كتب ألان سركيس في “الجمهورية”:
يستمرّ لبنان رازحاً تحت هول أزمة النزوح السوري التي أرهقته، وتحوّلت عبئاً ثقيلاً على كاهله، فيما الدولُ الكبرى غيرُ مباليةٍ بما يمكن أن تُحدثه هذه الكارثة على بنية الوطن.
نام المسؤولون طوال السنوات الماضية غيرَ آبهين بما قد يحصل، مركّزين كل اهتماماتهم على المناكفات السياسية والصفقات والسمسرات، ليستفيقوا بعد 7 سنوات على كارثة أكبر من حجم وطن، كارثة قد تمحو لبنان المتعارَف عليه، كارثة ستغيّر ديموغرافيّته حتماً إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، وأوصلت إقتصاده الى «شفير الإنهيار».
أمام هذا الواقع المتفاقم، تحرّك المسؤولون لكن متأخرين، بعدما انتشر النزوحُ كالخلايا السرطانية في جسد الوطن.
وحتى الساعة، لا تملك الدولة اللبنانية خطة جدّية لمجابهة الأزمة، وكأنّ سيناريو اللجوء الفلسطيني يتكرّر، فيما تغرق بلداتٌ بأكملها تحت وطأة هذه الأزمة، وبات عددُ النازحين يفوق عددَ سكان بعض البلدات بأضعاف.
ومن بين البلدات التي عانت وتعاني إقتصادياً وأمنياً وإنمائياً، بلدة عرسال البقاعية التي شكلت مخيمات النزوح فيها سابقاً مقرّاً للمسلّحين الذين هاجموا الجيش اللبناني في 2 آب 2014، وأوقعوا عدداً من الشهداء، وكادت أن تنفجرَ حرب استنزاف لا تُحمد عقباها.
ويغيب الحلّ الجماعي عن هذه البلدة، فيما الحلول الفردية لكارثة النازحين لا تكفي، أما الجديد في ملف النازحين فهو رغبة 3000 نازح سوري أخيراً، موجودين في عرسال، بالمغادرة الى بلداتهم السورية التي لا توجد فيها حرب أصلاً.
وفي التفاصيل، فإنه تسجّل منذ مدة نحو 3000 نازح سوري من أجل العودة بإشراف الأمن العام اللبناني، ومعرفة بلدية عرسال. بدوره تواصل الأمن العام مع السلطات السورية لتسهيل عودتهم وتأمينها والقيام بكل التحضيرات اللوجستية المطلوبة، وأتى الجوابُ إيجاباً من الجانب السوري.
وسيعود هؤلاء النازحون الى بلدات القلمون الغربي التي نزحوا منها، في الأيام المقبلة خصوصاً أنّ هؤلاء النازحين يشكّلون نحو 800 عائلة سورية تقريباً، ويرغبون في تمضية عيد الفطر في بلداتهم الآمنة والمحاذية لحدود السلسلة الشرقية.
وتُعتبر هذه الدفعة من النازحين من أكبر الدفعات التي تغادر عرسال بعد مغادرة مقاتلي جبهة «النصرة» وعائلاتهم الصيف الماضي والذين بلغ عددُهم أكثر من 6 آلاف شخص، ما قد يفتح الباب على موجات عودة أخرى، خصوصاً أنّ كل حركات العودة التي حصلت بإشراف الأمن العام اللبناني وبقيادة مديره العام اللواء عباس إبراهيم تكللت بالنجاح.
وعلى رغم كل التطورات التي حصلت على الأرض السورية، واعتبار نحو 90 في المئة من الأراضي آمنة إستناداً الى تقارير دولية، فإنّ اللافت في عرسال أنّ عددَ النازحين ما يزال يتخطّى الستين ألف نازح، فيما المساعدات من المنظمات الدولية ما تزال تجرى بشكل نظامي، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الهدف من إبقاء النازحين في لبنان وعدم قيام تلك المنظمات بخطوات جدّية لإعادتهم الى بلادهم.
والجدير ذكره، أنّ معظم بلدات القلمون المحاذية لعرسال والسلسلة الشرقية هي بلدات آمنة ولا توجد فيها ضربة كف، وباستطاعة المنظمات الدولية وهيئات الإغاثة الوصول اليها بسهولة من لبنان إذا كانت فعلاً مهتمّة بالسوريين، علماً أنّ تلك المنظمات تصل الى مناطق أكثرَ اشتعالاً في حلب وإدلب ومناطق أخرى، ولا تواجه أيّ إشكالاتٍ أو عرقلة لعملها، فلماذا تهاجم لبنان عندما يطالب بعودة النازحين الى أرضهم، وما هي الأهداف السياسية من وراء التمسّك ببقائهم في لبنان؟