Site icon IMLebanon

مشكلة «القوات» مع عون أم مع باسيل؟

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

هناك دلائل إلى أنّ عذابَ «القوات» في الحكومة الآتية سيكون أكبرَ منه في الحكومة المستقيلة. ويرى كثيرون أنها ستُضطر إلى رفع شكواها مراراً إلى رئيس الجمهورية. لكنّ البعض يقول: «كيف لـ«القوات» أن تستنجدَ بعون ضد… العونيّين؟ ويرون أنّ «القوات» ستختبر صحّة مقولتين. الأولى هي «أنصرْ أخاك ظالماً كان أم مظلوماً»، والثانية هي «الشكوى لغير الله مَذلّة»!

تتجنّب «القوات» أن توحي بأنّ مشكلتها هي مع الرئيس ميشال عون لسببين:

1 – هي تفضِّل عدمَ الدخول في مواجهة مع موقع رئاسة الجمهورية مباشرة، الموقع المسيحي الأعلى. فهذه المواجهة تشكِّل إحراجاً لها، كما لسائر القوى المسيحية.

2 – هي تفضّل تحييدَ عون لإبقائه وسيطاً محتمَلاً أو مفاوِضاً في النزاع الحامي مع صهره، رئيس «التيار»، الوزير جبران باسيل. فالتفاوض مع عون يبقى أسهل وأضمن من التفاوض مع باسيل لأنّ «اتّفاقَ معراب» معقودٌ أساساً بين عون والدكتور سمير جعجع، ولأنّ عون يبقى أكثرَ انفتاحاً على النقاش من باسيل… وفي أيّ حال، هو أكثر قدرة على الوفاء بالتعهّدات لأنّ موقعَه يفرض عليه ذلك، ولأنه يمتلك الرصيد الأقوى.

إذاً، من المفارقات أنّ «القوات» مضطرةٌ إلى الإيحاء بأنّ خلافها ليس مع عون… بل مع العونيّين. لكنّ هذا الفصلَ بين رمز «التيار» وجسمه ليس واقعياً، مثلما يستحيل فصلُ الجسد عن الروح. وما يُقال عن «وحدة الحال» بين رئيس الجمهورية وتياره السياسي يُقال أيضاً عن وحدة الحال بين الرئيس نبيه بري وحركة «أمل» وبين الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل».

مثلاً، لم يُصدر رئيسُ الجمهورية مرسومَ التجنيس قبل الانتخابات، بل خبّأه- وكذلك الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق- إلى ما بعدها بأيام قليلة. وواضحٌ أنّ المرسومَ كان جاهزاً بكل عناصره عشيّة الانتخابات. فلو عمد عون إلى إصداره قبل الانتخابات، لكانت موجة الاعتراض الشعبية قد انطلقت في توقيت لا يخدم مصلحة التيارَين السياسيَّين اللذين يقودهما عون والحريري، ولا مصلحة المشنوق كمرشح.

في عبارة أكثر وضوحاً، لم تكن شعبيةُ عون رئيس الجمهورية هي التي ستتأثر، لأنه لم يشارك في الانتخابات ممثلاً لموقع الرئاسة، ولم يكن له مرشّحوه ولوائحه، إنما بقي في الانتخابات رمزاً لـ»التيار الوطني الحرّ».

فـ«التيار» نفسُه رفع شعارَ «لوائح العهد القوي»، أي إنّ مَن اقترع ضد «التيار» إنما اقترع ضد العهد أيضاً. ولم يصدر عن عون ما ينفي هذا الترابط المعنوي مع «التيار».

طبعاً، عون نفسُه يريد أن يكون «أباً للجميع»، أي فوق النزاعات السياسية والمتنازعين. لكنه في الوقت عينه لا يريد تفويتَ فرصة وجوده في موقع الرئاسة لإيصال «التيار الوطني الحرّ» إلى الموقع السياسي الأقوى على المستوى العام، وعلى المستوى المسيحي خصوصاً.

فعون يريد تهيئة الظروف ليكون رئيس «التيار» هو المسيحي الأقوى، المؤهَّل لخلافته في بعبدا، بعد انتهاء الولاية. ومعلومٌ أنّ المحيطين بعون، في القصر الجمهوري، هم أركان العائلة و»التيار» في آن معاً.

