كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
تعدّدت الروايات والنتيجة واحدة: سقطت «Sayfco». انفجر هذا الوحش العقاري من الداخل. تبادل الشركاء اتهامات بالاختلاس وتهرّبوا من مسؤولية عدم الإيفاء بالالتزامات تجاه الزبائن. مع مرور الوقت، سيتضح سبب السقوط. الثابت أن انفجار الشركة كان فضائحياً ويكشف عن بنية منظومة القطاع العقاري الغارقة بالفساد
بدأت قصة «سيفكو هولدنغ» تتكشف في 19 نيسان الماضي. يومها أعلنت الشركة على صفحتها على موقع فايسبوك أنها تواجه، مجدداً، عوائق من السلطات المحلية في إنجاز مشروع «بانوراما» في منطقة مار روكز. وأعلنت أنها ستفضح بالأسماء المعرقلين لعملية تسجيل 270 وحدة سكنية، مباشرة بعد تعرفها إليهم، شاكرة الزبائن على صبرهم. وفي 20 نيسان، أعلنت أنها تقوم بعملية «تنظيف»، ثم سكتت حتى يوم الأربعاء في 16 أيار. وقتذاك، قالت الشركة إن مؤسّسها شاهي يروانيان سيكون مباشرة على الصفحة في 31 أيار لإعلان آخر المستجدات والقرارات الجديدة في ما خصّ الشركة. «انتظرونا» ختم الإعلان. الانتظار لم يدم طويلاً. شاهي يروانيان قرّر في اليوم التالي أن يكشف عن قصّته مع الشركاء.
من الإمارات وعبر فايسبوك، اختار شاهي يروانيان رئيس مجلس إدارة Sayfco Holding أن يرمي الشبهات على شركائه. قال إنه منذ ثلاث سنوات اشترى أسهم أشقائه في الشركة، وبات يملك 100% من الأسهم. «بعد هذه الخطوة تمكنّا من بيع 6000 وحدة سكنية والترويج لأكثر من 30 مشروعاً قيمتها تساوي مليارات الدولارات». وأضاف: «وبخطوة استراتيجية، في 2015 أدخل شركاء جدداً معه ظناً أن بإمكانهم مساعدة الشركة على الانتشار في المنطقة من خلال زيادة عدد المشاريع بواسطة القوّة المالية للشركاء (الجدد). إلا أنه منذ ذلك الوقت، ساءت سمعة الشركة، وتأخر الكثير من المشاريع، ولم يُسوَّق لمشاريع جديدة، وأدّى ذلك إلى مشاكل داخلية. سنعلن قريباً عن الإدارة الجديدة والشخص المسؤول الذي يقود الشركة من الآن فصاعداً. السيد يروانيان يتمنى الحظ الجيّد للفريق الجديد(…)».
لم ينته إعلان يروانيان، بل استكمله بعد دقيقتين، بأنه سيكشف أسماء المساهمين الجدد. وبعد ساعة، وضع صورة علّق عليها بالآتي: في منتصف الصورة (حمدون) تجدون الداعم الأكبر لشركة سيفكو هولدنغ مع القائد السابق للجيش جان قهوجي مع المدير السابق للبنك اللبناني الكندي محمد حمدون ودافيد عيسى.
وبعد يوم واحد، أي يوم الجمعة الماضي، قال إن شركة ريل ديفلوبمنت (هولدنغ) «وهي المساهم الأكبر في الشركة، تمثّلها السيدة غريتا غفري حبيقة وهي عضو مجلس إدارة الشركة. وبالإضافة إلى غريتا، هناك فريق Five Holding الممثل بمحمد أبو درويش، وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة ــ المدير العام لمشروع les suites de Faqra».
وقرّر شاهي أن يأخذ وقتاً مستقطع لإعلان تأخير في مشروع سانت توماس ــ ناباي، ثم أكمل روايته، مشيراً إلى أن شركة «سيفكو» لم تعد مسؤولة عن مشروع les suites de Faqra بعد إبطال التوكيل الممنوح إليها، مشيراً إلى أن هناك فاتورة يجب تسديدها بقيمة 5 ملايين دولار، طالباً من الزبائن مراجعة أبو درويش بشأن أي توضيح.
