كتب نذير رضا في صحيفة “الشرق الأوسط”:
اتخذ التباين السياسي بين مؤيدي مرسوم التجنيس الذي وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون ومعارضيه، طابعاً تحذيرياً من تداعياته على لبنان، مع الكشف عن أن المرسوم منح الجنسية اللبنانية أيضاً لشخصيات اقتصادية مقربة من النظام السوري؛ وهو ما دفع وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال مروان حمادة لاتهام العهد بـ«التواطؤ مع النظام السوري»، ومطالبة رئيس الحكومة سعد الحريري بتقديم أجوبة عليه.
وفي أول تعليق للرئيس ميشال عون على مرسوم التجنيس، قال بيان صدر عن الرئاسة اللبنانية، إن مرسوم التجنيس الحالي صدر بالطرق القانونية، ولكنه أشار إلى أنه بسبب تكاثر الشائعات بشأن استحقاق بعض الأشخاص للجنسية اللبنانية التي منحت بموجبه، أو خلفياتهم، زمن باب الحرص على تبديد كل الهواجس من أي نوع كانت، سواء كانت حقيقية أو مصطنعة، يطلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من كل من يملك معلومات أكيدة بشأن أي شخص مشمول بالمرسوم المشار إليه أعلاه ولا يستحق الجنسية اللبنانية، التوجه بمعلوماته هذه إلى وزارة الداخلية – المديرية العامة للأمن العام للاستثبات».
وجاء موقف الرئاسة في وقت قال الوزير حمادة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن المرسوم و«بغض النظر عن صلاحيات من وقعه، يدل على تواطؤ خطير بين الحكم اللبناني وتحديداً العهد القائم، وبين السلطات السورية التي ذبحت الشعب السوري». ورأى حمادة أن «المرسوم أخطر من مجرد تجنيس بعض الأشخاص المشبوهين من زمرة بشار الأسد والذين بكل تأكيد ستطالهم العقوبات الدولية والعربية آجلا أم عاجلا».
وأضاف حمادة: إنه «إعلان موقف خطير يخرق النأي بالنفس الذي اعتقدنا أن الحكومة اللبنانية ملتزمة به، ويطرح أمام صديقنا الرئيس المكلف سعد الحريري ووزير داخليته اللذين وقّعا على المرسوم، عدداً من الأسئلة يحق لأصدقائهم وحلفائهم أن يحصلوا على أجوبة واضحة حولها»، علماً بأن رئيس الحكومة ووزير الداخلية يجب أن يوقّعا على المرسوم حتى يصبح نافذاً.
وقال حمادة، وهو عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النيابية: «في كل حال سنتقدم ككتلة ونواب بالطعون اللازمة»، مضيفاً: «من يمنع التجنيس عن أولاد اللبنانيات المتزوجات من غير لبناني، لا يحق له أن يمنح الجنسية اللبنانية لمن ينهب الشعب السوري بعد أن قتله».
وتتحضر ثلاث كتل نيابية، هي «اللقاء الديمقراطي» التي يرأسها تيمور جنبلاط و«الجمهورية القوية» وهي كتلة «القوات اللبنانية»، وكتلة «حزب الكتائب» لتقديم طعون بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة.
وذكرت بعض المعلومات والصور المنتشرة على موقع «تويتر» أن بين الذين تم منحهم الجنسية اللبنانية، فاروق الجود، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في اللاذقية وصاحب أكبر الأساطيل البحرية فيها والمقرّب النظام السوري، إضافة إلى عائلة الوزير السوري الأسبق هاني مرتضى، وسامر فوز القريب جداً من ماهر الأسد والملقب برامي مخلوف الجديد، إلى جانب إياد غزال محافظ حمص السابق.
وتطغى على تلك الأسماء صفة رجال الأعمال والمستثمرين، ولم يُعرف إذا كان بعض هذه الأسماء قد ورد على قوائم العقوبات الدولية والعربية، بالنظر إلى أن لائحة بأسماء المجنسين لم تصدر رسمياً بعد ولم يكشف عنها، وما يتم تناقله هو مجرد معلومات مسربة يتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن الجنسية اللبنانية تشكل منفذاً لأشخاص ومستثمرين سوريين لفتح حسابات مصرفية، بالنظر إلى أن بلادهم تتعرض لعقوبات تعرقل عملهم.
ويقول وزير العدل الأسبق والباحث القانوني إبراهيم نجار لـ«الشرق الأوسط»: «قانوناً، حين يحمل أي مستثمر جنسية دولة يمنع التعاطي معها والتحويل المالي إليها، فإن الجنسية التي يحملها، بالنسبة للترتيبات والعقوبات الدولية، ستكون معياراً يحول دون التعامل معه»، لكن «حين تمنحه جنسية لبنانية، فإن ذلك سيمكنه من التنصل من العقوبات الدولية المفروضة على بلده» بالنظر إلى أنه سيتمكن من افتتاح حسابات مصرفية في لبنان بمعزل عن بلده.
وإذ أكد نجار أن القانون يمنح الرئيس اللبناني هذا الحق بمرسوم يوقعه رئيس الحكومة أيضاً ووزير الداخلية، وتنص عليه أحكام قانون 1925 الذي ينظم الجنسية، إلا أنه أشار إلى أن هناك «مطالب قانونية ملحة ومستعجلة، ذ حق النساء اللبنانيات المتزوجات من أجنبي بمنح جنسيتهن اللبنانية لأطفالهن، بالنظر إلى أن بعض أطفال تلك النساء لا يملكون إقامة في لبنان ولا يملكون حسابات مصرفية، وتعرقل مسيرتهم المهنية أيضاً، وهم أولى بالمعروف».
