كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم يَسْترِح لبنان السياسي في إجازة عيد الفطر التي باغَتَها سجالٌ صاخِبٌ شكّل الخلافُ حول مقاربةِ ملف النازحين السوريين شرارتَه، ما أوحى بانقسامٍ يتخذ أبعاداً سياسية وطائفية ومذهبية تَردّد صداها على مَنابر خطب العيد، وهو الانقسام الذي من شأنه مُضاعَفة المَصاعب أمام ولادةٍ طبيعية قريبة لحكومة الرئيس سعد الحريري.
ففي اللحظة التي تنتظر بيروت معاودة تحريك عجَلة تشكيل الحكومة مع عودة الحريري المرتقبة من إجازة العيد في المملكة العربية السعودية التي قَصَدها من موسكو برفقة وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان بعد مشاركتهما في افتتاح «المونديال» وتأديته صلاة العيد الى جانب الملك سلمان بن عبد العزيز، بدا «القتال» السياسي بالنازحين أمس وكأنه يؤشر الى ان الأمور تتقدّم ولكن… الى الخلف.
«تغريدة» واحدةٌ بكّر في إطلاقها زعيم الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أمس كانت كافية لإشعال مواجهةٍ سياسية بين فريق جنبلاط وفريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أيّ تكتل «لبنان القوي»، الذي يقود رئيسُه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل معركةً شرسة تحت عنوان عودة النازحين «الآن وليس غداً»، مطْلقاً حملةً تصاعُدية ضدّ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أنذرتْ بوضع علاقة لبنان مع المجتمع الدولي في دائرة التوتر، وهو ما عبّر عنه بوضوح كلام السفير الألماني في بيروت مارتن هوث عن ان المجتمع الدولي «مستاء من الاتهامات الكاذبة المتكرّرة» له بأنه يعمل على توطين اللاجئين السوريين في لبنان، مشدداً على «أن الأمم المتحدة ملتزمة بالكامل عودة اللاجئين السوريين»، ومعلناً «رغم أننا لا نعارض العودة الطوعية، فإن الظروف في سورية من وجهة نظرنا، لا تسمح بعودة شاملة للاجئين في الوقت الراهن».
وفيما لم تؤدِ المحاولات الداخلية التي قادها الحريري لاحتواء المفاعيل السلبية لاندفاعة باسيل الأحادية على الواقع الداخلي كما على علاقة لبنان بالمجتمع الدولي الى فرْملة هذا المسار الذي يريد جعْل ملف النازحين أولوية محلية بأبعاد إقليمية، جاء انفجار «لغم» النازحين بعلاقة «الودّ المفقود» بين تكتل الرئيس عون وجنبلاط وتطايُر شظايا الحرب الكلامية من «العيار الثقيل» في أكثر من اتجاه ليضيف طبقة جديدة من التعقيدات الجدية على مسار تأليف الحكومة خصوصاً في جانبه المتعلّق بالصراع على الحصة الدرزية التي يريدها جنبلاط كاملةً (3 وزراء في حكومة ثلاثينية) لحزبه مقابل إصرار تكتل عون على تمثيل العضو فيه النائب طلال ارسلان.
وتشير أوساط سياسية الى ان «العصْف» السياسي على جبهة تكتل عون – جنبلاط يعكس تَحوّل العقدة الدرزية في ملف التشكيل الى «قنبلة موقوتة» تشي بالإطاحة بأي إمكان لتحقيق اختراق قريبٍ في مسار التأليف العالق أيضاً عند عقدة تمثيل حزب «القوات اللبنانية» والسنّة الموالين لـ «حزب الله».
وما جعل «الهجوم المباغت» الذي شنّه جنبلاط، الذي كان زار السعودية قبل أيام والتقى ولي العهد ومسؤولين آخرين، يكتسب أبعاداً تجاوزتْ ملف النازحين انه «صوّب» فيه مباشرة على العهد أي الرئيس عون، اذ كتب على حسابه الخاص على «تويتر»: «أما المهجّرون في الأرض فلا عيد لهم ولا راحة. يلاحقهم الموتُ في البحار، وفي الصحارى تجارُ البشر. يهربون من الظلم والحروب من أجل حياة أحسن فإذا بجدران الكراهية والعنصرية ترتفع في كل مكان»، مضيفاً: «وفي لبنان يطالبون بتسليمهم الى الجلاد بحجة تحميلهم سوء الأحوال، ومصيبتنا في عهدٍ فاشل من أوّل لحظة».
