشكيل ثالثِ حكوماته، والثانية بعد انخراطه في التسوية – المُجازَفة التي أًنْهتْ الفراغ الرئاسي وجاءت بالعماد ميشال عون الى رأس السلطة.

وتَتَشارك مع الحريري في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الموسعة (من 30 وزيراً) ثلاثة عوامل فوق الطاولة، المشرَّعة على صراع الأحجام والقتال على الحقائب، وتحتها، وهي:

عناصر القوة التي يتمتع بها الحريري كـ «رقم صعبٍ» في المعادلتين السياسية والحكومية، خصوصاً انه يقبض على «تفويضيْن» نادريْن: الأوّل داخلي بتسميته رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة من غالبية البرلمان، باستثناء «حزب الله» الذي، رغم التزامه موقفه المعتاد بعدم تسمية الحريري، لا الأب (رفيق الحريري) ولا الابن (سعد الحريري) ربْطاً بـ «رمزية» تحالفهما مع السعودية، فإنه تعهّد التعاون بإيجابية مع مَن تختاره الاكثرية. والتفويض الثاني خارجي ويتمثّل في دعمٍ خليجي حاسمٍ وغير مشروط للحريري وخياراته اللبنانية، إضافة الى دعمٍ مماثل من المجتمع الدولي الذي يرى في زعيم «المستقبل» عنوانَ استقرارٍ للبنان وعلامةَ نهوضٍ به.

التوازنات الجديدة التي أَفْرزتْها انتخابات السادس من مايو وما انطوتْ عليه من نتائجَ (غير مفاجئة تبعاً لقانون الانتخاب الذي اعتُمد) عززتْ موقعَ «حزب الله» وحلفائه في التركيبة السياسية الداخلية، وأفضت إلى تَوازُنٍ سلبي بين ما كان يُعرف بـ «8 و14 آذار»، ما يجعل كتلة حزب رئيس الجمهورية (لبنان القوي) مُرجِّحةً في لعبة التوازنات داخل البرلمان الجديد وفي الحياة السياسية.

الوقائع الإقليمية – الدولية المستجدة التي تشي بـ «حشرة» إيران وأذرعها في المنطقة، وفي مقدّمها «حزب الله»، وخصوصاً بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، واستراتيجية الشروط الـ12 ضد إيران، وموجة العقوبات الأخيرة، الأميركية – الخليجية الاكثر صرامة على «حزب الله» وقيادته التي أُدرجت ولأول مرة على قوائم الارهاب الخليجية مع انتهاء التمييز بين جناحيْن سياسي وعسكري، وغض الطرف الروسي عن الضربات الاسرائيلية شبه الأسبوعية للقواعد الإيرانية في سورية.

هذه اللوحة تعني أن الحريري، الذي دعا الى حلّ مشكلاتنا داخل «البيت اللبناني» عندما أشار الى الـ 10452 كيلومتراً مربّعاً (مساحة لبنان)، يُقْبِل على تشكيل حكومته بدعمٍ خارجي، لا سيما سعودي، غير مشروط يتجلى في الفصل بين العقوبات على «حزب الله» الاقليمي والواقع اللبناني الداخلي، وفي لعب الرياض أدواراً تريح الحريري في بيئته والعمل على الوقوف خلف خياراته، وفي كلام بلا قفازاتٍ عن ان الموقف الخليجي، لا سيما السعودي – الإماراتي لم يطلب من الحريري أي التزامات في إدارة المرحلة الجديدة في لبنان.

واللوحة عيْنها تؤشر الى ان «حزب الله» الذي يحلو للبعض القول انه اقتحم البرلمان الجديد بـ «كتيبةٍ برلمانية» متراصة تمكّنه من الإمساك بالثلث المعطل، وتالياً بـ «مفتاح» مجلس النواب، لن يكون في وسعه صرْف فائض القوة الجديد بسبب حساسية التوازنات السياسية – الطائفية في البلاد من جهة، والأثمان الباهظة التي تنتظر لبنان مع أيّ دعسة ناقصة يعاينها عن كثب المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي يلاقيه «حزب الله» بواقعية تجعله أكثر حذَراً في «الانقلاب الناعم» الذي يراوده.

