IMLebanon

“مرسوم التجنيس” يطغى على كل شيء…حملة غير مسبوقة وهواجس مبررة

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:

قفز «مرسوم التجنيس» الى واجهة الأحداث واحتل صدارة المشهد السياسي مقابل انكفاء عملية تشكيل الحكومة الى الكواليس والغرف المقفلة ضجة كبيرة أثارها مرسوم التجنيس الذي منح نحو 400 شخص من تابعيات مختلفة الجنسية اللبنانية، والذي قوبل بكمية وافرة من الهواجس والتساؤلات وعلامات الاستفهام التي طالت التوقيت والطريقة والخلفيات والغايات:

٭ لماذا «مرر» هذا المرسوم في هذا الوقت، في بدايات عهد الرئيس ميشال عون؟! ما الظروف التي أملت صدوره الآن في حين أن العرف المتبع أن تصدر مثل هذه المراسيم في نهايات كل عهد، مع العلم أن لرئيس الجمهورية الصلاحية الكاملة في إصدار هذا المرسوم، وحتى «الاستنسابية» في اختيار الأسماء ومستحقي الجنسية اللبنانية؟!

٭ هل هذا هو التوقيت المناسب لإصدار مثل هذا المرسوم في وقت يقود لبنان حملة مركزة للدفاع عن «مصالحه السيادية» في مواجهة مشاريع أميركية للتوطين الفلسطيني (صفقة القرن) ومشاريع أوروبية لتثبيت النازحين السوريين، ما يضعف موقفه الدولي الضاغط والمفاوض؟!

٭ هل تضمن المرسوم أسماء فلسطينيين ما يجعل من الطعن أمرا محتوما لأنه يتناقض مع مبدأ عدم التوطين الوارد في مقدمة الدستور؟!

٭ هل أُعد المرسوم خصيصا لفئة من كبار رجال المال والأعمال الذين يملكون ثروات طائلة في البنوك اللبنانية، ويراد منحهم تسهيلات وحوافز توفرها لهم الجنسية اللبنانية، أو أنهم يريدون الجنسية لحماية أنفسهم وتسهيل حركة تنقلاتهم وأعمالهم؟! وهل من قام بإعداد وتمرير هذا المرسوم موعود بمكافآت ومنافع مالية؟!

٭ لماذا هذا «الغموض والتكتم والتعتيم» المحيط بالمرسوم الذي لم تعرف تفاصيله والأسماء الواردة فيه، والأسباب التي أملته والاعتبارات والمعايير التي اعتمدت ولا جرى شرحه والتسويق له مسبقا أو لاحقا؟!

٭ لماذا لم يكن الرئيس نبيه بري على علم بالمرسوم في كل محطاته ولم يوضع في أجوائه إلا في اللحظات الأخيرة وبصورة عرضية؟!

٭ لماذا لم يعرض المرسوم قبل توقيعه على «الأمن العام» الجهة المخولة قانونا مراجعة الملفات قبل منح الجنسية، وما إذا كانت تنطوي على ثغرات ومخالفات إدارية وأمنية؟!

٭ هل صحيح أن رئيس الجمهورية لم يكن على بينة من كل التفاصيل والأسماء، أو أن هناك من عمل على إضافة و«دس» أسماء؟! وهل صحيح أن الرئيس عون لم يوضع في صورة المحاذير والمخاطر التي يمكن أن تترتب على مثل هذا المرسوم؟!

