كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
نحو أربع ساعات دام اللقاء ليلَ الجمعة الماضي بين الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في حضور مسؤول وحدة «التنسيق والارتباط» في الحزب وفيق صفا. هو لقاء «غسيل القلوب» بعد انتخابات نيابية عاصفة كادت تطيح «تفاهم مار مخايل» الذي لم يقوَ عليه عدوانُ 2006.
عند رفع آذان المغرب، كان باسيل قد أخذ مكانه الى طاولة الطعام لتناول الإفطار مع «السيد»، بناءً على دعوته. وإضافة الى الأطباق المتنوّعة، ازدحم الاجتماع الليلي بالملفات السياسية التي تسبّب بعضها خلال المرحلة الماضية بتباينات بين الحزب و»التيار» وترك ندوباً على جسم علاقتهما، ما استوجب إجراء «صيانة» لتلك العلاقة عقب تجربة الانتخابات، بغية استخلاص الدروس من جهة والاستعداد لمواجهة الاستحقاقات الآتية من جهة أخرى، علماً أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون كان قد أبلغ «حزب الله»، عشية الانتخابات، أنه سيعمل بعد انتهائها ليعود التحالف الى ما كان عليه قبلاً.
ووفق المعلومات، أتى اجتماعُ الجمعة تتويجاً لاتّصالات كانت تتمّ بعيداً من الأضواء عبر الأقنية المعروفة، ومن أبرزها قناة صفا – باسيل، وذلك بالتزامن مع شعور قيادة الحزب بأنّ أدبيات رئيس «التيار» اصبحت عقب الانتخابات أقلَّ توتراً وأكثرَ التصاقاً بالثوابت الأساسية كما أوحى خطابُه الأخير في اسطنبول امام مؤتمر منظمة الدول الإسلامية.
ويؤكد العارفون أنّ لقاء نصرالله – باسيل كان إيجابياً وأنّ العلاقة عادت الى مجاريها الطبيعية، مشيرين الى أنّ واحدة من وظائف هذا اللقاء الطويل طيّ صفحة الانتخابات وملابساتها وفتح صفحة جديدة على قاعدة أولويات مشترَكة، تأتي في طليعتها مكافحة الفساد الى جانب الثوابت المعروفة التي تمّ إنعاشُها مجدّداً بعدما كاد غبار التنافس الانتخابي يغطي عليها.
لكن، وقبل أن يطوي الرجلان فصل الانتخابات، حصلت مراجعة شفافة وقراءة موضوعية لكل ما يتّصل بالعملية الانتخابية، على وقع مصارحة متبادلة شملت كل مكامن الخلل في تلك التجربة، خصوصاً في كسروان- جبيل. كذلك عرض الجانبان دلالاتِ النتائج التي تحققت، واعتبرا انها كانت جيدة بالنسبة الى الفريق السياسي الذي يرمز اليه «الحزب» و«التيار»، وهذا ما ظهر من حجم التصويت النيابي لإيلي الفرزلي في منصب نائب رئيس مجلس النواب، في مواجهة مرشح «القوات».
البند الآخر الذي نال حيّزاً واسعاً من النقاش يتعلّق بمحاربة الفساد. هنا، جرى بحث تفصيلي في طريقة تعزيز التعاون والتنسيق بين الجانبين لمواجهة الفساد، وتمّ الاتّفاق على خطة واضحة تتضمّن آلية محدّدة وخطوات عملية لمواكبة هذا التحدّي ومقاربة الملفات التي قد تكون موضع شبهة. وتمّ التشديد على ضرورة الاحتكام الى الاجهزة والمؤسسات المعنية في كل ما يتصل بشؤون الدولة بعيداً من التراضي والمحسوبيات، وبالتالي وجوب تفعيل دور إدارة المناقصات ومجلس الخدمة المدنيّة وديوان المحاسبة. ويقول العارفون إنّ اهم ما أفضى اليه النقاش في هذه المسألة هو أنّ كلّاً من التيار والحزب سيتأبط ذراع الآخر في الحرب على الفساد، أي انهما سيكونان جنباً الى جنب.
وإشكالية العلاقة بين الرئيس نبيه بري و«التيار الوطني الحر» حضرت ايضاً في مداولات السهرة الطويلة، حيث اكد نصرالله لضيفه ضرورة تجاوز الخلافات السابقة «من أجل تحصين فريقنا السياسي»، فتجاوب باسيل مع طرح «السيد»، معتبراً أنه «ما دام بري قد أبدى الاستعداد للتعاون وأظهر نيّة إيجابية في هذا الاتّجاه فأنا من جهتي سأكون متعاوناً وايجابياً».
وتمّ التطرّق الى قضية النازحين السوريين، فأبلغ باسيل الى السيد نصرالله انه «لم يعد ممكناً الاستمرار على المنوال ذاته في التعامل معها»، لافتاً الانتباه الى «أنّ الواقع الحالي غير مقبول»، وأضاف: «سماحة السيد.. أنا ما بقدر كفّي بالموضوع هيك، ولا بدّ من اعتماد مقاربة جديدة وحاسمة لهذه القضية».
وفي سياق النقاش حول وضع النازحين السوريين والمنتشرين اللبنانيين، سأل نصرالله ضيفه عن ملابسات مرسوم التجنيس الأخير، فعرض له باسيل حيثيّاته ومبرّراته، شارحاً وجهة نظر رئيس الجهورية حياله والأسباب الموجبة التي استند اليها في إصدار المرسوم.
ولدى البحث في مسألة تشكيل الحكومة المقبلة، أكّد نصرالله موقف الحزب الداعي الى «تأليف حكومة وفاق وطني تضم الجميع، على أن يتمثل فيها كل طرف وفق الحجم الذي أفرزته الانتخابات النيابية». وتوجّه نصرالله الى باسيل بالسؤال: «هل لديكم نيّة في إقصاء «القوات اللبنانية» عن الحكومة؟». فأجاب باسيل: «نحن لا نسعى الى إقصاء أحد من الحكومة، وتحديدا «القوات»، لا بل نريدهم ان يكونوا موجودين فيها».
وكان قد صدر بيان عن «التيار الحر» ورد فيه أنّ الاجتماع «تطرّق الى كافة الاوضاع السياسية، المحلية والخارجية، وجرى فيه تقييم للانتخابات النيابية الاخيرة ونتائجها مع أخذ كافة العبر الإيجابية والسلبية منها، إضافة الى موضوع النازحين السوريين ومقاومة الفساد وإعطائهما الأولوية في العمل النيابي والحكومي القريب، وجرى الاتّفاق على تصوّر أولي مشترك لمحاربة الفساد وعلى كيفية اعتماد آلية مشتركة لاحقة لذلك. وكذلك تمّ البحث في موضع تأليف الحكومة وأهمية تشكيلها بالسرعة اللازمة، بما يتطابق مع المعايير الميثاقية والدستورية والديموقراطية والمنسجمة مع نتائج الانتخابات الاخيرة».