وبين الحريري و«حزب الله» برمزياتهما، يقف الرئيس عون كـ «ضابطِ ايقاعٍ»، قلبه على أربع سنوات من حُكْم يريده مستقراً وآمناً على النحو الذي يتيح له تحقيق إنجازاتٍ من النوع الذي يكرّس بصمته كـ «رئيس تاريخي»، وعيْنه على مَن سيخلفه، الأمر الذي يملي عليه إدارة التوازنات الداخلية وتلك الخارجية التي تحوط بلبنان بعنايةٍ وحنكة ودراية، وتالياً فهو مرشح لأن يشكل مع الحريري صمام أمان لتمكين لبنان من عبور «مثلث برمودا» الاقليمي بأقلّ خسائر ممكنة.

وبهذا المعنى فإن ولادة الحكومة الجديدة في لبنان لن تنتظر طويلاً وهي مرشحة لأن تبصر النور كـ «هدية» عيد الفطر، قبله أو بعده بأيام، رغم المهمة الشاقة التي تنتظر الحريري مع انطلاق عملية التفاوض الصعبة مع استشارات الاثنين حول أحجام القوى السياسية داخل الحكومة والأفخاخ المرتقبة في التوازنات فيها والمنازعات على الحقائب السيادية والخدماتية والدسمة وما شابه.

وثمة مَن يعتقد في هذا السياق أن الرسم التشبيهي للحكومة أنجزتْه بـ «الأحرف الأولى» نتائج الانتخابات، وسط إشاراتٍ مبكرة الى وجود مشكلات غير مستعصية، ولعلّ أهمها:

حجْم تمثيل حزب «القوات اللبنانية» الذي يريده رئيسه الدكتور سمير جعجع على قاعدة تقاسُم الحصة المسيحية مع «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل بعدما كرّست الانتخابات وجود ثنائية على هذا المستوى طرفاها «القوات» و«التيار»، وهو ما يعتبره جعجع تعزيزاً لما تم الاتفاق عليه في «تفاهم معراب» بين الطرفين.

نوعية الوزارات التي يريدها «حزب الله» الذي قرّر تفعيل وجوده في الحكومة بعد مشاركاته «الرمزية» في الحكومات السابقة، وسبل المواءمة بين ما يريده و«العين الحمراء» الاقليمية – الدولية عليه، وهو أمرٌ بالغ الحساسية ويصعب تجاهله، وخصوصاً مع حرص لبنان على الإحتفاظ بالدعم الاميركي والخليجي لمؤسساته واقتصاده.

السعي الى فرض تمثيل سني في الحكومة من خارج بيئة الحريري عبر توزير أسماء موالية لـ «حزب الله» بعدما جرى كسْر حصرية تمثيل الحريري للسنّة (حاز على 17 مقعداً من اصل 27 مخصصة للسنّة في البرلمان)، وهو الأمر الذي من شأنه فتح باب المساومات على هذا المستوى.

والحريري، الذي قام أمس بالزيارات التقليدية لرؤساء الحكومة السابقين وسط توقّعات لم تستبعد توجّهه الى الرياض على ان يعود قبل استشارات الاثنين، رسم بعيد تكليفه الخطوط العريضة للحكومة التي سيشكّلها وأبرزها الاقتصاد، محاربة الفساد، والنأي بالنفس، والالتزام بالقضايا العربية، مؤكداً «انها ستكون حكومة وفاق وطني ولن تستثني أحداً»، ومشدداً على انه «لن يوفّر جهداً في العمل على تشكيل الحكومة في أسرع وقت، ومواصلة العمل لحماية استقرار لبنان ضمن ثوابت احترام اتفاق الطائف والدستور والنظام الديموقراطي»، ولافتا إلى ان الحكومة الجديدة سيكون «امامها ايضاً ان تتابع الجهود المبذولة لمواجهة أزمة النزوح السوري».