ضجت الساحة السياسية والإعلامية في لبنان في الأيام الأخيرة بنبأ توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على مرسوم لتجنيس نحو 300 شخصية من جنسيات مختلفة كان للسوريين حصة الأسد منها.
وطغى الخبر الذي لم يصدر حوله أي تعليق رسمي حتى الآن ولم يتم نشره في الجريدة الرسمية، على عقدة تأليف الحكومة التي لا تزال تراوح مكانها رغم التفاؤل الذي يحاول البعض إشاعته بشأنها.
وتقول أوساط سياسية لبنانية بصحيفة “العرب” اللندنية إن السبب الرئيسي في الضجة التي أثارها خبر المرسوم، هو حالة التعتيم التي مارستها كل من رئاستي الحكومة والجمهورية ووزارتي الداخلية والخارجية، وتوقيت تمريره المثير للشبهات في ظل فوضى التشكيل الحكومي وفي حضرة حكومة تصريف أعمال صلاحياتها محدودة.
وتجنيس أشخاص في لبنان هي عادة دأب عليها رؤساء الجمهورية في لبنان خلال أواخر فترات ولاياتهم، على خلاف هذه المرة. وتقول المعطيات المسربة إن معظم الحاصلين على الجنسية اللبنانية هم من رجال الأعمال والأثرياء، الأمر الذي دفع البعض إلى التشكيك في الأسباب الكامنة خلف إقرار المرسوم بعد الانتخابات مباشرة ودون انتظار تشكيل حكومة جديدة.
وقال النائب عن كتلة الكتائب نديم الجميل “عادة يقوم رئيس الجمهورية بهذه الخطوة مع نهاية عهده، لكن أن تصبح تجارة الجنسية فضيحة لتعويض مصاريف الانتخابات ومصاريف أخرى فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”.
من جهته صرح القيادي في حزب القوات اللبنانية فادي كرم “قبل الاطلاع على المعطيات الحقيقية ومعرفة الأسباب التي أدت إلى إقرار مرسوم التجنيس لدينا ملاحظة أساسية عن سبب تخبئة هذا المرسوم في فترة الانتخابات ولماذا تم تهريبه بهذه الطريقة. من المفترض أن نطلع جميعا على هذه المراسيم الأساسية والمهمة وندرس أسبابها ومبرراتها، وإن كانت ثمة ضرورة لإقرارها”.
ويرى مراقبون أن ما ساهم في إعطاء هذا المرسوم زخما أوسع، حتى أن العديد من السياسيين وسموه بـ”الفضيحة” و”وصمة عار” على العهد، هو أن معظم الذين تم تجنيسهم من السوريين والفلسطينيين، ومعلوم أن هذه المسألة هي مثار حساسية عالية بالنسبة للبنانيين.
وقد أيقظ هذا المرسوم الذي لم يتم التأكد بعد من التوقيع عليه، هاجس توطين السوريين والفلسطينيين، في ظل خوف دائم يرافق خاصة المسيحيين من تكريس الهوة داخل التركيبة الطائفية في البلاد.
وعلق عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي سعد حول مرسوم التجنيس عبر حسابه على موقع تويتر قائلا “إذا كان من الممكن أن نتفهم مبدأ التجنيس الإفرادي، لا يُمكننا أن نتفهم مبدأ التجنيس الجماعي في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان”.
ويحتضن لبنان، إلى جانب مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، أكثر من مليون نازح سوري فروا من بلادهم بسبب الحرب الدائرة هناك منذ نحو ثمانية أعوام.
وعلى مدار السنوات الأخيرة شنت أطراف سياسية ودينية مسيحية حملة متصاعدة ضد هؤلاء النازحين، بدعوى التصدي لمشروع دولي لتوطينهم.
وتعززت المخاوف من التوطين مع المادة عدد 50 في الموازنة العامة لسنة 2018 التي تتضمن منح الإقامة لمن يمتلك عقارا سكنيا يتراوح سعره بين 350 و500 ألف دولار أميركي.
ولئن خفت الجدل بعد قرار المجلس الدستوري في مايو الماضي بتعليق العمل بهذه المادة في الموازنة، إلا أنه سرعان ما عاد ليطفو مجددا على إيقاع منح الجنسية للعشرات من السوريين، ضمن المرسوم الجديد.
وهددت القوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي بالطعن أمام المجلس الدستوري في مرسوم التجنيس، مطالبة رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية بإماطة اللثام عنه، وكشف الدوافع خلف تجنيس هؤلاء الذين من بينهم أيضا عراقيون وبريطانيون وتونسيون ومصريون وأردنيون.
ويرى مراقبون أن هذا التهديد قد لا يجد طريقه إلى التنفيذ خاصة وأن المرسوم لم يتم الإعلان عنه من قبل السلطات المعنية، كما لم يتم إدراجه في الجريدة الرسمية، وشكك المراقبون في مدى واقعية ربط هذا المرسوم بتوجهٍ لتوطين النازحين السوريين، في ظل تصدُّر الرئيس عون الأصوات الرافضة لهذا التمشي، وهو يدرك أن تمرير مثل هذا الأمر سينسف ما يعتبره إنجازات العهد.
ويأتي هذا الجدل في وقت كشفت فيه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأردنية عمان عن تراجع الدعم الدولي للنازحين السوريين في البلدان المضيفة وعلى رأسها الأردن ولبنان.
وأطلقت المفوضية نداء عاجلا للمانحين مطالبة إياهم أن يفوا بوعودهم بعد أن كانوا قد تعهدوا بالمشاركة في برنامج اللاجئين السوريين، قائلة إنها لم تتلق سوى خمس التمويل المطلوب.
وأكد أمين عوض، مدير مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمنسق الإقليمي للاجئين في سوريا، أن “المعادلة الحسابية واضحة، نحتاج 5.6 مليار دولار حصلنا على 20 بالمئة فقط”.
وترى بعض الأوساط اللبنانية أن طريقة التعاطي الرسمي مع تمرير مرسوم التجنيس يثير الشبهات في المقابل، هناك مبالغة في رد الفعل، ومرد ذلك إلى الحساسية المفرطة تجاه مواطني دول بعينها مثل السوريين، رغم وجود شبه إجماع داخل النخبة على رفضهم للتوطين، وهناك اليوم خطوات فعلية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم وإن كان ذلك عبر التنسيق مع نظام الرئيس بشار الأسد.