كتبت أنديرا مطر في صحيفة “القبس” الكويتية:
بعد انقضاء الأسبوع الأول على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، لا يزال الحديث عن عقد وعقبات التأليف يستأثر بمداولات القوى السياسية التي لم تنقطع، رغم وجود الحريري في السعودية. في حين يترقّب الجميع عودة الرئيس المكلف إلى بيروت ــــ المتوقعة غداً (الأحد) ــــ لاستكمال مشاوراته مع الكتل السياسية ومعرفة الآليات والحلول التي سيقترحها من أجل تذليل هذه التعقيدات.
في الأثناء يتنازع المشهد السياسي رأيان: أحدهما متفائل بقدرة الحريري على تشكيل حكومة في أقرب وقت، نظراً الى حجم التحديات الخارجية والداخلية، وفي طليعتها وضع اقتصادي مأزوم يكاد يلامس الانهيار، ولا يسمح بترف الانتظار. ويقلل أنصار هذا الرأي من شأن ظاهرة الشهية المفتوحة على الاستيزار من قبل جميع التيارات والأحزاب، واضعيها في سياق رفع سقف المطالب للحصول على حصة معقولة. في حين تقابل هذا المناخ التفاؤلي نظرة تشاؤمية تقول ان اللبنانيين سينتظرون طويلاً قبل ان يشهدوا ولادة هذه الحكومة فدونها عقبات تفوق قدرة الحريري على تذليلها.
وبات معلوماً ان عقبات ثلاثاً تعترض تشكيل الحكومة وتؤخر ولادتها، أبرزها عقدة التمثيل المسيحي المتنازع بين نهم استيزار التيار «العوني» الرئاسي و«العوني» الحزبي (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية) والفصل بينهما للحصول على حصتين وزاريتين، وذلك لإضعاف «التمثيل القواتي» المسيحي في الحكومة المرتقبة. وتبدو هذه العقدة مستعصية، على حد وصف مصدر نيابي لـــ القبس، ودليله السجال المتصاعد وغير المسبوق بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». وكان هذا السجال قد اندلع قبيل الانتخابات النيابية على خلفية ملفات اقتصادية واجتماعية وبلغ ذروته مع اعلان نتائج الانتخابات النيابية. آخر فصول هذا السجال موضوع التمثيل الوزاري الذي تريده «القوات اللبنانية» موازيا لحصة التيار الوطني الحر منطلقة من حجمها النيابي الذي تضاعف مقارنة بالمجلس السابق، وكذلك استنادا الى بنود «تفاهم معراب» المعقود بين الطرفين، وينصّ على هذا الأمر.
لكن المطلب «القواتي» يواجه بمعارضة شرسة يقودها تكتل «لبنان القوي» الملتف حول الرئيس ميشال عون وصهره باسيل الذي يريد الحصول على حصة الأسد في الوزارة العتيدة، تحت مسميات شتى، أولها حصول كل طرف على حقائب وزارية تناسب حجمه النيابي مع الإشارة دائماً الى الاختلال الواضح في الحجم بين تكتلي «الجمهورية القوية» (القوات) المكوّن من 15 نائباً و«لبنان القوي» (العوني) المكوّن من 29 نائباً. ويلفت المصدر النيابي الى تسلّح «التيار الوطني» بالميثاقية التي باتت حاضرة في أدبيات وخطب رئيسه جبران باسيل في كل المناسبات. وتتجسّد هذه الميثاقية بمفهومه بتمثيل الأقوى في طائفته في إدارات ومواقع الدولة. ويضيف المصدر ان معركة باسيل الحالية منصبّة على «الالتفاف» على المسعى القواتي، في محاولة لتحجيمها قدر الامكان، وهو سلك مسلكين للوصول الى مبتغاه: أولاً من خلال المطالبة بحصة وازنة من الحقائب الوزارية، ومنها حقيبة سيادية لرئيس الجمهورية واعتبار هذا المطلب ميثاقيا ودستوريا، وقد تكرّس بعد اتفاق الطائف؛ اذ ان كل رؤساء الجمهورية قد حظوا بحصة وزارية من إلياس الهراوي الى إميل لحود الى ميشال سليمان، علماً بأن هؤلاء جميعهم لم تكن لهم أي حيثية شعبية او كتلة نيابية على غرار الرئيس عون.
وللمفارقة، فإن عون حين كان نائباً كان من أشد المعارضين لتخصيص رؤساء الجمهورية بمقاعد وزارية، وقد عبّر عن رفضه هذا الامر في مناسبات عدة. إضافة الى التشدد في الحصة الرئاسية ورفض أي نقاش حولها، برزت حماسة عونية لتمثيل بعض الأقليات مثل الطائفة السريانية. من نافل القول، وفق المصدر، أن كلا المطلبين يصبّان في هدف واحد؛ هو «قضم» الحصة القواتية وتقليصها إلى اقصى حد.
ولا يتوقف التمثيل المسيحي عند التكتلين الكبيرين، بل يتعداه الى كتل نيابية اقل ضموراً، الا أنها تطالب هي الأخرى بحصتها من التمثيل الوزاري مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي (3 وزراء) وحزب الكتائب (3 وزراء) وحزب المردة لآل فرنجية (3 وزراء).
العقدة الثانية هي التمثيل الدرزي، فـ«اللقاء الديموقراطي» الجنبلاطي يصرّ على الاستحواذ على الحصة الدرزية كاملة من دون شريك، وفقاً لما أفرزته الانتخابات النيابية، ويطمح الى نيل 3 وزراء في حكومة ثلاثينية، في حين يطالب النائب طلال أرسلان بحقيبة درزية يدعمه في ذلك باسيل الذي ينضوي أرسلان في تكتله.
وإلى العقدتين المسيحية والدرزية برزت عقدة سنية، تتمثل في رغبة نواب سُنّة من المقرّبين من سوريا او المناهضين لتيار المستقبل، وعددهم تسعة في تمثيلهم بوزير أو اثنين. وهذا ما دفع بالحريري الى المطالبة بحصة إضافية لرئيس الحكومة على غرار حصة رئيس الجمهورية تكون منفصلة عن حصة تيار المستقبل.
الى جانب عقد الطوائف هناك عقدة المداورة في الحقائب في ظل تمسّك بعض الطوائف بحقائب معينة ـــــ وقد عبّر باسيل عن «حرمان» يطول تياره منذ 2005 ويمنع عنه وزارتي المالية والداخلية ــــ إضافة الى ما يحكى عن «فيتو» معيّن يضعه «حزب الله» على منح «القوات اللبنانية» حقيبة سيادية.