كتبت راكيل عتيق في صحيفة “الجمهورية”:
بعد أن دُمِّر بيتُ «النبي» في موطنه، أخذ الأديب الراحل وهيب كيروز على عاتقه ردّ الاعتبار للفيلسوف العالمي جبران خليل جبران. وبعد بحثٍ مضنٍ لسنوات لاكتشاف موقع بيت جبران في بشري وكيف شهد مصير الزوال، قدّم كيروز في كتاب «بيت مولد جبران وحديقته الكونيّة» مراجعة تاريخية دقيقة وموثقة لحكاية هذا البيت، إضافةً إلى طرحه بناءَ حديقة لجبران قرب ساحة بشري حيث كان قائماً المنزل، تضمّ 8 تماثيل تترجم أفكارَ جبران.
يقترح وهيب كيروز في هذا الكتاب مشروعاً هو عبارة عن حديقة أمام المنزل الحالي لجبران خليل جبران، تحوي ثمانية تماثيل، وذلك تعويضاً عن هدم بيت العبقري.
جبران لم يكذب!
لعلّ السّبب الرّئيس وراء هذا الكتاب ومشروع الحديقة، هو عدم إثبات الفكرة التي شدّد عليها المفكّر البريطاني روبين ووترفيلد Robin Waterfield في كتابه «Prophet-The life and times of Khalil Gibran»، ( النبي – عصر وحياة جبران خليل جبران)، وهي أنّ جبران استغلّ عدم معرفة ماري هاسكل بواقعه البشرّاوي وبيته الحقير، ووصف لها بيتاً قصراً وواسعاً. وما كاد الكاتب البريطاني أن ينعت جبران بصفاتٍ غير حقيقيّة وغير واقعيَّة تكرّرت عشرات المرّات في الكتاب.
هذا التّوصيف المجحف بحقّ جبران، شكّل هاجساً لوهيب كيروز ودفعه للبحث ولإعداد هذا الكتاب، ليبرهنَ أنّ جبران لم « يكذب» ولم يستغل عدم معرفة ماري هاسكل بالمنطقة، وليؤكّد أنّ بيت خليل جبران كان قائماً وواقعاً.
كان وهيب كيروز يعمل على كتاب «بيت مولد جبران وحديقته الكونيّة» قبل أن يتوفى. وقام نجله الشاعر والأستاذ بيار كيروز بإخراج المخطوط وجمع الوثائق وأضحت في كتاب.
وهيب كيروز توفي في 10 تشرين الثاني 2012، وكان قد أنهى إنجاز الكتاب في أيلول 2012، بعد أن عمل عليه سنينَ طويلة، لجمع الوثائق، مثل سائر مؤلفاته عن جبران.
التماثيل مُجسّدة على الورق، فوهيب كيروز طرح هذه الفكرة ووضع التصوّر للتماثيل التي تجسّد لوحات جبران. الأمومة، الولادة، الأبناء، وجه النبي واليد الشّعلة حيث النّار هي رمز التّطهّر ورمز لعلاقة الإنسان بالله. لوحات لجبران تتجسّد تماثيل رخام لتصوير مرحلة الإنسان، الذي يخلق من عالم المادة ويرتفع نحو عالم الروح والصفاء.
كلّ ما يخصّ جبران كان هاجس وهيب كيروز، من لوحة أو أقصوصة أو مخطوطة أو تمثال أو أرض… إلى الدراسة الأخيرة التي أُجريت عنه، من أبسط الأشياء إلى أعظمها وكلّ ما يشكّل العالمَ الجبراني. ووهيب كيروز، كان في لقاءاته، يطرح فكرة إنشاء الحديقة. ويحتفظ بيار كيروز بأرشيف والده بعديدٍ من الرّسائل الموجّهة إلى متموّلين ومَن يعنيهم الشّأن الإجتماعي والثّقافي.
موقعُ المنزل
موقع المنزل جغرافياً، كما تحدّده الدّراسة، كان قائماً في النصف السفلي من الساحة المقابلة لكنيسة مار سابا في بشري. وهُدم بيت جبران خليل جبران والسوق الذي كان قائماً في محيطه، لإنشاء ساحة الرئيس كميل شمعون، بين عامَي 1956 و1957، وكان عمرُ المنزل يشارف الـ 100 عام، وقد وُلد فيه جبران عام 1883.
يُظهر وهيب كيروز وبالوثائق، أنّ جبران خليل جبران خسر بيته، جرّاء دين مترتّب عليه للمونسنيور بولس جبران ولسواه. وفي الكتاب مجموعة من سندات الدّين الّتي كانت على خليل جبران وكذلك اخطار قضائيّة صادرة عن محكمة البترون آنذاك. ففي وقتٍ كانت السلطة الدينية هي سلطة زمنية أيضاً، استردّ المونسنيور بولس جبران الدَين من خليل جبران بالحصول على ملكية البيت. وفي عام 1956 قامت بلدية بشري بدفع 15 ألف ليرة لبنانية لـ عطارد جبران مالكة المنزل حينها مقابل أن تستملك البيت.
ولا وثائق في الكتاب تؤكد أو تنفي إن كانت بلدية بشري على علمٍ بأنّ بيت عطارد جبران هو نفسه بيت خليل جبران.
ندوة حول الكتاب
تُقيم «مؤسسة وهيب كيروز الفكرية» ندوة حول الكتاب اليوم السبت 9 حزيران، في مسرح بلدية الجديدة – السدّ، عند الرابعة بعد الظهر، ويشارك فيها إلى جانب بيار كيروز الشاعر الدكتور جورج شكور، الدكتور دياب يونس، الأب الدكتور جورج يرق والمهندس جورج طوق، الذي نفّذ صور المبنى، وكذلك الإعلاميّة والشّاعرة ليلى الدّاهوك.
وستُفتتح الندوة بـ«نشيد الأرز» من كلمات وهيب كيروز، وألحان البروفسور فؤاد فاضل، كي تبدأ الندوة بالأرز وتنتهي بجبران، «القمَم الأكبر في لبنان»، كما قال بيار كيروز.
المشروع المُقترَح من وهيب كيروز يقضي بإنشاء الحديقة الكونية، في قطعة أرض نُصب فيها تمثال لجبران، وهي حاليّاً ملكٌ للجنة جبران الوطنية. وقال كيروز: «بعد إقامة الندوة سأطرح مشروع الحديقة على جهاتٍ ومعنيّين»، وفي حال وجدت له أصداء فقد يكون حلم وهيب كيروز قد تحقّق ولو بعد حين. أمّا الكتاب فموجود لمَن يرغب بالحصول عليه في كافّة فروع مكتبة أنطوان.