أعلن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الجمعة إيقاف طلبات الإقامة المقدمة لصالح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ملوحا باتخاذ المزيد من الإجراءات التصعيدية ضد المفوضية التي اتهمها بـ”تخويف” النازحين من العودة إلى سوريا.
ويقول مراقبون في حديث لصحيفة “العرب” اللندنية إن القرار الذي اتخذه باسيل في هذا التوقيت ليس بريئا لتزامنه مع الضجة التي أحدثها مرسوم التجنيس الذي تم تمريره في الخفاء الشهر الماضي، قبل أن يتم تسريبه في وسائل الإعلام المحلية.
ويشير المراقبون إلى أن التصعيد مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قد يكون الوصفة المثالية لتخفيف الضغوط المتزايدة على رئيس الجمهورية ميشال عون بشأن توقيعه المرسوم الذي يضم 411 أجنبيا بينهم رجال أعمال مثل سامر فوز وأبناء فاروق جود (هادي- رشاد – محمد) وعبدالقادر صبرا الذي يعد من ضمن قائمة أغنى 100 رجل في سوريا، وإياد علاوي نائب رئيس الجمهورية في العراق “الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن جدوى العملية السياسية في العراق إذا كان أبرز قادتها يحصل على جنسية دولة أخرى”.
وشكل مرسوم التجنيس، الذي تم نشره الخميس، نتيجة الضغوط، إحراجا كبيرا للرئيس عون والتيار الوطني الحر لأنه يناقض سياساته الرافضة للتوطين أو التجنيس، ووصف البعض الخطوة بالنقطة السوداء في بداية مشوار العهد الجديد.
وطالب حزب القوات اللبنانية الجمعة في بيان وقع عليه أيضا الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب اللبنانية الرئيس ميشال عون بإلغاء مرسوم التجنيس الحالي واستبداله بآخر “يتضمن فقط الحالات الخاصة جدا ولأسباب إنسانية محدّدة جدا ومتوافقة مع مقتضيات الدستور اللبناني ومعايير منح الجنسية اللبنانية خاصة في الظروف الحالية التي يضيق فيها لبنان أصلا بسكانه”.
ويعتبر قرار باسيل إيقاف طلبات الإقامة الحلقة الأحدث في سياق التوتر الذي تفجر بين المفوضية عليا للاجئين ولبنان، قبل أشهر على خلفية تحفظات الهيئة الأممية على أسلوب تعاطي السلطة اللبنانية مع ملف النازحين السوريين.
ويشير محللون إلى أن باسيل أراد بهذه الخطوة التسويق إلى أن تياره في مقدمة الأطراف الرافضة لخطط توطين النازحين، وهي محاولة جديدة للمزايدة على وزارة الشؤون الاجتماعية التي يتولى الإشراف عليها القيادي في القوات اللبنانية بيار بوعاصي.
وقال بيان للخارجية اللبنانية “أصدر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تعليماته إلى مديرية المراسم لإيقاف طلبات الإقامات المقدمة إلى الوزارة والموجودة فيها لصالح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان إلى حين صدور تعليمات أخرى”.
وجاء قرار الخارجية، وفق البيان، غداة إرسالها بعثة إلى منطقة عرسال في شرق البلاد تبين أنها “تعمد إلى عدم تشجيع النازحين على العودة، لا بل إلى تخويفهم عبر طرح أسئلة محددة تثير في نفوسهم الرعب من العودة كإخافتهم من الخدمة العسكرية والوضع الأمني وحالة السكن والعيش وقطع المساعدات عنهم وعودتهم دون رعاية أممية”.
وفي وقت سابق قال جبران باسيل في تغريدة على حسابه على “تويتر” “إن إجراءاتنا بحق مفوضية اللاجئين ستكون تصاعدية وصولا إلى أقصى ما يمكن أن يقوم به لبنان السيد في حق منظمة تعمل ضد سياسته القائمة على منع التوطين وتحقيق عودة النازحين إلى أرضهم”.
