كتب حبيب معلوف في “الجمهورية”:
رغم الايجابية التي يحملها تضمين قانون الموازنة للعام 2018 مادة تنصّ على إعفاء «السيارات البيئية» من الرسوم، الا ان غياب الاستراتيجية الشاملة لمكافحة تلوّث الهواء من كل مصادره، وانعدام البنى التحتية اللازمة لخدمة هذا النوع من السيارات، يشيران الى أن لبنان أبعد ما يكون عن دخول عصر «السيارات الصديقة للبيئة» تضمّن قانون الموازنة العامة لسنة 2018، بناء على اقتراح من وزارة البيئة، حوافز تتعلق بإعفاء السيارات الجديدة غير الملوّثة للبيئة من بعض الرسوم، سواء تلك التي تعمل على الكهرباء (EV) أو السيارات الهجينة (Hybride). وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها لبنان تشجيع استيراد السيارات المصنفة «بيئية». فقد جرت محاولة مماثلة في موازنة العام 2010، لم يُكتب لها النجاح، ولم يُسجل اثر ملموس لها، لا في حجم الاستيراد والاستخدام، ولا في الاثر البيئي، لا سيما على صعيد انخفاض استهلاك الوقود (البنزين) وتراجع معدلات تلوث الهواء. كما أن التجربة لم تأت من ضمن استراتيجية وطنية لمكافحة تلوث الهواء من كل مصادره. ورغم اقرار المجلس النيابي في جلسته التشريعية الاخيرة قانون حماية نوعية الهواء (الرقم 78 تاريخ 13/4/2018) الذي يهدف إلى حماية نوعية الهواء المحيط الناتج عن النشاط البشري، إلا انه لم يأت من ضمن استراتيجية (لا تزال في طور النقاش على نطاق ضيق جداً) تحدّد الأولويات واجراءات التخفيف في القطاعات كافة وخطط الطوارئ… الخ
التجربة الاردنية
عام 2008، في خضمّ أزمة ارتفاع أسعار البنزين وزيادة التلوث الهوائي، قرّرت الحكومة الأردنية إعفاء السيارات الهجينة (تعمل بمحركين أحدهما على الكهرباء والآخر على البنزين) من الضرائب والجمارك لتخفيف استهلاك البنزين وتخفيف التلوث. لكن الخطة واجهت عاملاً غير متوقع، وهو مزاج المستهلك الأردني (كاللبناني) الشغوف بالمباهاة. فبدلاً من اقتناء سيارات ذات محركات صغيرة (خصوصاً من الإنتاج الآسيوي) تحقق تخفيف التلوّث وتقليل استهلاك البنزين، ذهبت نسبة عالية من المستهلكين الى اقتناء سيارات ذات محركات كبيرة (معظمها من إنتاج أميركي وألماني ويقلّ سعرها بنحو 30 ــــ 50%). وكانت النتيجة ارتفاع نسبة استهلاك البنزين بدل انخفاضها، وزيادة نسبة الإنبعاثات، أو على الأقل عدم تراجعها كثيراً لأن نسبة لا يستهان بها من هذه السيارات لم تكن في حال فنية جيدة. الزيادة الهائلة في الطلب على هذه السيارات، ترافقت مع عجز مالي كبير في الموازنة العامة، مما جعل الحكومة تضع «إلغاء الإعفاءات الممنوحة» على سيارات الـ«هايبرد» كأحد الافتراضات التي بنيت عليها الموازنة. وقد جرى نقاش كبير انتهى إلى إبقاء الرسوم مخفّضة على سيارات الـ«هايبريد»، ما أدى الى «نتائج كبيرة» بعد عام 2012، بحسب رئيس جمعية حفظ الطاقة واستدامة البيئة في الأردن ايوب ابو دية الذي أوضح لـ«الاخبار» أنه سُجلت بعد 2012 زيادة كبيرة في استيراد سيارات الـ«هايبريد» (اكثر من 30 الف مركبة بنهاية 2017).
رغم ذلك، يبدو ان هناك اتجاها جديا لوقف هذا الاجراء. ويرد ابو دية ذلك الى انخفاض مداخيل الضرائب على المحروقات (40% من سعر الصفيحة) بسبب انخفاض استهلاكها، والى تأثير خفض الرسوم الجمركية والاعفاء من رسوم التسجيل ورسوم الميكانيك على موازنة الدولة، متوقعاً ان يحصل الأمر نفسه في لبنان، بسبب تشابه وضع المواصلات في البلدين لناحية ضعف النقل العام والكلفة العالية لانتقال الاشخاص.
اما في ما يتعلق بالسيارات الكهربائية، فإن هذه الأخيرة تحتاج الى محطات للشحن تكون قريبة ومكثفة نسبيا في المدن وفي المناطق. فالسيارة الكهربائية، اذا شحنت بالكامل، يمكن ان تقطع بين 100 و200 كيلومتر، وهي ستحتاج للشحن من جديد، ما يحتّم وجود بنية تحتية مجهزة للشحن في المناطق، اضافة الى دراسة كلفة السيارة والشحن وعمر البطارية وسعرها. مع العلم ان التجربة الاردنية تشير، على سبيل المثال، الى ان سيارة كهربائية يستخدم شاحنها المنزلي تيار 32 أمبير، تحتاج إلى 8 ساعات لشحن البطارية بالكامل، أي ما يعادل 57.6 كيلواط/ساعة. ووفق تعرفة الكهرباء المنزلي المتوسطة 0.158 دينار للكيلواط / ساعة، فإن كلفة تعبئة البطارية بشكل كامل هي 9.01 دينار (12,6 دولاراً)، وهي ثلث قيمة البنزين التي قد تحتاجه سيارة مماثلة القوة لتقطع 400 كيلومتر.
ليس واضحاً ما اذا كان من اقترحوا اعفاء هذه السيارات من الرسوم، في لبنان، قد انتبهوا الى كل هذه الأمور. «التجارب اللبنانية» السابقة لا تشير إلى ذلك، ولا تبشّر بأثر ملموس لأبواب في الموازنة تبقى في خانة «لزوم ما لا يلزم».
إعفاءات الموازنة
نصّت المادة 55 من القانون الرقم 79 (18 نيسان 2018) على خفض الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي المتوجب للخزينة على السيارات الهجينة الخصوصية الى 20% فقط، وخفض الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي المتوجب للخزينة على السيارات الهجينة العمومية إلى 10% فقط، وإعفائها من رسم التسجيل ورسم الميكانيك عند تسجيلها للمرة الأولى. وكذلك إعفاء السيارات الكهربائية الخصوصية كلياً من الرسوم الجمركية ومن رسم الاستهلاك الداخلي، والسيارات الكهربائية العمومية كلياً من الرسوم الجمركية ومن رسم الاستهلاك الداخلي ومن رسم التسجيل ورسوم الميكانيك عند تسجيلها للمرة الأولى.