كتبت صحيفة “الحياة”: لم تعرف الأسباب التي أدت إلى تعليق تنفيذ الخطة الأمنية لمنطقة بعلبك- الهرمل بالتلازم مع الخطة الأمنية التي طبقت بحذافيرها منذ 4 سنوات في مدينة طرابلس، وأدت إلى إنهاء الجزر الأمنية فيها وإعاده الأمن والاستقرار إلى عاصمة الشمال، خصوصاً أنها ترافقت مع إزالة خطوط التماس بين جبل محسن وباب التبانة وأمنت العبور بين المنطقتين.
ومع أن المطالبة بشمول الخطة الأمنية منطقة بعلبك- الهرمل لم تتوقف في ضوء الفلتان الأمني غير المسبوق الذي يهددها من جانب حملة السلاح المشبوه و «الزعران»، وكانت تصدرت الاجتماعات الأخيرة للمجلس الأعلى للدفاع الذي اتخذ سلسلة من الإجراءات والتدابير التي بقيت طي الكتمان من دون أن تترجم إلى خطوات عملية تدعو أبناء هذه المنطقة للاطمئنان على أمنهم وسلامتهم وأرزاقهم وممتلكاتهم.
وسرعان ما أخذ الوضع الأمني يتدهور في هذه المنطقة فور الانتهاء من إجراء الانتخابات النيابية، على رغم أن المقترعين وإن كانوا أعطوا صوتهم التفضيلي لهذه اللائحة أو لتلك المنافسة لهم، فإنهم يترددون الآن في تجيير صوتهم هذا على بياض للسلطة اللبنانية التي لم تحسم أمرها حتى الساعة لإنقاذ كبرى المناطق اللبنانية من العصابات والزمر المسلحة التي تحولت إلى قطاع طرق تعبث بالأمن وتشل الحركة التجارية، ليس في النهار فحسب وإنما خلال الليل، إذ تتقاتل إحداها مع الأخرى مستخدمة كل أنواع الأسلحة وكأنها تجري مناورات بالذخيرة الحية في أماكن غير مأهولة بالسكان.
وعلى رغم أن الفلتان الأمني في بعلبك الهرمل بلغ أخيراً حداً لا يطاق مع الاستعدادات الجارية لإقامة مهرجانات بعلبك الدولية، فإنه حضر بامتياز في لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق في حضور محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر، فيما كانت البلديات في هذه المنطقة تطالب الدولة، ومن خلالها الأجهزة الأمنية، بالضرب بيد من جديد لوضع حد للتدهور الأمني الذي بلغ ذروته في الأسبوع الأخير وما زالت تداعياته حاضرة في لقاءات هيئات المجتمع المدني وأحزاب المنطقة وفعالياتها.
وانضم أخيراً إلى المحتجين على الوضع المأسوي الذي تشهده بعلبك «حزب الله» وحركة «أمل»، مجددَيْن رفع الغطاء السياسي عن المخلين بالأمن ومطالبين الأجهزة الأمنية بالتدخل بكثافة لإعادة الاستقرار إليها لوقف مسلسل تساقط الضحايا نتيجة الاشتباكات العشوائية وتوفير الحماية للضحايا الأحياء ممن باتوا يخشون على مصيرهم إذا لم تتواجد الدولة بكل أجهزتها الأمنية والعسكرية لإنهاء الجزر الأمنية التي تؤوي المطلوبين للعدالة وقطاع الطرق والعصابات المنظمة لسرقة السياسات وتهريبها بالعشرات إلى داخل الأراضي السورية، إضافة إلى تجار المخدرات ومروجيها بعد أن سجلت نسبة التعاطي بين صفوف الشبان رقماً قياسياً في غياب الإجراءات الرادعة لحمايتهم.
وكان للوزير المشنوق رأي حيال الفلتان الأمني في ضوء تمدده إلى أحياء جديدة في بعلبك، غير تلك المشغولة على الدوام باشتباكات تدور بين فارضي الخوة في وضح النهار الذين يلجأون غالباً في الليل إلى تفجير المحال التجارية للذين لم ينصاعوا إلى «رغباتهم» التشبيحية. وفي هذا السياق، يُنقل عن المشنوق قوله إن الدولة مسؤولة عن حفظ أمن رعاياها ومن غير الجائز أن تتركهم ضحايا الفلتان الأمني وبات عليها أن تحسم أمرها لأن الوضع لم يعد يطاق ولديها من الإمكانات ما يؤهلها لفرض هيبتها وإنهاء الوضع الشاذ في هذه المنطقة.
ويؤكد المشنوق أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، وأن التردد في إعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة «يشجع» المخلين بالأمن على المضي في إلحاق الأذى الجسدي والمعنوي بالذين يقيمون في هذه المنطقة. ويقول إن الاجتماعات السياسية ضرورية وإن الجميع يقر برفع الغطاء السياسي عن العصابات التي تتواجد في أوكار باتت معروفة، لكن لا بد من إحياء خطة بعلبك- الهرمل الأمنية، خصوصاً أن القوى الأمنية، من جيش وقوى أمن، نجحت في كسر الإرهاب وتحرير الجرود من المجموعات الإرهابية، وليست عاجزة عن تنفيذ خطة أمنية متكاملة تتقاسم المسؤولية فيها القوى الأمنية.
ويشدد المشنوق على ضرورة توفير المشاريع التي تحقق التنمية لهذه المنطقة وتخلق فرص عمل جديدة، ويقول إن مشروع «سيدر» يأخذ في الاعتبار النهوض بها، لكن لا يجوز ربط إعادة الأمن إليها بالشروع في تنفيذ هذه المشاريع التي تحتاج إلى وقت لوضعها على سكة العمل لتحقيقها.
ويلفت إلى ضرورة استجابة الدولة لشكاوى سكان هذه المنطقة وصرخاتهم اليومية لأن إعادة الهدوء إليها تشكل المدخل لتصحيح علاقتها بهم، ويؤكد أن هناك حاجة لفرض إجراءات أمنية فوق العادة وغير مسبوقة، ومن أعاد الأمن إلى طرابلس لن يعجز عن تعميم هذه التجربة على بعلبك- الهرمل مشترطاً فرض رقابة مشددة لأقصى الحدود على المعابر غير الشرعية التي تربط هذه المنطقة بسورية، خصوصاً أنها تحولت إلى «مسالك» لتهريب السيارات المسروقة وتبادل البضائع بصورة غير شرعية وأيضاً المأوى «الآمن» للمطلوبين.
لذلك، فإن تكرار الحديث عن رفع الغطاء السياسي عن المطلوبين لم يعد يجدي نفعاً وبات مطلوباً من الدولة أن تتخذ قرارها بالقيام بعملية جراحية أمنية لإنقاذ بعلبك طالما أن جميع الأطراف فيها يُجمعون على أنها الحل الوحيد الذي ينتظره سكان المنطقة بفارغ الصبر بعد أن أداروا ظهورهم للوعود التي كانت وراء ارتفاع منسوب الفلتان.