كتب رضوان مرتضى في “الأخبار”:
من عين الحلوة إلى إدلب ثم تركيا. ومن هناك، تُفتح أبواب أوروبا أمام عشرات مطلوبي الإرهاب الهاربين من الأجهزة الأمنية اللبنانية. على مدى الأشهر الماضية، رُصِد خروج مجموعة مطلوبين من مخيم عين الحلوة، تباعاً، عبر سكك التهريب التي تمرّ بقرى الشمال اللبناني، باتجاه الداخل السوري قبل أن يظهر اثنان منهم في ألمانيا. فهل يتحوّل هؤلاء إلى خلايا نائمة تأتمر بأمر التنظيمات الجهادية أم يودّون فتح صفحة جديدة؟
يتحضّر أبناء الشيخ أحمد الأسير للانتقال إلى ألمانيا. المطلوبون الثلاثة عمر ومحمد وعبدالرحمن الذين شاركوا في معارك عبرا ثم تواروا في حي حطين في مخيم عين الحلوة خلال الفترة الماضية، عَبَروا مع العابرين إلى إدلب عبر سكك التهريب. قِبلتهم الأولى كانت تركيا حيث هم اليوم. قبل هؤلاء، وصل إلى تركيا في بداية العام الحالي، وتحديداً في شهر كانون الثاني، المطلوب أمجد الأسير، شقيق الشيخ الأسير، يرافقه المطلوبون الشيخ أحمد الحريري وفادي البيروتي وفراس الدنا. وقد ترددت معلومات أنّ كل مطلوب من هؤلاء دفع مبلغاً مالياً كبيراً مقابل تهريبه، فاق العشرة آلاف دولار للشخص الواحد. كذلك رصدت الأجهزة الأمنية خلال الأشهر الماضية خروج عشرات المطلوبين بملفات الإرهاب من مخيم عين الحلوة باتجاه إدلب. وكشفت المعلومات أنّ سكك التهريب تتعدد، مشيرة إلى أنّ إحداها عبر مرفأ صغير على شاطئ البحر شمالاً والثانية تمر عبر وادي خالد باتجاه الأراضي السورية، وصولاً إلى إدلب، المحطة الأساسية قبل الدخول إلى تركيا. ومن هؤلاء، الفلسطيني صالح محمد الموعد والفلسطيني خالد السالم واللبناني عبدالرحمن علي حيدر. كذلك رصدت الأجهزة الأمنية أخيراً خروج «المسؤول العسكري» لدى الأسير شاهين سليمان الذي تولى تدريب المجموعات وعمد إلى تشكيل الخلايا النائمة عقب معارك عبرا (2013) لتنفيذ عمليات أمنية انتقامية. وقد عَمَد سليمان إلى إرسال صورة عبر الواتساب إلى أحد أقربائه يظهر فيها مرتدياً سترة عليها العلم التركي، يُبلغه فيها أنّه بات في الأراضي التركية، غير أنّه جرى تداول هذه الصورة لاحقاً مع معلومات غير مؤكدة تفيد بأنّ سليمان هذا بات في قبضة الأمن التركي. أما أبرز القياديين في صفوف جماعة الشيخ الأسير والذي لم يُغادر مخيم عين الحلوة بعد، فهو معتصم قدّورة، الموظّف السابق في وزارة المالية الذي تقول الأجهزة الأمنية أنّه انضم إلى كتائب عبدالله عزام.
