كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
قبل نحو 3 عقود تقريباً وغداة انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، التي أُعلنت رسمياً مع ولادة “اتفاق الطائف” في عام 1989، أُنشئت وزارة شؤون المهجّرين في عام 1990، وأُوكلت إليها مهام رعاية المصالحات الوطنية، ومعالجة ملفات الذين هُجّروا من مناطقهم وإعادتهم إلى قراهم وبلداتهم، بعد دفع التعويضات المالية.
إلا أنه بعد هذه السنوات الطويلة تعالت الأصوات الداعية إلى إقفال وزارة المهجرين نهائياً، وحلّ هيكليتها الإدارية الواسعة التي تكبّد خزينة الدولة تكاليف باهظة، غداة معالجة ما يقارب 89% من الملفات. وللعلم، ثمّة من لا يزال يشكك بمعالجة معظم الملفات، ويزعم أن آلاف المهجرين والمتضررين من الحرب لم يقبضوا تعويضاتهم، وكثيرون منهم لم يستعيدوا منازلهم وعقاراتهم المحتلة من قبل بعض الأحزاب و”قوى الأمر الواقع”.
يأتي مطلب إنهاء خدمات هذه الوزارة ممن كان معنياً بها بشكل أساسي، أي الحزب التقدمي الاشتراكي، إذ أوضح عضو كتلة “اللقاء الديمقراطي” (المرتبطة بالحزب) النائب هادي أبو الحسن، أن “وزارة المهجّرين كانت حاجة ملحة للدولة، متخصصة بإعادة اللُّحمة بين اللبنانيين بعد انتهاء الحرب الأهلية”. وأكد لـ”الشرق الأوسط”، أن الوزارة “استكملت معظم الملفات التي عالجتها، ولا يزال لديها ملفان أساسيان عالقان، الأول في منطقة المتن الأعلى، وتحديداً في بلدتي كفرسلوان وجوار الحوز، والآخر في منطقة الشحّار جنوبي مدينة عاليه، وبالتالي يجب إنهاء دورها بعد حلّ هذين الملفين”.
وأوضح أبو الحسن أن “ملف كفرسلوان عالق بسبب دعوى قضائية مقامة على أشخاص بقضية قتل مواطن من أبناء البلدة في عام 1987، وصدرت أحكام قضائية بحقهم، وهذا ما يؤخر المصالحات.
أما ملفّ الشحّار فهو متوقف على بعض التعويضات الآخذة طريقها نحو الحل”. ورأى أنه “لا يمكن إتمام مصالحة من دون دفع تعويضات للذين هُجّروا. والآن هناك مساعٍ لإبرام اتفاق يطوي هذا الملف، ويحدد قيمة التعويضات المالية لذوي الضحية ولأصحاب البيوت التي دُمرت إبان الحرب، ويجري بعده توقيع عقود عودة الأهالي إلى بلداتهم”.
غير أن وزيرة المهجرين في الحكومة السابقة القاضية أليس شبطيني، خالفت هذا الرأي، وقالت إن هناك “آلاف الملفات لم تُدفع التعويضات لأصحابها المتضررين”، مشيرة إلى أن “آلاف المتضررين قبضوا دفعة أولى من قيمة التعويضات الزهيدة، ولم يتقاضوا باقي الدفعات، ما اضطرهم إلى بناء أو ترميم منازلهم المدمرة والمتضررة على نفقاتهم الخاصة، وهذا يشكّل قمّة الظلم بحق هؤلاء الذي هجّرتهم الحرب أولاً وحُرموا من حقوقهم ثانياً”. وكشفت شبطيني في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، أن “ما يؤخر إقفال جرح المهجرين بعض الأحزاب وقوى الأمر الواقع، التي ترفض إخلاء منازل محتلة من قبل أشخاص محسوبين عليها، في مناطق مختلفة بدءاً من حارة حريك (ضاحية بيروت الجنوبية) إلى الحدت (المتاخمة لمنطقة بعبدا – جبل لبنان)، وصولاً إلى أعالي الجبل”. وتابعت: “للأسف كلّ حزب أو طرف يعمل لمصلحته ويخدم جماعته، على حساب المواطن الضحية الذي يفقد ممتلكاته المحتلة، وعلى حساب الدولة التي لا حول لها ولا قوّة”.
واستطردت أن “وزارة المهجرين لم ترصد لها موازنة سنوية كباقي الوزارات، إنما كانت تؤمّن التعويضات بموجب قوانين تصدر على دفعات، وهذا ما يعقّد حلّ كثير من الملفات العالقة منذ عقود”.
وقال النائب أبو الحسن إن الحزب التقدمي الاشتراكي حريص على إقفال ملفات المهجرين بشكل تام وبما يؤدي إلى طي صفحات الحرب الأليمة، وأضاف أن “معالجة هذه الملفات يأتي انطلاقاً من دعوة المرجعيات الدينية والسياسية إلى التسامح والتساهل وطي صفحة الماضي، وهذه المبادرة قادها ورعاها في عام 2001 البطريرك (الماروني السابق نصر الله) صفير، واستكملت مع البطريرك (الحالي) بشارة الراعي”.
وكثيراً ما طُرحت علامات استفهام حول جدوى هذه الوزارة، ومعها صندوق المهجرين منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وسيقت اتهامات ضدهما بأن معظم الأموال التي رُصدت للوزارة والصندوق كانت تُدفع لمحسوبين على مرجعيات سياسية في جبل لبنان ومناطق لبنانية أخرى، لكن النائب أبو الحسن شدد على أن وزارة المهجرين “قامت بدرها كاملاً في عقد المصالحات ورعاية عودة معظم المهجرين ودفع التعويضات لهم وللمقيمين الذين تضررت منازلهم جراء الحرب، كما لعبت دوراً أساسياً في بلسمة جروح الحرب وما تركته من آثار سلبية على المجتمع اللبناني”. وشدد على أنه “بعد الانتهاء من معالجة ملف كفرسلوان وجوار الحوز، وملف آخر في منطقة الشحّار لم يعد هناك لزوم لوزارة المهجرين إطلاقاً، حيث يجب إقفالها وتوزيع الموظفين والمتعاقدين معها على ملاكات الوزارات الأخرى”.