كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تشكّل الزيارة القصيرة التي بدأها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري للسعودية ما يشبه «استراحةَ» ما قبل دخول مسار التأليف مرحلة «المُفاصَلة» على شروط الحدّ الأقصى التي وضعتْها مختلف الأطراف على الطاولة وتالياً محاولة استيلاد الحكومة من ضمن «الحاضنة» اللبنانية وتحت سقف ضوابطها قبل أن يصبح هذا الملف رهينة التعقيدات الاقليمية المتعاظمة أو محكوماً بقواعد اشتباكها التي يمكن أن تضع البلاد أمام مخاطر جمّة.
وفيما غادَرَ الحريري بيروت ليل الثلاثاء إلى السعودية للقاء عائلتِه وتأديةِ مناسك العُمرة في مكة المكرّمة وسط رصْدٍ لِما إذا كان سيَعْقد لقاءات مع مسؤولين في المملكة، فإنّ المَشهد بعد أسبوعٍ على تكليفه يشي بأن القرار الكبير باستعجال ولادة الحكومة في الأسبوعين المقبلين معطوفاً على سلّة الشروط والشروط المضادة التي تتركّز ظاهراً داخل الطوائف على الأحجام والحقائب يمكن أن يتحوّل «حمولةً زائدة» على مسار التأليف ولا سيما في ظل الاستشعار بأنّ التلميح إلى «حكومة أمر واقع» أو حكومة «بمَن حضر» بدأ ينطوي على أبعاد إقصائية لبعض الأطراف (مثل «القوات اللبنانية») يمكن أن ترتّب نتائج يتلقّفها الخارج بطريقة سلبية جداً، ولا سيما في ظلّ انتهاء الانتخابات النيابية إلى نتائج لمصلحة «حزب الله» على طريقة «يتمدّد ويقضم» من ضمن النظام.
وإذ يتركّز «رأس جبل» التعقيدات مسيحياً بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» ودرزياً بين زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وبين النائب طلال ارسلان وسنياً على خلفية مطالبة السنّة من خارج عباءة الحريري بتمثيلٍ في الحكومة، فإن أوساطاً سياسية بدأت تثير علامات استفهام حول إذا كان الإمعان في إحراج الحريري بإعطاء «التيار الحر» إشاراتٍ غير مباشرة إلى دفْع «القوات» للخروج من الحكومة، الى جانب الإصرار على تمثيل ارسلان وخصوم زعيم «تيار المستقبل» السنّة سيجعل الرئيس المكلّف يسمع «نصائح» بالتروّي في التأليف تفادياً لتشكيل حكومةٍ على وهج الاختلال في التوازنات التي أفرزتْها الانتخابات ومن شأنها إضافةَ الى توجيه رسالة سيئة الى الخارج إضعاف صورة «الحريري موديل 2018» أمام جمهوره.
وفي هذا السياق، توقفت الأوساط السياسية عند قول الحريري بعد زيارته يوم الثلاثاء الرئيس عون رداً على سؤال عما إذا كان «تيار المستقبل» سيحصل على 6 مقاعد وزارية انه «لا يمكن أحداً أن يشكك في وجود تيار المستقبل وكذلك هناك رئيس الحكومة وله حصّة أيضاً»، مشيرة الى ان هذا الكلام جاء في غمرة التجاذب بين «التيار الحر» و«القوات» حول حصة رئيس الجمهورية الوزارية وفصْلها عن حصة «تكتل لبنان القوي»، وهو الذراع النيابية لعون الذي يصرّ على حصّته «الصافية».
ووفق هذه الأوساط، فإن ما أعلنه الحريري لا يبدو موجّهاً ضدّ الرئيس اللبناني بمقدار ما أنه يعكس شعور زعيم «المستقبل» بمحاولةٍ لاستخدام رغبته في التأليف السريع في إطار تطويقه بشروط تفضي عملياً إلى لعب الآخرين داخل «ملعبه السني»، وفي الوقت نفسه إضعاف ظهْره استراتيجياً في الداخل عبر إقصاء «القوات» تحت ستار الكلام عن أنه إذا لم يرتَح فريق الى المشاركة فيمكن أن يكون في المعارضة من ضمن اللعبة الديموقراطية القائمة على أكثرية تحكم وأقلية تعارض، أو تهشيم حضور «القوات» الوزاري، والإصرار على إدخال التمثيل العلوي في سياق المزيد من ضرْب التوازنات في الحكومة على طريقة «ضرْب حديد» نتائج الانتخابات «وهو حام» بما يخدم إطباق «حزب الله» التدريجي على مَفاصل القرار على مختلف الصعد. وإذ لاحظتْ الأوساط نفسها أن الرئيس نجيب ميقاتي أعلن معارضته للحصة الوزارية لرئيس الجمهورية، معتبراً أنها «تكريس لأعراف جديدة لا طائل منها، وإلا فنحن نؤيد ما قاله الرئيس المكلف عن حصة مماثلة لرئيس الحكومة»، كان بارزاً كلام زعيم «المستقبل» في الإفطار السنوي لدار الأيتام الاسلامية بعيد لقائه مع الرئيس عون عن «ان لبنان يواجه تحديات كبيرة، خارجية وداخلية. والتصعيد الإقليمي الجاري، عسكرياً فوق مسرح العمليات السوري، وسياسياً في فلسطين المحتلة بعد الخطوة المرفوضة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واستراتيجياً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، كلها أسباب لمضاعفة الجهود لمواصلة حماية بلدنا من المخاطر المحيطة، وعلى رأس هذه الجهود الإسراع في تشكيل الحكومة».
وإذ أكد «اننا داخلياً أمام فرصة ذهبية لن تتكرر، بإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها»، لفت الى «ان كل القوى السياسية الرئيسية في البلاد وفي البرلمان، واعية للمخاطر الخارجية والتحديات الداخلية، وبالتالي فهي متوافقة على ضرورة الإسراع في إنجاز تشكيل الحكومة. كما أن هناك توافقاً بين فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري وبيني على ضرورة الإسراع في الإصلاح الإداري والاقتصادي، ومن ضمنه أولوية مكافحة الفساد بكل أشكاله، ويبقى أن تترجم الأيام المقبلة هذه الإرادة بالفعل، وأن نتواضع جميعاً أمام مصلحة لبنان واللبنانيين، وأن نرتفع جميعاً إلى مستوى التحديات الماثلة أمامنا، والمرجح أنها ستتصاعد في الأشهر القليلة المقبلة».
وشدد على «أنني سأبقى على تعهدي الحفاظ على التفاهمات الأساسية التي حمت الاستقرار وأطلقت مسيرة الإنجاز في الحكومة المستقيلة، تحت سقف الثوابت التي لا مساومة عليها، وعلى رأسها اتفاق الطائف، والدستور، ونظامنا الديموقراطي، وهوية لبنان العربية، ونأي لبنان عن التدخل بشؤون الأشقاء العرب، حفاظاً على أفضل العلاقات معهم».