Site icon IMLebanon

الراعي: يعطون قيمة للنفط وليس لمسيحيِّي الشرق

كتب ماري غينوا في صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية:
خلال زيارته إلى فرنسا، إلتقى البطريرك الماروني، الرئيس إيمانويل ماكرون لمناقشة التوترات المتعلّقة بوجود اللاجئين السوريين في لبنان.

البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هو شخصية تفرض حضورها. بطريرك الكنيسة المارونية، إحدى أكبر الكنائس الشرقية من الكنيسة الكاثوليكية التي تسمح للكهنة بالزواج، هو من أعظم الشخصيات اللبنانية. في هذا العالم السياسي والاجتماعي المعقّد، يجسّد الراعي استقرار كنيسة عملت على بناء هذا البلد لقرون ولا تزال تحتفظ بدور «سياسي»، بالمعنى الاجتماعي للكلمة.

خصوصاً في الأوقات الصعبة، عندما ساعدت هذه الكنيسة هذا الشعب على تجاوز الكثير من المحن. لكنّ الكنيسة المارونية التي هو رئيسها، ليست فقط مؤسّسة في بلد الأرز، فهي تؤدي دوراً حاسماً أيضاً على المستوى الدولي للدفاع عن مسيحيي الشرق.

كنيسة تشعّ بقوّة أكبر بما أنّ جزءاً من الموارنة اللبنانيين يعيشون مغتربين في جميع قارّات العالم. فكل سنتين تقريباً، يزور البطريرك الكاردينال الراعي (78 عاماً)، الفرنكوفوني بامتياز، جماعته في فرنسا، مستغلّاً الفرصة لإجراء لقاءات عالية المستوى. هذا الرجل، الذي يعتمد على ساحة الشرق الأوسط التي تتعارض فيها المصالح، إستقبله في فرنسا هذا الاسبوع رئيس الجمهورية الفرنسي ورئيس الوزراء.

• لقد التقيت الرئيس ماكرون لأوّل مرة في الإليزيه. هل يكتشف فيه لبنان صديقاً مقرّباً؟

الرئيس إيمانويل ماكرون شخص لا يصغي فقط بأذنيه بل يصغي أيضاً بقلبه. وهو يفهم ما يُقال له، وهو «يشعر» معك. لا يتشبّث بمواقفه ويدعو إلى الثقة. وهذا أمر عظيم! يُقال انّ الاصغاء بالقلب يحلّ بالفعل نصف مشكلة مخاطبكم.

وأحياناً، نكون حقّاً بحاجة إلى أن يكون لدينا شخص يصغي إلينا. وبالطبع، نحن نشعر في فرنسا دائماً بالراحة: فنحن نتحدّث مع أصدقاء، لأنّ ألف سنة من العيش مع الفرنسيين تخلق صداقة حقيقية. وهم ليسوا أصدقاء نتيجة الظروف… هكذا كانت فرنسا، التي تشكّل صوتاً مهمّاً، دائماً إلى جانب لبنان في كلّ تقلّبات تاريخه، حتّى لو كانت قرارات الشرق الأوسط ترتبط بالمجتمع الدولي.

• هل نبّهتموه إلى مصير مسيحيي الشرق؟

كانت هذه إحدى نقاط مناقشتنا. في الشرق الأوسط، المسيحيون ليسوا دخلاء، ولا حتّى «أقلّية». فالمسيحيون كانوا قبل الإسلام بـ 600 سنة. وهذا يعني أنّ الثقافة الأساسية في كلّ الشرق الأوسط هي ثقافة مسيحية. كما أنشأنا الاعتدال الإسلامي، لأنّه يجب أن نميّز مسلمي الشرق الأوسط عن الذين يصنعون الحروب. ولكن، إذا تضاءل الوجود المسيحي أكثر بعد، سنفقد عنصراً أساسيّاً يضمن الاعتدال الاسلامي.

ونحن ننقل أيضاً قيَمنا المسيحية وقيَم الفرنكوفونية والجانب الحديث للحياة والحرية والمساواة والتعددية وحقوق الإنسان. أنا لا أنكر الثقافة الإسلامية، فلها قيمها. ولكن عندما لا يعود عدد المسيحيين يكفي، نخسر الكثير. هم يعطون قيمة للنفط والموارد الطبيعية، ولا يعطون قيمة لمسيحيي الشرق الأوسط. فهذا المورد المهمّ مُهملاً.

• لماذا يغادر المسيحيون لبنان؟

كانت هذه النقطة الأساسية في مناقشتنا. إذا كان المسيحيون كالمسلمين يغادرون لبنان، فهذا لأنّ البلد وضعه سيّئ اقتصادياً. يهنّئوننا لأنّنا نستقبل 1750000 لاجئ سوري و500000 فلسطيني، أي أكثر من نصف السكان اللبنانيين، لكنّ سوريا أكبر بثلاث مرات من لبنان، وفيها مناطق آمنة ضخمة جدّاً. يمكن للسوريين إذاً العودة إلى ديارهم. هذا حقّهم، وهذا بلدهم، وهذه ثقافتهم وحضارتهم. إلّا أنّ هؤلاء اللاجئين لا يتشجّعون على العودة لأسباب سياسية.

لذا، طلبتُ من الرئيس ماكرون مساعدتنا في تشجيعهم على العودة. نحن متضامنون جدّاً مع اللاجئين، إنسانيّاً واجتماعيّاً، لكن لدينا أيضاً شعب بنسبة 30 ٪ يعيش تحت مستوى الفقر. لذلك، لقد حان الوقت لترك الشعب السوري يعود إلى دياره، وإلّا سيلقى لبنان على الأمد طويل مصيراً أسود. وهذه الحرب في سوريا دمّرتنا أيضاً، ولا نتوقّع أن يحلّ السلام. لهذا السبب تحدّثنا أيضاً عن إمكانية وأهمية تنظيم مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. حان الوقت حقّاً لإنهاء هذه الحرب. هل المجتمع الدولي غير قادر على التكلّم عن السلام؟ ألا يجب سوى أن نتكلّم عن الحرب! هذا عار على عصرنا.

• أنت قلق جدّاً على الفرنكوفونية؟

في آب 2017، صوّت البرلمان على قانون لزيادة رواتب المعلّمين، ولكن هذا الإجراء يهدّد المدارس الخاصّة والكاثوليكية التي ليست مدعومة على الإطلاق. ستزيد الأقساط المدرسية بنحو 500 يورو.

تخيّلوا لو كان لديكم ثلاثة أطفال! إنّ معظم الأهالي غير قادرين على دفع هذه الزَودة، هذه كارثة اجتماعية. والنتيجة: ستغلق هذه المدارس أبوابها، وسيختفي معها تعليم عالي الجودة، لا سيّما تعليم اللغة الفرنسية. لقد تطرقتُ إلى هذا الموضوع أيضاً مع الرئيس إيمانويل ماكرون لأنّ مدرسة «الليسه» الفرنسية التي اضطرّت الى تعليق الدروس، هي معنيّة أيضاً. إنّ الفرنكوفونية معرّضة للخطر.