كتب كمال فغالي في “الأخبار”: سجّلت الانتخابات النيابية لهذا العام إنجازاً على صعيد تأمينها حق الاقتراع للناخبين غير المقيمين في لبنان، لكنه إنجاز لم يخل من شوائب من الضروري التوقف عندها، لما لها من أثر على شفافية عملية الاقتراع وحرية الناخبين.
الملاحظة الأولى تتعلق بقدرة مختلف الأطراف السياسية على القيام بحملاتها الانتخابية في الخارج وهذا ما لم يكن متاحاً للجميع. لقد لاحظنا خلال فترة تسجيل الناخبين غياباً شبه كامل لفريق 8 آذار عن الواجهة، في وقت افتتحت فيه أحزاب أخرى مراكز لها في أكثر من دولة. كما قامت هذه الأحزاب بحملاتها الانتخابية في الفترة التحضيرية، وحضر مندوبوها بشكل واضح (أعلام وقمصان وقبعات) في مراكز الاقتراع، فيما غاب مندوبو أحزاب 8 آذار، لا سيما حزب الله، المتهم بالإرهاب في غير دولة، والملاحق سياسياً في دول أخرى، ما يمنع مناصريه من الإعلان عن أنفسهم والمشاركة في التنظيم، وحتى الاقتراع.
إن هذا الأمر يدعو إلى إعادة النظر في الدول التي يجب أن تجرى فيها الانتخابات في الخارج، بحيث يُتخذ قرار بعدم إجرائها في الدولة التي لا تستطيع أن توفّر حرية عمل سياسي لجهة التنظيم والقيام بحملات، أو حماية للمقترع لجهة حقه في الاقتراع من دون خوف، وهنا نصل إلى الملاحظة الثانية التي تعدّ الأكثر خطورة.
2488 انتهاكاً لسرية الاقتراع
لقد ارتكبت الوزارات المعنية بتنظيم عملية الاقتراع، ونشر نتائجها، خطأً فادحاً في حق نحو 2488 مقترعاً، منتهكة سرية الاقتراع ومتسبّبة لهم في مشاكل متعددة. فقد نشرت وزارة الخارجية بداية أسماء المسجلين في الخارج ونظمت عملية الاقتراع لهم، ونشرت لجان القيد النتائج، ما أتاح معرفة وجهة تصويت الكثيرين في ظل وجود أقلام لا تضم إلا صوتاً واحداً مثلاً، أو عدداً محدوداً من الأصوات.
هذا الأمر ألغى الشفافية، وتسبّب في مشاكل، لأنه أثّر على ناخبين امتنعوا عن التصويت خشية أن تعرف خياراتهم السياسية من جهة، أو تعرضوا لمشاكل مع أرباب عملهم الذين طلبوا منهم التصويت لمصلحة طرف وصوّتوا هم لمصلحة طرف آخر، وهم اليوم مهددون بالطرد من أعمالهم، بالإضافة طبعاً إلى العواقب السياسية التي قد تطال مقترعين مناصرين لأحزاب غير مرغوب فيها في الدول التي يقيم فيها المقترع.
ومن أبرز الدول التي يمكن القول إن سرية الاقتراع انتهكت فيها: الولايات المتحدة الأميركية (يمكن معرفة لمن اقترع 625 شخصاً)، فرنسا (431)، كندا (170)، وألمانيا (138).
إن هذا الأمر يجعلنا نفهم إحدى ايجابيات ما نصّ عليه القانون القديم لجهة ضرورة أن يضم قلم الاقتراع ما لا يقل عن 200 ناخب من الدائرة عينها، بشكل يحمي الناخب وسرية الاقتراع.
تبقى ملاحظة أخيرة، على خلفية ردّ وزارة الداخلية على مقالتي السابقة (في وزارة الداخلية 500 ألف ناخب إضافي)، إذ كنت أعتقد أنها المسؤول الأعلى عن الانتخابات لجهة آلية احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد بالصيغة النسبية وإعداد البرامج اللازمة للعمل، ولم أكن أعلم أنه عمل لجان القيد، وإن كان الأمر لا يغيّر شيئاً في المضمون.