وفي ختام بثّه المباشر على الفايسبوك، ادعى شاهي أن شريكه منذ 2015 هو محمد حمدون الذي اشترى 90% من أسهم الشركة عبر شركة Real Holding. هذه الشركة يرأس مجلس إدارتها ومديرتها التنفيذية غريتا حبيقة، وهي المساعدة الشخصية لحمدون، ومحامي الشركة هو جو زغيب المحامي الشخصي لحمدون. أضاف: «منذ عام 2009 اشترى حمدون وأصدقاؤه شققاً من سيفكو بملايين الدولارات وحققوا أرباحاً كبيرة». ويذكّر بأنه في عام 2011 وضعت الخزانة الأميركية عقوبات على البنك الذي كان يديره حمدون (البنك اللبناني الكندي) وأجبروه على الإغلاق بسبب شبهات تتعلق بتبييض الأموال للارهابيين وتهريب المخدرات».
وفق رواية يروانيان، إن واحداً من المشاريع التي كان حمدون شريكاً فيها هو مشروع Les Suites de Faqra. «اشترى حمدون والعديد من أصدقائه، شاليهات فخمة. وقد حصلت سيفكو للتطوير العقاري، المملوكة بشكل كامل من شاهي يروانيان، على عقد تنفيذ هذا المشروع في 2010 لبناء الشاليهات وتسويقها بسعر 1250 دولاراً للمتر الواحد تشمل كل الأكلاف. ومع بدء أعمال الحفر، بدأت أرض المشروع تنزلق، ما فرض على سيفكو بناء حائط دعم على محيط الأرض بكلفة تصل إلى 5 ملايين دولار وتأخير سنتين. هذه الكلفة غير المتوقعة تقع على عاتق صاحب المشروع».
وبحسب ادعاءات يروانيان، فإن حمدون أقنعه بعدم المطالبة بهذا المبلغ لتحقيق أرباح كافية يمكن توزيعها على الشركاء في المشروع، وأن تتحمّل سيفكو هذه الكلفة وتحصل في المقابل على الآتي: يستثمر حمدون في الشركة بعد خروج أشقاء شاهي منها، تمنح الشركة عقوداً لمشاريع عديدة بملايين الدولارات، منها 180 ألف متر مربع في ضبية (كان يتوقع أن يحقق 20 مليون دولار) و300 ألف متر مربع في برمانا… ولفت إلى أن حمدون «تحدّث عن علاقاته بمصرف لبنان (يشتهر بعلاقته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة)، ومع المصارف، التي ستساعد سيفكو كثيراً، وإلا فستتأثر الشركة، لا بل قال إنه باتصال واحد مع المصارف يمكن أن يوقف العمل مع سيفكو».
تحت هذه الإغراءات والوعود والتهديدات، وافق يروانيان إلا أنه بعد ثلاث سنوات «لم يكن هناك أي مشروع جديد، وتبيّن أن الوعود كانت فارغة. وعندما طالبنا مجدداً بمبلغ الـ5 ملايين دولار، طلب حمدون من أبو درويش المساعدة على تشويه سمعة شاهي». ثم عمد أبو درويش إلى رفع «دعوى قضائية لا أساس لها من الصحة ضد يروانيان. لذا، ستُرفَع دعاوى قضائية ضد غريتا غفري وأبو درويش ونأمل ألا تتأثر السلطات القضائية وتضع حداً لهذا النوع من البلطجة مهما كان قوياً سياسياً. علماً بأن يروانيان تلقى الكثير من التهديدات إذا قام بالحديث العلني».