إذاً، لا أحدَ مقتنع بالفصل بين عون و»التيار»، كما بين الحريري وتياره. وبالتأكيد، ليس عون نفسُه مقتنعاً بذلك. إلاّ أنه لا يريد إهدارَ الفرصة لتكريس العرف القاضي بأن تكون لرئيس الجمهورية كتلتُه الوزارية الخاصة. فلا بأس في أن يتحكّم بمجلس الوزراء بـ10 وزراء، وأكثر، أي بالثلث الضامن، يتنوّعون بين عونيّين و»تياريّين».

منطق «القوات» هو أنّ مبرِّرَ هذا العرف، من عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي إلى عهد الرئيس ميشال سليمان، كان أنّ الرئيس لم يكن يتمتّع بالتغطية الشعبية والنيابية، فيجري تعويضُه بكتلة وزارية تكون له الذراع اليمنى في السلطة التنفيذية، خصوصاً أنّ الرئيس لا يمتلك الحقّ في التصويت في مجلس الوزراء، ولو ترأسه. ولكن، رئيس الجمهورية هو اليوم رئيسُ أكبر كتلة نيابية مسيحية.

على رغم ذلك، تتجنّب «القوات» تصويرَ نفسِها رافضةً تقوية موقع رئيس الجمهورية الماروني تعويضاً لما خسره في «إتّفاق الطائف». ولذلك هي «محشورة» في التعاطي مع هذه المسألة. فبالتأكيد هي لن تستطيع الموازنة بينها وبين «التيار» في مجلس الوزراء، وفقاً لمنطوق «تفاهم معراب»، ما دام هناك وزراء عونيّون إضافيون سيأتون على اسم الرئيس.

في أيّ حال، إنّ تمسُّك عون بوزراء له «حصراً» سيدفع الحريري، وربما بري، إلى التمسّك بوزراء لهما، بمعزل عن وزراء «المستقبل» و«أمل».

وسيؤدّي ذلك، إذا حصل، إلى سيطرة «ترويكا الحكم» على مجلس الوزراء بما يفوق ثلثي أعضاء الحكومة: من أصل 30، على الأقل سيكون أكثر من الثلث لعون وأكثر من الثلث للحريري وبري معاً، ما يجعل مجلس الوزراء مجرّدَ أداة تنفيذية للنافذين في السلطة (أكثر من 21 وزيراً لـ»الترويكا»).

في الحكومة الحالية (حكومة تصريف الأعمال)، حاولت «القوات» أن تلجأ إلى عون، رافعةً إليه شكواها من باسيل ورفاقه، لكنها لم تحصل على نتيجة في مجلس الوزراء. والرسالة التي تبلّغها جعجع من الرئيس: «حلّوا مشكلاتكم مع باسيل وجهاً لوجه. أنا لم أعُد رئيساً لـ»التيار» لأتدخّل، ولا تقحموني في النزاعات الحزبيّة».

اليوم، سيحافظ عون على هذه الصورة. وسيكون هو وتياره في الحكومة العتيدة أقوى ممّا كانا في الحكومة المستقيلة. ولذلك، على «القوات» أن تتوقّع أن تكون «معاناتُها» أقسى في المرحلة الآتية. وهي لا تنتظر كثيراً من الآذان الصاغية في بعبدا».

مؤشراتُ المعاناة «القواتية» بدأت تُطلّ بأجواء «الشراكة» الهادئة والوطيدة والمتعدّدة الوجوه بين باسيل والحريري، من النفط والكهرباء والاتّصالات إلى مرسوم التجنيس الذي تمّ تدبيرُه «عَ السَّكْت» طوال أشهر وتمّ تخريجُه «عَ السِّكَّيت» في لحظة، والذي سيكون نموذجاً لأزمات آتية.

في مرسوم التجنيس، تضامنت «القوات» مع حزبَي الكتائب و»التقدّمي الاشتراكي»، لعلّ ذلك يشكّل حدّاً مقبولاً من التوازن في مواجهة «فريق الصفقة». وفي المستقبل، عليها أن تختار تحالفات ظرفية مع قوى سياسية مختلفة، وفقاً لطبيعة كل ملف وأزمة لتتمكّن من مواجهة التيارات.

ولكن، بالتأكيد، ليس على «القوات» أن تقع في خطأ المراهنة على لحظة التخلّي بين عون وتياره، أو بين عون وباسيل!