IMLebanon

ترسيم الحدود الجنوبية بين المصلحة اللبنانية وسلاح “حزب الله”! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

ظهرت مسألة ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل بقوة خصوصاً بعد اكتشاف الثروة النفطية في المياه اللبنانية. هذا الصراع الطويل، الذي بدأ مع الانسحاب الاسرائيلي من لبنان حول مزارع شبعا وكفرشوبا براً، يبلغ ذروته اليوم بحراً بعد قضم اسرائيل مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية التي تحتوي كميات كبيرة من النفط والغاز تقدر بـ860 كلم2، إثر الاتفاقية التي وقعتها مع قبرص لتعيين الحدود البحرية بينهما في 17 كانون الأول 2011.

لم تهدأ المحاولات لحل هذه المسألة، خصوصا من قبل الولايات المتحدة التي تتولى التفاوض مع لبنان بالوكالة عن اسرائيل، فكانت مبادرة هوف في أيلول 2012، تلاها المبادرات التي حملتها الوفود الأميركية من ساترفيلد إلى ريكس تيلرسون، وآخرها، زيارة وفد أميركي لبنان، وابلاغه الحكومة اللبنانية اقتراحاً اسرائيلياً قيل إنه يتضمن استكمال عملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل، والتي تقول المعلومات إن الاقتراح جاء بطلب اسرائيلي، نتيجة مخاوف تل أبيب المتزايدة على طول الجبهتين اللبنانية والسورية.

وقد عقد إجتماع بين إسرائيل وأميركا عبر مسؤولين مهتمين بالنفط في تل أبيب، وأن العرض الإسرائيلي للحل المتكامل لموضوع الحدود جاء بعد هذا الإجتماع.

ومن الاشارات المهمة على مبادرة إسرائيل، ما جاء على لسان وزير طاقتها يوفال شتاينتز الذي قال: “إن أفكاراً جديدة طرحت عبر قناة أميركية سرية للوساطة في نزاع بحري بين إسرائيل ولبنان عقّد أعمال التنقيب عن النفط والغاز، وهناك بعض الأفكار الجديدة على الطاولة. إنّها أكثر مما يمكنني مناقشته، حيث هناك مجال للتفاؤل الحذر لكن ليس أكثر من ذلك. أتمنى أن نتمكن خلال الشهور المقبلة أو بحلول نهاية العام من التوصل إلى حل أو على الأقل حل جزئي للنزاع، ولم تتم تسوية شيء بعد “.

هذا التطور، دفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الدعوة الى اجتماع ثلاثي في بعبدا جمعه والرئيسين سعد الحريري ونبيه بري، وجاء استكمالاً لاجتماع رئاسي ثلاثي سابق، لتثبيت الموقف الرسمي اللبناني من مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية.

لم يرشح عن الاجتماع أيّ موقف، ولم يُكشف للرأي العام ما دار في كواليس بعبدا، وعن طبيعة المبادرة التي حكي عنها، إنما وفق المعلومات، فإن اسرائيل عرضت مفاوضات شاملة مع لبنان للانسحاب من القسم اللبناني من مزارع شبعا. وفي هذا الإطار، يقول نائب رئيس التحرير في صحيفة “النهار” نبيل بو منصف لـIMLebanon إنه لا يعطي براءة ذمة للعرض اذا كان موجودا من قبل اميركا او اسرائيل، لكن في حال وجد، وتبين أن هناك جدية في العرض الذي نقله الاميركيون لتحرير الأرض اللبنانية وترسيم الحدود وترحيل اسرائيل ولا نقوم بها، كي لا نزعج حزب الله ونطلب منه ان يضع سلاحه بيد الدولة، نكون عندها نرتكب فعلا شنيعا اذا وجدت فرضية من هذا النوع. لكن، حتى الساعة، لا وضوح بعد اذا كان هناك عرض فعلي ام لا، والمستغرب لماذا هناك هجوم واستهداف لهذا العرض قبل ان نفهم ما هيته؟

وسأل: “هل يعقل ان يدعو رئيس الجمهورية الى اجتماع مهم ولا يكون لديه المعطيات الجدية لعرض ما؟ من هنا، لما المزايدة على رئيس الجمهورية في إطار الحفاظ على السيادة؟ ومن هو الطرف الذي يستهدف الرئيس؟

وأضاف بو منصف: “لدينا مصلحة للتفاوض لنحرر ارضنا وننتهي من المسألة، لكن الغريب انه بعد يومين من زيارة الوفد الأميركي، سمعنا بعض المحسوبين على الوصاية السورية يحذرون من افخاخ التفاوض حول مزارع شبعا، وهو الأمر نفسه حصل في العام 2000.  لذلك عاد الرئيس نبيه بري الى المعزوفة العتيقة”.

