قبل أزمة النزوح السوري لم يكن لبنان على أفضل حال.
لم تكن الكهرباء مؤمنة ٢٤ على ٢٤،ولم تكن مياه المجارير تتكرر في محطات التكرير، ولم تكن الموازنات تقر ولم تكن الدولة تشهد انتظاما ماليا، ولم تكن مكافحة الفساد والهدر وقيام الإصلاح جاريا على قدم وساق، ولم يكن الوئام السياسي موجودا ومؤسسات الدولة تعمل كما يجب والاستحقاقات الدستورية تجري في مواعيدها.
قبل ازمة النزوح السوري كان لبنان يعاني سياسيا وامنيا واقتصاديا، وشهد اعتصامات وتظاهرات واقتتالا في الشارع بين الاطراف اللبنانية الموجودة اليوم في الحكم والحكومة، وجميعها يدعي أنه ينشد الحرص على لبنان ومواطنيه واقتصاده، فأين كانت حقيقة هذا الحرص قبل النزوح السوري؟
مع النزوح السوري تفاقمت الأزمة على مختلف الصعد ولكن من يتحمل تفاقمها هم الأطراف السياسية في لبنان وليس النازحون والمجتمع الدولي.
لقد اختلف الأفرقاء اللبنانيون، وبعضهم من كان في حكومة واحدة، حول فتح الحدود او إغلاقها، وحول إقامة مخيمات او ترك حرية الإقامة للنازح، واسترسل هؤلاء في خلافاتهم في وقت كانت أزمة النزوح تكبر وتتفاقم والأعداد تزداد من دون اي أفق أو خطة للمعالجة. وما فاقم من التداعيات أن لبنان كان عاجزا عن مطالبة المجتمعين العربي والدولي بالمساعدة باعتبار أن طرفا لبنانيا ضالعا في المعارك في سوريا يساهم بطريقة او بأخرى في تهجير السوريين الى لبنان وبلدان أخرى.
مشكلة لبنان مع النزوح إفتعلها اللبنانيون وعجزوا عن مواجهتها، والحل لا يكون برمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي، الذي ورغم قلة مساعداته، ساهم في التخفيف من عبء أزمة النزوح عن لبنان بما يقارب ال ٩ مليار دولار.
إن المواجهة الراهنة في أزمة النازحين لن تغير كثيرا في واقع الحال الراهن لظروف داخلية وإقليمية ودولية وهي اتت متأخرة، فالتغيير والمواجهة كانا متاحين مثلا عند بداية هذه الأزمة، وكانت اولى الخطوات المطلوبة إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاني، او الضغط عليها بمختلف الوسائل من اجل إجبار من كانوا يعترضون على تنظيم النزوح والحد منه على تغيير سياساتهم وتدارك الأخطار التي تهدد لبنان.
رغم كل ذلك يبقى ان رفع الصوت في هذه القضية، هو حركة يجب ألا تتوقف، لأنها وسيلة الضغط الوحيدة التي يملكها لبنان كي يشجع المجتمع الدولي النازحين على العودة، مع تلويح مستمر بأن بقاء النازحين السوريين على أرضه سيسرع في انهيار اقتصاده، مترافقا مع توترات سياسية وامنية قد تدفع عشرات ألوف النازحين لركوب البحر والجو نحو بلدان أوروبا حيث الكثيرون منهم يرغبون بالذهاب.
في أزمة النزوح وحقائقها أن العودة طوعية، وإن لم تكن كذلك هل يستطيع لبنان أن يجبر بالقوة النازحين السوريين على العودة من حيث أتوا؟
الجواب على هذا السؤال يجب ألا يكون بانفعال بل بروية وواقعية إلا إذا أردنا أن نرمي بكل تبعات أزمة النزوح على وزارة الشؤون الاجتماعية.