ويعتبر ملف النازحين أحد الملفات الشائكة التي يواجهها لبنان، في ظل شعور متعاظم بعدم رغبة المجتمع الدولي في التعاطي معه لحله، وبالنظر لحساسية هذا الملف خاصة بالنسبة لبعض القوى المشاركة في السلطة، المسكونة بهاجس التركيبة الديموغرافية.
ونفى المتحدث باسم المفوضية في جنيف ويليام سبيندلر أن تكون المنظمة لا تشجع اللاجئين على العودة. وقال لصحافيين في جنيف “نحن لا نعيق أو نعارض العودة إن كانت خيارا شخصيا، هذا حقهم، لكن من وجهة نظرنا، فإن الظروف في سوريا ليست مواتية بعد للمساعدة على العودة برغم أن الوضع يتغير، ونحن نتابع عن كثب”.
وفي الأشهر الأخيرة كرر مسؤولون بارزون بينهم رئيس الجمهورية والحكومة مطالبة المجتمع الدولي بتأمين عودة اللاجئين السوريين إلا أن باسيل هو الوحيد الذي صعد من خطابه تجاه المنظمة واستدعى ممثليها لاجتماعات عدة.
وقبل أيام كان باسيل قد التقى السفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم، حيث بحث معه التنسيق لإعادة النازحين إلى المناطق التي تشهد عودة للهدوء في سوريا.
ومعلوم أن التنسيق مع دمشق بشأن عودة اللاجئين محل انقسام بين القوى السياسية في لبنان، حيث يرفض تيار هذا الخيار ويطالب بأن تتم العملية بالتعاون مع الأمم المتحدة، فيما يصر تيار آخر يقوده حزب الله وحليفه الوطني الحر على عدم انتظار المنظمة الأممية، وحسم الملف مع نظام الرئيس بشار الأسد.
ويبدو أن الرأي الأخير فرض نفسه، حيث تراجعت الأصوات الرافضة للتعاون مع دمشق، وقد أعلن الخميس مسؤول محلي أنه من المتوقع أن يعود قرابة 3000 لاجئ في لبنان إلى سوريا في الأسبوع القادم وذلك بعد أيام من تأكيد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنه يعمل مع دمشق بشأن عودة آلاف اللاجئين الراغبين.
وقال باسل الحجيري رئيس بلدية عرسال إن اللاجئين طلبوا العودة إلى سوريا، مرجحا أن يتم ذلك قبل عيد الفطر.
وتثير هذا الاندفاعة اللبنانية لإعادة النازحين هواجس المفوضية العليا التي سبق في أبريل الماضي وأعلنت عدم مشاركتها في عملية غادر بموجبها 500 لاجئ إلى سوريا محذرة من “الوضع الإنساني والأمني”. وردت وزارة الخارجية اللبنانية آنذاك معتبرة أن ذلك يدفعها إلى “إعادة تقييم” عمل المفوضية.
ويأتي قرار باسيل الأخير، وفق بيان وزارة الخارجية، بعد مراسلات عدة بينه وبين المفوضية والأمم المتحدة و”بعد عدة تنبيهات من الوزارة وجهت مباشرة إلى مديرة المفوضية في بيروت السيدة ميراي جيرار، دون أي تجاوب لا بل أمعنت المفوضية في نفس سياسة التخويف”.
وحذرت منظمات دولية من إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، منتقدة ممارسات النخبة السياسية اللبنانية التي ساهمت بشكل واضح في ارتفاع منسوب العنصرية في المجتمع اللبناني وخاصة بالمناطق ذات الغالبية المسيحية تجاه النازحين.
ويقدر لبنان راهنا وجود نحو مليون ونصف لاجئ سوري فروا خلال سنوات الحرب من مناطقهم ويعانون من ظروف إنسانية صعبة للغاية.
وتتحدث المفوضية عن أقل من مليون لاجئ مسجل لديها. ويترتب على وجودهم أعباء اجتماعية واقتصادية على البلد الصغير ذو الإمكانات الضعيفة. لكن منظمات دولية وغير حكومية تؤكد أن وجودهم يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال المساعدات المالية التي يصرفونها في الأسواق المحلية.