هل تراجع برّي؟

العرض الاسرائيلي – الأميركي أوحى بأن جميع المعطيات تشير إلى وجود نوايا جادة لإيجاد حل متكامل حول موضوع ترسيم الحدود، سواء الحدود البرية (مزارع شبعا وكفرشوبا) والبحرية عند البلوكات المتنازع عليها .

وفي هذا السياق، كان موقف واضح لرئيس مجلس النواب نبيه بري لوكالة “سبوتنيك”، “إن الجانب الأميركي أبلغ لبنان باستعداد إسرائيل للتفاوض على ترسيم الحدود في البر والبحر بين البلدين”، مؤكدا أن بيروت مستعدة للتفاوض حول ذلك مع ضرورة أن يتم ذلك برعاية الأمم المتحدة. وأضاف: “جاءنا اقتراح أميركي، بعد اجتماع عُقد مع نتنياهو في إسرائيل، ومفاده بأنهم على استعداد لحل متكامل في البر (الجدار ومزارع شبعا)، وكذلك في البحر. ونحن في لبنان رفضنا أن يكون هناك اتفاق في البر وحده من دون البحر، فنحن نريد سلة واحدة، وأن يكون التنفيذ براً وبحراً”.

موقف الرئيس برّي صدم “حزب الله” بحسب المراقبين، وعلى هذا الأساس جاءت تغريدة النائب جميل السيّد وبيان رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود الذي رفض هذه التسوية، وهو ما فسّر بأنه إما موقف ورسالة من النظام السوري القريب منه السيد والرافض لهذا الترسيم لأنّه يعني أن مزارع شبعا لبنانية وبالتالي تخسرها سوريا، وإما موقف من “حزب الله ” حليف جميل السيد أيضاً والرافض لهذه التسوية لأنها ستنتزع أحد أهم الذرائع التي يتمسك بها الحزب منذ ما بعد تحرير ٢٠٠٠ للإحتفاظ بسلاحه .

هذا التحرك الاعلامي ضد عين التينة، أعقبه موقف “مصحح” لرئيس المجلس في 6 حزيران 2018 لزواره، أي في اليوم التالي للتغريدات، وفيه “إنَّ العرض الاسرائيلي الذي نقله الأميركيون هو فرصةٌ للبنانَ لاستعادةِ حقوقِه، مؤكّداً أن أجزاءً من مزارعِ شبعا لبنانية وأخرى سورية، فلينسحب الإسرائيليُ من المزارعِ ونحنُ نتصافى بينَنا وبينَ السوريين”.

موقف بري الجديد الذي اعتبره البعض تراجعا، حملناه الى وزير “حركة أمل” النائب غازي زعيتر، الذي قال لـIMLebanon: “إن اسرائيل تحتل مزارع شبعا واي خلاف اذا وجد حول مزارع شبعا فيكون بيننا وبين السوريين ولا علاقة لاسرائيل بهذا الموضوع. والسوريون ارسلوا كتابا يؤكد ان المزارع لبنانية وهذا الكتاب اصبح بحوزة الامم المتحدة لكن البعض لا يريد ان يعترف بهذا الامر”.

وأيّد زعيتر مواقف الرئيس بري التي صدرت عنه بشكل رسمي، في كل ما يتعلق بالتفاوض حول مزارع شبعا، من دون الاعتراف بما ينقل عبر الزوار أو التسريبات الاعلامية، وبغض النظر عن التغريدات التي صدرت عن هذا او ذاك.

أما النائب ياسين جابر، فقال بدوره لـIMLebanon إن التفاوض من خلال اللجنة الثلاثية التي تجتمع في الناقورة قائم، واذا أراد الاسرائيلي الانسحاب من مزارع شبعا فلينسحب، لأن المفاوضات لا تتم خارج ما هو قائم. فالتفاوض موجود ضمن اللجنة الثلاثية اي من خلال الأمم المتحدة منذ فترة طويلة حول ترسيم الحدود. الآلية ليست مستجدة وقائمة، ومنذ البداية يطالب الرئيس نبيه بري بأن أي جهد من اجل ترسيم الحدود يجب أن يكون من ضمن هذه الآلية. حتى في مسألة الحدود البحرية عندما طرحت، طالب الرئيس بري بتدخل الأمم المتحدة.

وإذ أكد ان لا معلومات لديه بوجود محاولة للوصول الى اتفاق حول سلة كاملة برا وبحرا، قال جابر: “لكنّ الواضح ان هناك حوارا حول تصحيح الحدود، وهناك محاولة لحلحلة الحدود البحرية بإشراف الامم المتحدة وبوساطة أميركية. الوفد الاميركي اكد على القيام بوساطة، لكن لا معلومات لدي بخصوص مزارع شبعا”.