وتكشف المعلومات أنّ معظم المطلوبين الذين يدفعون مبالغ مالية كبيرة لنقلهم إلى تركيا، هدفهم الحقيقي أوروبا. إذ إنّ هؤلاء يرون في أوروبا واللجوء الذي يحصلون عليه هناك، حبل نجاة. وبالنسبة إليهم، تركيا تُعدّ البوابة التي سيخرجون عبرها إلى الدول الأوروبية. وفي هذا السياق، تكشف المصادر الأمنية أنّ المطلوب صالح أبو السعيد تمكّن من الوصول إلى ألمانيا. أبو السعيد الذي كان يقطن في حي الطوارئ في عين الحلوة وهو أحد أفراد تنظيم «جُند الشام»، ترك عائلته قبل أشهر لينجح في الوصول إلى ألمانيا. كذلك الأمر مع المطلوب نعيم النعيم، وهو أحد أفراد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وقد وصل إلى ألمانيا أيضاً. وتكشف المصادر أنّ بعض المطلوبين تمكنوا من العبور إلى اليونان تمهيداً للانتقال منها إلى بلدان أوروبية أخرى. وفي خضم هجرة المطلوبين، كانت لافتة عودة اثنين من أبرز المطلوبين إلى المخيم من سوريا: بلال بدر ومحمد العارفي. الأخير هو أحد الوجوه البارزة في تنظيم «جبهة النصرة» كان يدرّب عناصرها في إدلب السورية. وتكشف المعلومات أنّ الاثنين غادرا إلى إدلب قبل أشهر، لكنهما عادا منذ أسابيع قليلة إلى عين الحلوة. وتشير مصادر أمنية إلى أن بدر عاد مع اثنين من أفراد مجموعته، علماً أنّه كان قد توارى عن الأنظار على خلفية المعركة الأخيرة في عين الحلوة، بين مجموعته وحركة «فتح».
أبرز ما تتوقف أمامه المصادر الأمنية معلومات تتحدث عن نوعين من المهاجرين. النوع الأوّل الذي يريد الخروج من جحيم المخيم للبحث عن حياة أفضل. أما الثاني، وهو الأخطر، فذلك الذي يحمل مشروعاً جهادياً يُريد استكماله في أوروبا، لا سيما الأفراد الذين يرتبطون فكرياً وتنظيمياً بكل من تنظيمي «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية» أو معظم الذين يدورون في فلك تنظيم القاعدة والجهاد العالمي. وبحسب المصادر، فإنّ معظم الذين تركوا المخيم رافضين تسليم أنفسهم لاستخبارات الجيش، أُدينوا بقضايا إرهاب ويرتبطون تنظيمياً بالتنظيمات المتشددة.
وعلى رغم أنّ المبالغ المالية التي تُدفع لتهريب المطلوبين تُعدّ مؤشراً تتوقف أمامه الأجهزة الأمنية، ملمحة إلى مشروعٍ مرتقب يُعمل عليه، إلا أنّ مغادرة هؤلاء المطلوبين مخيم عين الحلوة يُعدّ مكسباً كبيراً لأكثر من جهة. المستفيد الأول أهالي مخيم عين الحلوة والدولة اللبنانية. المستفيد الثاني تيار المستقبل الذي يتخلّص بمغادرتهم من عبء التفاوض لكي يشملهم العفو العام الذي يُعمَل عليه. حزب الله الذي يرتاح بمغادرتهم من عدو محتمل يتربّص به. والدولة الإسلامية وجبهة النصرة التي تستفيد منهم كخلايا نائمة أيضاً.
أبو السعيد والنعيم
لم يكن جرم المطلوب صالح أبو السعيد الوحيد انتماؤه إلى تنظيم «جند الشام» فحسب. عاد اسم الأخير إلى الضوء في الهجوم الذي نفّذه مسلّحون ضد الجيش اللبناني في منطقة تعمير عين الحلوة على خلفية أحداث عبرا. كذلك كان قد ورد اسمه في أحد التفجيرات التي استهدفت قوات اليونيفل في الجنوب. قبل مغادرته، كان يملك، في المخيم، متجراً للهواتف الخلوية ويعمل في اشتراكات مولدات الكهرباء. أما المطلوب نعيم النعيم الذي كانت تتداول الأجهزة الأمنية اسمه بصفته أحد القياديين البارزين في «كتائب عبدالله عزام»، فيحضر اسمه في تشكيل مجموعات إرهابية وتنفيذ اعتداءات ضد الجيش. وتكشف المعلومات أنّ النعيم ترك كتائب عبدالله عزام لمبايعة تنظيم «الدولة الإسلامية». نعيم وأبو السعيد قد لا يمثلان النموذج الوحيد للمهاجرين من عين الحلوة إلى أوروبا، إلا أنّ أكثر ما تتوقّف أمامه الأجهزة الأمنية هو الانتماءات الفكرية والتنظيمية لجزء كبير من المغادرين، لجهة تبنيهم أفكاراً متشدّدة.