اوضحت مصادر سياسية مواكبة لاتصالات تأليف الحكومة اللبنانية لصحيفة «الحياة» أن فسحة الوقت التي سيتيحها غياب الرئيس المكلف تشكيلها، سعد الحريري بضعة أيام في المملكة العربية السعودية، قد تتيح مراجعة بعض الفرقاء مواقفهم ومطالبهم التوزيرية المبالغ بها تمهيداً للبحث بالمطالب الواقعية.
ورأت المصادر أن بين المطالب المعلنة وبين ما يدور في الغرف المغلقة يبدو واضحاً أن بعض الاقتراحات التي طرحتها الكتل النيابية المختلفة تدل إلى أن المرحلة التي أعقبت الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس الحريري والتي يفترض أن تتم خلالها غربلة المواقف والدخول في بحث العروض والأفكار الجدية المتعلقة بتوزيع الحقائب وبأسماء الوزارء، يفترض أن تشمل أيضاً فرز المناورات عن حقيقة ما يأمله القادة السياسيون من حصص في التركيبة الحكومية الجديدة.
وتصنف المصادر إياها مطالبة «التيار الوطني الحر» بحقيبة المال أو الداخلية في خانة المناورة من أجل احتفاظ رئيس «التيار» جبران باسيل بحقيبة الخارجية وحقيبة الطاقة للوزير الحالي سيزار أبي خليل، مقابل احتفاظ «المستقبل» بحقيبتي الداخلية والاتصالات. وتضيف: «هناك مطالب تهدف ضمنا إلى التصويب على غيرها عند التفاوض الجدي. وهذا ما دفع رئيس البرلمان نبيه بري إلى القول «تعاوَنوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، مثلما رفض الحريري الإفصاح عن التصور الأولي الذي قال إنه عرضه على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والذي رجحت مصادر نيابية أن يكون تناول شكل الحكومة ومعايير التمثيل وليس تشكيلة حكومية، لأن الأمر ما زال مبكراً لذلك قبل استكمال دورة اتصالات أولى بعيدة من الأضواء».
كما تصنف المصادر الإكثار من الحديث عن حصة الرئيس عون من الوزراء وقول الحريري بدوره إن هناك حصة لرئيس الحكومة في المقابل في إطار المناورات. فـ «التيار الحر» يريد من وراء الإصرار على حصة الرئيس نفخ حصة «التيار» الذي هو حصة الرئيس. وفي اعتقاد المصادر السياسية أن القول بحصة لرئيس الحكومة أيضاً أراد منها الحريري في المقابل التخفيف من مطالب «التيار الحر» المضخمة الهادفة إلى تقليص حصة حزب «القوات اللبنانية» الذي طالب بأربع حقائب مع نيابة رئاسة الحكومة بعد مضاعفته كتلته النيابية. كما تهدف إلى قطع الطريق على تمثيل القوى المسيحية الأخرى المطروح تمثيلها مثل «تيار المردة» عبر «التكتل الوطني». ويهدف الحريري في رأي المصادر إلى تثبيت قواعد أكثر تواضعاً للتأليف.
وتقول المصادر السياسية المواكبة للتأليف إن الأخذ بمقولة حصة للرئيس وأخرى للرئيس المكلف يؤدي إلى تشكيل حكومة سوادها الأعظم من فريقيهما فتكون القوى الأخرى ممثلة في شكل رمزي، وهذا غير واقعي، فضلاً عن أن ما يطرح في وسائل الإعلام عن حصة عون وتياره يقود إلى حصول فريق واحد على الثلث الضامن في الحكومة التي يرجح أن تكون ثلاثينية، وهذا غير وارد عند قوى أخرى ولا سيما «الثنائي الشيعي» على رغم تحالف «حزب الله» مع «التيار». وتذكّر المصادر بتصريحات مسجلة أعيد بثها للرئيس عون قبل انتخابه رئيساً يرفض فيها إعطاء حصة وزارية للرئيس ميشال سليمان. وتقول مصادر نيابية إن هناك محاولة لخلق أعراف وقواعد غير موجودة عملياً ولا ينص عليها الدستور، تخضع للاستنسابية ليؤخذ بها إذا كانت تلائم فريقاً ما ويتم التخلي عنها إذا كانت لا تلائم الفريق نفسه. ومن هذه القواعد «غب الطلب» إضافة إلى حصة الرئيس، ما يجري القيام به من تركيب كتل نيابية لتبرير توزير شخص واحد من نوع كتلة «تضامن الجبل» لتسمية النائب طلال أرسلان وزيراً. والمفارقة المضحكة وفق المصادر أن أعضاء هذه الكتلة الأربعة حضروا الاستشارات مع الحريري في عداد «تكتل لبنان القوي» حيث طرح باسيل مطالب التكتل، ثم خرجوا من الاجتماع، وعادوا ليلتقوا الحريري ويطرحوا مطالب إضافية. وهذه المفارقة تضيء على عقدة تمثيل أرسلان في ظل إصرار الحزب التقدمي الاشتراكي على حصر التمثيل الدرزي به.
ولاحظت المصادر أنه على رغم التفاؤل الذي حرص الحريري على إظهاره بإمكان إنجاز الحكومة سريعاً، فإن مداولات الغرف المغلقة لا توحي بأن بعض العقد قابلة للحلحلة بسهولة. وتشير مثلاً إلى أن هناك 3 أطراف تطالب بحقيبة الأشغال العامة والنقل الخدماتية هي «التيار الحر»، حزب الله» و «تيار المردة «الذي كانت في عهدته في الحكومة المستقيلة. والأول يتشدد في رفض إعادة إسنادها إلى «المردة». كما أن تمثيل النواب السنة الذين فازوا في الانتخابات بالتنافس مع «تيار المستقبل» (يتردد اسم النائب فيصل كرامي)، لا يلاقي صدى إيجابياً لدى الحريري بحجة أن هؤلاء كانوا موجودين في المجلس النيابي الأخير من دون تمثيلهم في الحكومات المتعاقبة.
وفي وقت تطرح حقيبة التربية لـ «المردة» وهو غير متحمس لها ومتمسك بالأشغال، فإن عين «القوات» على الطاقة، التي يود «التيار الحر» الاحتفاظ بها أيضاً، بينما يتداول بعض الأوساط بحقيبة التربية أو العدل أو الصحة لـ «حزب الله» الأمر الذي يصعب التسليم به لحاجة من يتولى أي منها إلى التواصل مع ممثلي الدول الأجنبية.