منذ نحو ربع قرن، لم يشهد لبنان صخباً كالذي أَحْدَثَه مرسومُ تجنيسٍ لأشخاص من جنسيات عربية وأجنبية بينهم عدد كبير من السوريين وفلسطينيون وعراقيون، أحاطتْه السرية من مرحلة إعداده وصولاً إلى اكتمال التواقيع عليه وصدوره، ليتحوّل المشمولون به وأسماؤهم “أشباحاً” تكشف عنهم بـ “القطّارة” تقارير صحافية أو لوائح يسرّبها نوابٌ.
وبعد اللغط الكبير الذي أثارته المعلومات عن اشتمال “المرسوم الخفي” على أسماء لرجال أعمال ومتموّلين سوريين كباراً يُعتبرون من الحلقة الضيقة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد والمَخاوف من أن تكون الجنسية اللبنانية “باب هروب” من العقوبات الدولية على النظام، إضافة الى أسماء (سورية وغير سورية) سُرِّبت وأضاء الإعلام اللبناني على ارتباطها بقضايا فساد أو على كونها ملاحَقة دولياً، بدا ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يحاول تَدارُك الانعكاسات السلبية على صورة عهده جراء ما رافَقَ انكشاف أمر المرسوم من مناخِ رواح بين التشكيك والاتهامات بوجود “صفقات” أفضتْ إلى تجنيس بعض الأشخاص و”بيعهم” الهوية اللبنانية وفق ما أعلنتْ كتلٌ نيابية وشخصيات سياسية.
وفيما لاحظتْ أوساط سياسية عبر صحيفة “الراي” الكويتية أن إحالة عون مرسوم التجنيس إلى تدقيقٍ جديدٍ من المديرية العام للأمن العام تعني تلقائياً التريث في إطلاق المسار التنفيذي للمرسوم، كان بارزاً أمس استقبال وزير الداخلية نهاد المشنوق المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي تسلّم نسخة عن المرسوم تمهيداً لبدء مهمة التدقيق فيه قبل أن يجتمع بالمدير العام للأحوال الشخصية، على وقع إعلان ابراهيم أنه سيُجري تحقيقاً في كل الأسماء الواردة فيه “وإذا كانت هناك شوائب في المرسوم فلتصحح وسيحصل على الجنسية مّن هو مؤهل. ومنذ البداية كان يجب أن يمر المرسوم عبر الأمن العام”.
وفي موازاة ذلك، تلقى المشنوق 3 طلبات للحصول على نسخة من المرسوم، الذي لا يزال العدد الرسمي للمشمولين به وأسمائهم رهن التسريبات (يراوح الرقم المتداول بين 300 و400)، من كتل “القوات اللبنانية” والكتائب و”اللقاء الديموقراطي”، قبل أن يعلن “ان 3 جهات مختصّة دقّقت في الأسماء وتمّ شطب مجموعة لا تستحقّ الجنسية اللبنانية”.
وفيما كان وزير الخارجية جبران باسيل (صهر الرئيس عون) يردّ على “حملات التشويه” في قضية المرسوم داعياً لنشر الأسماء الواردة فيه والمحاسبة “إذا حصلت اي عمليات دفْع” ومؤكداً وجود 5 معايير لمنح الجنسية للمستحقين بينها وفق القانون “الأشخاص المفيدون مثل صاحب أعمال أو مستثمر”، فإن التشكيك في المرسوم بلغ حدّ الحديث عن أن النسخة التي تسلّمها إبراهيم أمس يمكن أن تكون أزيلت منها بعض الأسماء التي جرى التداول بها في محاولة لاحتواء الضجة، وسط ملاحظة دوائر متابعة ان المكتب الإعلامي للمشنوق أعلن ليل الأحد أن سامر فوز، الذي طالب “بسحب اسمه من جداول المشمولين بمرسوم التجنيس”، لم يكن وارداً في جدول المرسوم المذكور أعلاه.
وكان فوز، الاسم المثير للجدل الذي يوصف بأنه الذراع الاقتصادية للأسد و”رامي مخلوف الجديد” قال في بيان نُسب اليه انه “نظراً لحالة الهجوم الإعلامي الذي تعرض له مرسوم التجنيس الأخير وتجنباً لتشكيل ايّ احراج لأي جهة تبنت حصولي على الجنسية اللبنانية رغبةً مني بتوسيع الاستثمارات العقارية والفندقية في لبنان فقد قرّرت الالتماس من حضرتكم سحب اسمي من جداول المشمولين بالمرسوم”.