ولم تستقر الأرقام على عدد محدد، ويُحكى عن أن المجنسين وفق المرسوم الجديد فاق عددهم الـ300 شخص. وقال نجار: «هناك نوع من الاستنساب السياسي قد يفتح المجال واسعاً أمام الانتقادات الطائفية والمذهبية، والتقدم بطعون أمام القضاء اللبناني».
وأضاف: «أقرّ بأن القانون يتيح للرئيس أن يمنح الجنسية، لكن درجت العادة أن يقوم الرئيس بذلك في آخر عهده وليس مطلعه»، لافتاً إلى أن بعض مخاوف الأطراف السياسية تنطلق من هواجس أن تتكرر الخطوة خلال السنوات الأربع من عهد الرئيس، مضيفاً: «إنه موضوع سياسي بامتياز ويثير انتقادات كبيرة، ذلك أن التحضير للتجنيس استوجب أشهراً عدة دون أن يتاح للقيادات السياسية الاطلاع عليه»، قائلاً من الأفضل أن يتم الموضوع بشفافية أكبر.
ورغم الحملة الواسعة النطاق التي تنتقد المرسوم، فإنه لم يتم نشر الأسماء التي حازت الجنسية، كذلك لم يعرف الكثير عن التفاصيل. واعتبر عضو تكتل «لبنان القوي» النائب شامل روكز، أن «الضجة التي أثيرت حول مرسوم التجنيس لا معنى لها والحالات فردية وأسبابها إنسانية».
وكان وزير العدل سليم جريصاتي أعلن مساء الخميس، أن «المرسوم الجمهوري بمنح جنسية لبنانية إلى مستحقين ممن تم التدقيق في ملفاتهم في المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات، والذي يثار بشأنه غبار من سراب في بعض المنابر السياسية والإعلامية، إنما يندرج كلياً في دائرة اختصاص رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 3 المعدلة من قانون الجنسية اللبنانية الصادر بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) 1925، ويتوافق مع شروطها توافقاً كاملاً».
وأكد «أن صلاحية منح الجنسية اللبنانية محفوظة لرئيس الجمهورية بموجب مرسوم يشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة والوزير المختص، أي وزير الداخلية والبلديات، عملاً بالمادة 54 من الدستور، وهذا ما حصل، ويعتبر هذا المرسوم من المراسيم الاسمية التي لا تحتاج إلى النشر في الجريدة الرسمية، لا حياء ولا خفرا ولا تورية، بل لأنها تصبح نافذة اعتباراً من تاريخ صدورها ويمكن لأي ذي مصلحة، أو لمن تتوافر فيه الشروط في قانون الوصول إلى المعلومات، الاطلاع عليها أو العمل بموجبها وتنفيذها، وهذا ما حصل أيضاً اليوم في الوزارة المعنية لعدد من المشمولين بمرسوم التجنيس الحالي، كما تأسيس كامل النتائج القانونية عليها، بما فيها حق الطعن بها لدى القضاء المختص عند توافر شروطه في الشكل والأساس».
و تستعد «القوات اللبنانية» وكتلة «اللقاء الديمقراطي» وحزب «الكتائب» لتقديم طعون أمام المجلس الدستوري بالمرسوم. ورداً على الرسالة التي كان وجهها رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل وطلب فيها الاستحصال على نسخة من مرسوم التجنيس الجديد، وجّه المدير العام للرئاسة أنطوان شقير كتاباً إلى الجميل، قال فيه «إن الجهة الصالحة للاطلاع على مضمون كتابكم وإعطائه المجرى القانوني إنما هي وزارة الداخلية والبلديات، المعنية مباشرة بالمضمون المذكور».
ولاحقاً، ردّ النائب الجميل عبر حسابه على موقع «تويتر» على كتاب شقير قائلاً: «إن رئاسة الجمهورية رفضت إعطاءنا نسخة عن مرسوم التجنيس مع أنها الجهة التي أصدرته». كاشفاً أنه تمت إحالته إلى وزارة الداخلية، أي الجهة المنفّذة، وقال: «سنتوجّه الاثنين بطلبنا إلى الداخلية».
وقال الوزير الأسبق إبراهيم نجار لـ«الشرق الأوسط»، إن الطعن «يجوز حتى لو لم يصدر المرسوم في الجريدة الرسمية»، لافتاً إلى أن مجلس شورى الدولة يستطيع الاستحصال على المراسيم من وزارة الداخلية.
وشدد على أن «الطعن يجب أن يستند إلى أسس قانونية قوية وجدية، وألا يمكن لمجلس شورى الدولة ردّه لأن الرئيس له الحق بمنح الجنسية؛ لذلك يستوجب الطعن تمحيصاً وتدقيقاً وتفصيلاً جدياً». وقال: «ليس مجرد منح الجنسية هو سبب أبطال المرسوم، كما أن التوازن الطائفي ليس سببا وجيها لأبطال المرسوم»، مشدداً على أن منحها «يستوجب سبباً جدياً، كما يستوجب سبباً جدياً للطعن بالتجنيس»، لافتاً إلى أن منح الجنسية «يجب أن يهدف لتأمين المصلحة اللبنانية الحقيقية ومصلحة لبنانية عليا، سواء اقتصادية أم سياسية أو دبلوماسية، لا أن يتم توزيع الجنسية على سبيل الرفاهية المجانية، وكل العملية تخضع لضوابط قانونية يمكن التدقيق فيها في مجال المنح وفي مجال الطعن بالتجنيس».