هذه الحملة الواسعة التي شنت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، انضمت إليها قوى وأحزاب سياسية قررت اللجوء الى الطعن بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة، مثل القوات اللبنانية والكتائب والاشتراكي، وحظيت بدعم من بكركي التي اعتبرت أن الضجة حول المرسوم مبررة بسبب عدم الوضوح في التعاطي وكتمان مضمونه، وهذا الطعن الذي سيتم فور التأكد من توقيعه من مختلف المسؤولين المعنيين أو بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، أو مع الحصول على نسخة منه من وزارة الداخلية، يعزوه القائمون به الى جملة اعتبارات: الموقف المبدئي من التجنيس بالمطلق، وغياب الشفافية في أسلوب تمرير و«تهريب» هذا المرسوم بشكل سري قبل انكشاف المحاولة، وتضمنه ثغرات قانونية ودستورية مثل منح فلسطينيين الجنسية اللبنانية وارتكازه الى استنسابية فاضحة لجهة تضمنه عشرات المتنفذين والممولين للنظام السوري من دون سواهم، وأخذ حالات اجتماعية في الاعتبار مقابل إسقاط آلاف الحالات المشابهة.

هذه الحملة الهجومية لم تقابلها «حملة دفاعية» مماثلة من حيث الحدة والزخم. وفي حين نأى الرئيس سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق بنفسيهما عن مجمل هذه الضجة، مع أن المرسوم يحمل توقيعهما أيضا، فإن مجمل الحملة صبت باتجاه رئاسة الجمهورية التي أخذت على عاتقها عملية الرد تصويبا وتصحيحا.

وتأخذ الأوساط القريبة من الرئيس عون أن جهات أخذت من المرسوم ذريعة لشن حملة مركزة على العهد بقصد تشويه صورته والنيل من مصداقيته وإلحاق الأذى والضرر به على المستويين السياسي والمعنوي، خصوصا أن الرئيس عون يبني كل عهده على فكرة الإصلاح ومحاربة الفساد، وبالتالي فإن هذه الحملة تحيط بها شبهات سياسية كثيرة، خصوصا أنها تأتي في خضم عملية تشكيل الحكومة الجديدة وبهدف التأثير على مجرياتها، وبالتالي فإن ما يثار هو لخلق بلبلة سياسية وقنبلة صوتية تستهدف العهد والرئاسة وعملية تشكيل الحكومة، خصوصا أن مراسيم كثيرة سبق ومرت على غرار هذا المرسوم ولم تثر حولها أي إشكاليات، وثمة ملاحق يمكن أن تحصل في مراحل لاحقة من عمر العهد.

ترى أوساط مراقبة في رصدها لتطورات هذا الملف أن هناك ضررا سياسيا ومعنويا وأمنيا وقع من جراء هذا المرسوم، وأن الخطأ هو في عدم تسويق المرسوم قبل أن يتم تسريبه، بالإضافة الى عدم إعلان الأسماء والأسباب الموجبة، خصوصا أن قضية التجنيس في لبنان أمر دقيق وحساس. وتلاحظ هذه الأوساط عدم وجود من يدافع عن مرسوم التجنيس من الناحية السياسية إلا رئيس الجمهورية الذي قرر تجميد تنفيذه وتكليف المدير العام للأمن العام اللواء ابراهيم عباس مهمة التدقيق في المرسوم وتحديد الشوائب التي وردت فيه أو تسللت إليه، وفي ضوء التقرير الذي سيضعه اللواء ابراهيم يقرر رئيس الجمهورية إدخال ما يجب من تصحيح وشطب أسماء غير مستحقة، ويكتفي بتوقيع مرسوم آخر معدل أو ربما يقرر صرف النظر عن كل المرسوم وإلغائه بالكامل.

يقول اللواء ابراهيم، رجل المهمات الصعبة و«الملفات الدقيقة»: «سأدرس الملف بالتفصيل والأمن العام ليس بعيدا عن هذه المهمة لأنه السلطة المكلفة التثبت من الأوراق وتلقي المراجعات، وإذا كان هناك من شوائب في المرسوم فلتصحح وسيحصل على الجنسية من هو مؤهل ويستحقها. ومنذ البداية كان يجب أن يمر هذا المرسوم عبر الأمن العام ليقوم بدوره على هذا الصعيد قبل ان يصدر»، مؤكدا أن «هذه الخطوة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية بعد صدور المرسوم هدفها تصويب الأمور في الاتجاه الصحيح وهي جدية وفيها إصرار على إخراج هذا المرسوم من التداول والتشكيك».