كتب نذير رضا في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يطالب لبنان اليوم الأمم المتحدة بلعب دور إيجابي اتجاه عودة النازحين السوريين، عبر لقاءات يعقدها وزير الخارجية في حكومة تصرف الأعمال جبران باسيل في جنيف مع المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ومفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في وقت يحاول باسيل الحصول على ضمانات من النظام السوري حول المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية، وهي العقدة الأساس التي تحول دون عودة آلاف السوريين إلى بلادهم.
ويبحث باسيل اليوم مع المسؤولين الدوليين في جنيف في الإجراءات التي اتخذها بحق موظفي مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، لجهة إيقاف طلبات الإقامة المقدمة لصالحها على خلفية اتهام المفوضية بتخويف النازحين السوريين من العودة. وقال باسيل، أمس، خلال زيارته إلى عرسال، إن «الإجراءات التي اتخذتها في حق المفوضية من صلاحياتي، ويمكن أن أتشدد فيها أكثر، لكني سأبحث الملف مع المسؤولين الأمميين»، اليوم (الخميس)، داعياً المنظمات «لاحترام سياساتنا، وعلى المفوضية أن تشجع اللاجئين على العودة لا أن تخيفهم عبر أسئلتها».
وأكدت مصادر دبلوماسية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا بخصومة أو حرب مع مفوضية اللاجئين»، معربة عن توقعاتها بأن الاجتماع مع فيليبو غراندي «سيكون إيجابياً اليوم». وقالت المصادر: «المطلوب من المفوضية العليا للاجئين أن تلعب دورها في مسألة عودة النازحين وتطبيق المعايير الدولية، وليس أن يتصرف موظفوها كمناضلين ضد عودة النازحين».
وزار باسيل، أمس، بلدة عرسال التي تحتضن عشرات آلاف النازحين، بينهم المئات الذين يستعدون للمغادرة. وصرح هناك: «نحن هنا بعد النزاع الحاصل مع موقف مفوضية اللاجئين التي تطالب بمنع العودة السريعة فيما نريد نحن العودة الآمنة». وأضاف: «سوريّو القلمون يرون أن عودتهم باتت متاحة، أما سوريو القصير فيرون أن عودتهم غير مؤمّنة بعد»، مشيراً إلى أننا «لا نقول بعودة فورية أو قسرية، بل مرحلية وآمنة، لكن المشكلة أنهم لا يسمحون لنا حتى بإتمام المرحلة الأولى».
وتابع: «نريد شكر المفوضية إذا سرّعت العودة، وإذا أعطت المساعدات للسوريين، لكن بعد عودتهم إلى سوريا»، معتبراً أن مشهد الخيم لا يليق لا بلبنان ولا بسوريا، ومن واجبنا أن نساعد النازحين على العودة الآمنة والكريمة.
وأشار إلى «أنني راسلت وزير الخارجية السورية وليد المعلّم وطمأنني حيال القانون 10 والتجنيد في الجيش»، جازماً «بأن لا عودة عن العودة»، ولافتاً إلى أن الجميع في الداخل بمن فيهم الرئيس الحريري يريد عودة النازحين، ولا أحد يريد إشكالاً مع المنظمات الدولية، لكن «كفى» ولا شيء يعلو مصلحة لبنان».
وتتصدر قضية المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا، قائمة العراقيل التي تحول دون عودة النازحين، وهو ما تحاول السلطات اللبنانية إيجاد حل لها؛ إذ كشفت مصادر رسمية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، عن أن وزير الخارجية أرسل إلى نظيره السوري وليد المعلم رسالة، اليوم (أمس الأربعاء)، تمنى عليه إيجاد حلّ للمطلوبين للخدمة الإلزامية». وقال المصادر إن «لبنان لا يزال ينتظر جواب دمشق حول المسألة».
وشدد باسيل، أمس، على أننا «لا نقبل بعودة النازحين إذا لم تكن آمنة أو أن يحصل شيء لأحدهم، لا سمح الله»، مؤكداً أنه راسل وزير خارجية سوريا بموضوع حقوقهم بالملكية والتجنيد الإلزامي، «فأكد لي بكتابه أنهم مع العودة الآمنة والكريمة والمصالحة».
وتحتل مشكلة المطلوبين حيزاً في النقاشات في اللجان الدستورية أو في النقاشات الدولية التي تحيط بالعملية السياسية مثل آستانة. ويطالب السوريون في لبنان الدولة اللبنانية بانتزاع ضمانات من النظام السوري تحول دون اقتيادهم للخدمة الإلزامية. ورغم ذلك، يتحضر 3600 شخص للمغادرة إلى سوريا بعد عيد الفطر، ريثما تكتمل الاستعدادات اللوجيستية.
وعادة ما تتولى لجنة سورية مؤلفة من محامين وأساتذة مدارس وجامعات ومسؤولين عن المخيمات، إعداد لوائح بأسماء الراغبين بالعودة، ومعظمهم يتحدرون من بلدات وقرى القلمون الغربي، ويجري إعداد القوائم بالتنسيق مع الأمم المتحدة والأجهزة الأمنية اللبنانية، وخصوصاً الأمن العام اللبناني والجيش اللبناني، وتتولى توفير عودة آمنة حتى الحدود السورية، وتشرف على الأمور اللوجيستية المرتبطة بالعودة، بحسب ما قالت مصادر في عرسال لـ«الشرق الأوسط».
ووضعت تلك اللجان أخيراً أسماء السوريين الراغبين في العودة عندما فتح باب التسجيل لمدة ثلاثة أيام، وسجل في قوائم الراغبين بالعودة نحو 800 عائلة يشكلون نحو 3600 نازح بات مؤكداً أنهم سيغادرون إلى سوريا بعد عيد الفطر، ليشكل هؤلاء القافلة الرابعة من العائدين طوعياً إلى بلادهم. وقالت المصادر في عرسال: «عندما تغادر هذه القافلة بعد عيد الفطر، فإن السوريين المستعدين للعودة في القافلة اللاحقة يقدر عددهم بنحو 10 آلاف، ومن ضمنهم أشخاص يتحدرون من القصير ومنطقتها لم تتدمر منازلهم خلال المعارك في عام 2013».
وغادرت 3 قوافل من النازحين السوريين طوعياً إلى سوريا خلال عام، بمبادرات من سوريين أنفسهم، أو نتيجة تواصل السلطات اللبنانية مع دمشق لتنسيق إعادتهم، كما هو الحال في قافلة العائدين من شبعا (جنوب شرقي لبنان) إلى بيت جن (ريف دمشق الغربي) في أبريل (نيسان) الماضي، التي ناهز عددها نحو 500 شخص. وسبق تلك القافلة، مغادرة دفعتين من النازحين في عرسال إلى القلمون الغربي، إثر مبادرة من أحد السوريين الذين يتحدرون من عسال الورد، وتضمنت القافلة الأولى نحو 50 عائلة، في حين تضمنت القافلة الثانية نحو 800 شخص، فضلاً عن مغادرة آخرين ارتبطوا باتفاقيات «مصالحة» مع النظام السوري، بينهم عائلات مقاتلي «أحرار الشام» الذين عادوا إلى ريف دمشق بموجب اتفاق وأمنت السلطات اللبنانية عبورهم إلى الحدود اللبنانية.