هذا بعض مما قاله يروانيان. فقد وضع بوستات تلمّح إلى أن شركاءه يعملون في مجال تبييض الأموال، لكنه حذف هذه التعليقات. كذلك وضع تعليقاً يشير فيه إلى دور أدّاه بنك الاعتماد اللبناني ضدّه لمصلحة شركائه، ثم حذفه أيضاً.
«الأخبار» حاولت الاتصال بشاهي يروانيان، إلا أنه تهرّب من الردّ على الأسئلة، لكنها تمكنّت من جمع عدد من الروايات من أطراف معنية أو مقرّبة من المعنيين. أبرزها ما قاله المصرفي السابق محمد حمدون. يجزم حمدون بأنه ليس شريكاً مع يروانيان، لا من قريب ولا من بعيد، بل كان وسيطاً في المشكلة التي نشأت بين يروانيان وأبو درويش. «الوساطة التي قمت بها من أجل عدم انهيار الشركة جاءت بعدما تبيّن أن يروانيان اختلس نحو 5 ملايين دولار من الشركة. هذه المبالغ جمعها من الزبائن بموجب تفويض من أبو درويش ينصّ على تسويق العقارات وبيعها، لكن يروانيان أساء الأمانة، وهو حالياً خارج البلاد. تاريخ يروانيان معروف في هذا المجال. هو أزعر. لم يأمن له العديد من رجال الأعمال واختلفوا معه بعدما فشل في إنجاز العقود معهم».
يقال إن شاهي في الإمارات. وجوده هناك تفسّره رواية مصدرها أحد المصرفيين الذي قال إن «ما قيل عن اختلاس قام به حمدون من شركة سيفكو ليس صحيحاً. وما يقال أيضاً عن أنه ممتنع عن سداد يدفع ديونه المصرفية ليس دقيقاً أيضاً، فهو تعرّض للاحتيال بقيمة 11 مليون دولار على يد يروانيان، ثم خرج الأخير من لبنان ولا يتوقع أن يعود قريباً. إن حمدون مليء مالياً، وهو زبون قديم لدى بنك سرادار، وليس لديه أي ملف تعثّر كما يشاع».
لا أحد يملك الحقيقة، بل هناك مجموعة روايات متناقضة واتهامات متبادلة بالاختلاس وسوء الأمانة. لا أحد يعلم ما هو الدور الحقيقي لحمدون في الشركة، ولا لقائد الجيش السابق جان قهوجي. يشاع أن قهوجي وحمدون كانا شريكين أيضاً في مشروع سوّقت له سيفكو في قبرص. الروايات الدائرة حول هذه القصة كثيرة. من بينها رواية متفق عليها بين المصرفيين وتجار العقارات ورجال الأعمال، الذين يعتبرون حمدون مالكاً للشركة من الباطن. يفسّرون بأن وجوده بهذا الشكل مبرّر، فهو كان مديراً للبنك اللبناني الكندي الذي اتهمته الولايات المتحدة بتبييض أموال. حمدون قام بتسوية في القضاء الأميركي ولم يعد مدرجاً على اللوائح السوداء، إلا أنه يفضل البقاء بعيداً عن الأضواء.
أما الثابت بالنسبة إلى شاهي يروانيان، فأنه خلال السنوات الماضية، فشل في تسويق العديد من المشاريع المملوكة من رجال أعمال لبنانيين، أبرزها مع شركة ديمكو المملوكة من اليكس دمرجيان.
في النتيجة، من الواضح أن كلاً من هذه الروايات تحتمل هامشاً واسعاً من الخطأ والتحريض، إلا أنه بشكل عام تعبّر عن حقيقة هذا النظام السياسي ــ الاقتصادي الذي أتاح لتجّار العقارات ومصرفيين ورجال أعمال من ذوي النفوذ السياسي التمتّع بأرباح الريوع… والاختلاف عليها. مصير الشركة قد يذهب نحو الإفلاس التجاري أو الإفلاس الاحتيالي ويقع الزبائن ضحية هذا النوع من العداوة المستجدّة بين شركاء الصف الواحد. هذا بعض من نماذج الفساد المستشري في لبنان.