ولم يكد ان يجف حبر التغريدة الجنبلاطية حتى انبرى أعضاء تكتل «لبنان القوي» في ردود «صاعقة» على الزعيم الدرزي، اذ رأى النائب الياس بو صعب رئيس «التقدمي» أن «من يبوح بكلام عنصري تجاه أبناء وطنه يفقد الصدقية عندما يدّعي الدفاع عن حقوق النازحين من باب العنصرية»، فيما قال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال النائب سيزار ابي خليل «(…) يشهد اللبنانيون على فشلكم وفسادكم في كل الملفات التي استلمتموها»، أما النائب زياد أسود فأعلن ان «من يتكلم عن عهد عليه ان يقيم نتائج أعماله وسياسته وفساده وتخريبه لدولة بنيت بعهود وخربت على ايديكم وبعمالتكم للخارج وتستعاد اليوم الى الناس بواسطة عهد وضع حداً لعهركم وفجوركم».
ولم يتوانَ أعضاء كتلة «اللقاء الديموقراطي» (المحسوبة على جنبلاط) في الردّ على الردود، اذ اعلن الوزير مروان حمادة انه «منذ الأسابيع الأولى بمشاركتي في الحكومة (…) استطيع أن اصف في أول تجربة هذا العهد بالأكثر فشلاً منذ الاستقلال وهذه الحكومة بإنجازاتها الفضائحية بالأسوأ في تاريخ الحكومات».
وفيما كانت «الملاكمة الكلامية» على أشدّها، برزت مواقف بالغة الدلالات لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في خطبة عيد الفطر أطلّ فيها على ملفيْ النازحين ومرسوم تجنيس نحو 400 شخص غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين وبينهم أثرياء من الحلقة الضيّقة للرئيس بشار الأسد، اذ أعلن في ما خصّ قضية النازحين وفي انتقادٍ ضمني عالي السقف للوزير باسيل «يأتي أناس منا ليضيقوا ذرعاً بالذين اضطروا للنزوح إلى لبنان وهم يريدون الإيهام بأن الذي هجّرهم من قبل، وهجّر إخوانهم الآن، يريد إعادتهم الآن، وأن الحائل دون ذلك، هم الدوليون الذين يساعدون هؤلاء الممتحنين بالحد الأدنى ترقباً لفرص الخلاص من هذا الواقع المأسوي»، مضيفاً: «كيف يقرر فرد أو طرف في مسألة خطيرة كهذه، كأنما ما عادت هناك حكومة عندها سياسة واحدة بالداخل وتجاه الخارج؟! بل صارت لكل طائفة إدارتها السياسية، ولها دويلتها وجيشها وسياستها التي تستطيع فرضها على الآخرين ساعة تشاء».
وتابع: «منذ مدة، تتفاقم سياسات التفرقة والتمييز حتى في المسألة الواحدة. إنه ليراد طرد هؤلاء المستضعفين في اتجاه المصير الذي هربوا منه. وفي الوقت نفسه، يجري تجنيس المئات من هنا وهناك، ليكون هناك صيف وشتاء على سطح واحد! من قال إن أرض هؤلاء وبلادهم ليست عزيزة عليهم، مثل عزة أرضنا علينا؟ فلتتوقف عشوائيات الكراهية هذه، لنظل نشعر أننا جميعا بشر وعرب ولبنانيون، وأبناء دولة واحدة، ونظام واحد، وأن هناك حكومة مسؤولة تستطيع اتخاذ القرار المناسب للمصالح الوطنية، مهما كانت التمايزات (…) وبدل التجنيس واتهام الدوليين، يكون على أصحاب المطالب والحصص التنازل عن أنانيتهم، والتعاون مع رئيس الحكومة المكلف، من أجل إنجاز التركيبة الوزارية (…) والمطلوب الوقوف مع الرئيس الحريري سواء كان في تشكيل الحكومة، أو في سياساته، لجلْب الدعم للبنان».
كما دعا المفتي دريان الى «التمسك بالطائف والدستور والعيش المشترك»، معتبراً «ان العقد الاجتماعي والدستوري، ينعقد مرة واحدة لا عودة عنها، لا بالاستبدال، ولا بإيجاد أعراف نقيضة بالممارسة (…)».
وفي المقابل، كان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان يؤكد في خطبة العيد ضرورة «التوصل السريع إلى تشكيل الحكومة لأن الأمر دقيق وحساس جداً»، معلناً «على القيادات السياسية إدراك هذا الواقع، والتنبه لتداعياته الخطيرة والمأسوية على الصعد كافة، وبالخصوص في مسألة النزوح السوري الذي تحول إلى مصدر مُقْلق وخطير جداً إذا لم نسارع جميعاً إلى اتخاذ المواقف الجريئة والإجراءات العملية، وفق خطة مبرمجة وممنهجة ومنسقة مع الحكومة السورية، قاطعين الطريق أمام ما يسمى بمفوضية الأمم المتحدة وخططها التوطينية المشبوهة (…)».