المبدأ ان آلية ايجاد الحلول للخلافات الحدودية قائمة وموجودة منذ العام 2000 وتم العمل من خلالها لتحديد الخط الازرق. واي حلحلة لبقية النقاط المختلف عليها التي يطالب بها لبنان تعتبر شيء جيد للجانب اللبناني، واي حلحلة في البر يجب ان تقابلها حلحلة في البحر ايضا. واذا كان الانسحاب من مزارع شبعا مطروح فأمر جيد ويعزز المطالب اللبنانية…

بو منصف من جهته، اعتبر ان الرئيس بري لا يستطيع ان يقول عكس ما قاله، لأن ذلك يعبّر عن الموقف اللبناني الرسمي، اي لا تفاوض مع اسرائيل على مزارع شبعا لأنها تحتل ارضاً، جزء منها لبناني وجزء منها سوري. لكن في الوقت نفسه، هناك مشكلة بين لبنان وسوريا حول هذا الموضوع، ففي العام 2000 عندما كان النظام السوري موجوداً في لبنان، وضع العراقيل أمام الحلول على موضوع مزارع شبعا، وخصوصاً عند الانسحاب الاسرائيلي، لأنه أراد ان لا يكون هناك فك اشتباك وفك ارتباط مع قضية الحدود، فأهدافه كانت تتعلق بوصايته ولا تتعلق بتحرير ارض مزارع شبعا، وحتى الان لم يقم النظام السوري بما يجب ان يقوم به، فلا قام بترسيم الحدود ولا تم وضع خريطة واضحة مع لبنان.

لذلك، المطلوب اليوم بحسب بو منصف، حكم لبناني يقرر ويحسم المسألة ويفرض على سوريا أن تقوم بترسيم الحدود تحت مظلة الامم المتحدة، وبالتالي فلترحل اسرائيل من هنا.

وأضاف: “المسؤول هنا بالدرجة الاولى هو رئيس الجمهورية الذي دعا الى الاجتماع الثلاثي في القصر الجمهوري لبحث ما سمي بـ”المبادرة” الاسرائيلية التي حملها الأميركيون، وكان ظاهرا ان الرئيس كان مقتنعا بجدية العرض وهو رئيس البلاد ومفروض منه وضع النقاط على الحروف. ولا احد يمكن ان يزايد على رئيس اسمه ميشال عون في موضوع الحفاظ على السيادة وهو الذي يجب ان يضع حدا لهذا اللعب.

ترسيم الحدود البرية وسلاح “حزب الله”

في قرار مجلس الأمن الدولي 1701 في 13 آب 2006، والذي أمر بوقف العمليات القتالية بين حزب الله وإسرائيل، دعا مجلس الأمن كل من إسرائيل ولبنان إلى احترام الخط الأزرق الذي تم ترسيمه في أيار 2000. مع ذلك، طلب مجلس الأمن إلى الأمين العام للأمم المتحدة بحث قضية مزارع شبعا واقتراح طرقات لحل المشكلة. علما أن ترسيم الحدود البرية بما يخص مزارع شبعا وكفرشوبا، في حال تم أيضا، فهو يُشكل ضمانة إضافية لتعزيز الأمن والإستقرار في الجنوب، خصوصاً أن هذا الملف يُعتبر نقطة حسّاسة وعامل توتير أمني وعسكري بين لبنان وإسرائيل منذ ما بعد ٢٥ أيار ٢٠٠٠.

وفيما لم يصدر موقف رسمي عن “حزب الله” حول المبادرة التي حملها الأميركيون، تحدث نائب “حركة أمل” ياسين جابر عن واقع استراتيجي اليوم، وهو أن سلاح “حزب الله” بات سلاحا يحفظ توازن الرعب ويمنع اي اعتداء اسرائيلي. ولولا هذا التوازن لما قررت اسرائيل بناء الجدار، الذي يرفض لبنان بأن يطال أي شبر من اراضيه.

هذه الضبابية في موقف المكونات اللبنانية، والغموض الذي أحيط بما حمله الوفد الأميركي، والصمت الذي خرج منه الاجتماع الثلاثي في بعبدا، يوحي وكأن هناك شد حبال بين الجانب اللبناني الذي يحاول حماية سلاح حزب الله وبين اسرائيل التي تحاول ان تسحب ولو ذريعة من ذرائع استمرار بقاء السلاح بيد الحزب. وهذا يطرح العديد من الأسئلة، ألم يحن الوقت الانتهاء من قضية مزارع شبعا؟ ألم يحن الوقت لترسيم حدودنا اللبنانية؟ لماذا يجب إعطاء مكاسب مجانية للنظام السوري أو لحزب الله لاستخدامها في خطهما الاستراتيجي؟ وأين الحسم في الموقف اللبناني تجاه القضايا المصيرية، فهل يجوز أن تحتوي سياسة حزب الله نفوذ الحكومة اللبنانية أو العكس؟

ان المقبل من الأيام بات يحمل الجواب الأكيد في ضوء ما يحيط حزب الله من تطور دراماتيكي للمواقف الدولية والاقليمية اتجاهه.