كتب سليم نصار في صحيفة “الحياة”:
قبل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سنغافورة بيومين تقريباً، دعا الرئيس الصيني شي جينبيغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى بيكين لبحث أمر مهم.
وفوجئ الرئيس الروسي ببادرة غير متوقعة عندما منحه الرئيس الصيني «الميدالية الذهبية الكبيرة»، كونه عمل على تطوير بلاده، وساهم في الحفاظ على سلام العالم.
وبعد تقديم الشكر على اختياره لحيازة أعلى وسام شرف، قال بوتين في قاعة «قصر الشعب» إن العلاقة بين موسكو وبيكين تتطور باستمرار لأن الدولتين الجارتين تملكان روحية بناء شراكة استراتيجية.
وفي تعليقه على لقاء زعيم أكبر دولة عدداً في العالم مع رئيس أوسع دولة جغرافياً في العالم، قال دونالد ترامب إن القوتين المتنافستين لطموحات بلاده تمثلان، في نظره، التحدي التاريخي لمصالح الولايات المتحدة وقيَمها المميزة.
ورأى عدد من المعلقين في لقاء زعيمين يسعيان الى قيادة العالم اعتراضاً سافراً على تدخل منافسهما الاميركي في شؤون شبه الجزيرة الكورية. ولكن سرعان ما تكشفت حقيقة مناقضة لهذا التصور الخاطئ بدليل أن بوتين ونظيره شي امتدحا خطوة ترامب، وأثنيا على الزيارة. وذكر الرئيس الروسي في مقابلة مع «تشاينه-ميديا-غروب» بأن قرار ترامب يتحلى بالشجاعة، وأنه يتوقع الحصول على نتائج إيجابية ملموسة.
وعلى الموجة ذاتها، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية «لو كانغ» في لقائه مع الصحافيين إن بلاده تقدّر التقدم الإيجابي الذي تحقق خلال فترة الإعداد لمرحلة ضرورية لتبديد المخاوف المشتركة. وتمنى باسم بيكين أن يتوصل الفريقان عبر الحوار والتشاور لدعم قرار نزع السلاح من شبه الجزيرة الكورية.
يؤكد مراقبون أن الزيارة المفاجئة التي قام بها كيم لبيكين، في آخر شهر آذار (مارس) الماضي، كانت أول رحلة خارجية يقوم بها زعيم كوريا الشمالية منذ تولى الحكم خلفاً لوالده سنة 2011. وقد وصل إلى العاصمة الصينية بقطار مصفّح، الأمر الذي يدل على عقدة الخوف التي تنتابه، والتي حفزته لإعدام عمه تشانغ سونغ تيك وزج الآلاف من أنصاره في المعتقلات.
في تلك البقعة الساخنة من الجزء الآسيوي للمحيط الهادئ كانت الزيارة الأولى للرئيس الأميركي ترامب عقب مرور سنة واحدة على توليه السلطة. وقد حرص من وراء تلك الزيارة على إقامة صداقة مع الزعيم الصيني شي جينبينغ، بغرض كبح طموحاته الإقليمية، وطلب تدخله في كوريا الشمالية. ولما شعر الرئيس الصيني بالأهمية التي يوليها ترامب لنشاطات كيم، اعتذر عن التوسّط مدّعياً أنه لا يستطيع تقييد كوريا الشمالية، ووقف برنامجها النووي والصاروخي.
وتردد في حينه أن كيم وصل إلى الصين لاستشارة زعيمها حول الخطوات المقبلة، خصوصاً أن رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن كان يشجعه على عقد اتفاقية سلام مع واشنطن. والثابت أن الحصار الاقتصادي الذي ضربته الولايات المتحدة مع اليابان، حول كوريا الشمالية، كان العامل المؤثر الذي دفع بكيم الى زيارة بيكين.
الرئيس الصيني شي شجعه على اتخاذ هذا المسار حرصاً على علاقته الجديدة مع واشنطن، وخوفاً من حدوث حرب مفاجئة لا يتورع ترامب عن خوضها بالاشتراك مع حلفائه الإقليميين. والشاهد على ذلك أن البحرية الاميركية أجرت مناورات بحرية قرب سواحل كوريا الشمالية بمرافقة ثلاث حاملات طائرات. كذلك أرسلت اليابان حاملة طائرات مروحية اشتركت في المناورات. واعتبر المعلقون أن تلك المناورات ليست أكثر من رسالة اميركية لتذكير الصين بأنها تملك مع اليابان خياراً عسكرياً إذا لم تبادر الى لجم تحديات كوريا الشمالية.
من المؤكد أن الـ28.500 جندي أميركي المستنفرين في كوريا الجنوبية لا يشكلون بعبع التخويف للصين. ولكن انتشارهم في جزيرة نائية تختزن آلاف الصواريخ الموجهة نحو مدن الصين المزودة برؤوس نووية… هذا الانتشار يعتبره الزعيم شي تهديداً دائماً لأمن بلاده. لذلك شدد كيم جونغ أون في قمة سنغافورة على ضرورة وقف المناورات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، مقابل تدمير سلاحه النووي. ولقد حظيت هذه المعادلة بموافقة ترامب الذي وعد بسحب قواته على دفعات، مع وعد بانفتاح اقتصادي والمحافظة على سلامة الرئيس من أي أذى. ويبدو أن وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو حمل الى كيم تعهداً بعدم إثارة مسألة حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، والتي يعتبرها الديكتاتور الصغير خطأ أحمر لا يسمح بتجاوزه. كذلك تحاشى ترامب إثارة موضوع تسليح سورية وايران، خشية توسيع إطار المطالب والسقوط في لجّة الخطأ السياسي.
ومعروف أن ترسانتي ايران وكوريا الشمالية تختزنان صواريخ باليستية بعيدة المدى يمكنها حمل رؤوس نووية لمسافة آلاف الكيلومترات. وتتصرف الدولتان بطريقة مستقلة عن المحاذير الدولية، وكل ما يعيق تطوير سلاحهما. وعلى رغم العقوبات التي فرضت عليهما، فهما توظفان جزءاً كبيراً من مواردهما في مشروعات السلاح.
كانت كوريا الشمالية على استعداد لتصدير المعرفة القاتلة الى دول أخرى ومنظمات إرهابية. لهذا السبب توصلت سورية إلى بناء مفاعل نووي تم تدميره بواسطة إسرائيل. كذلك استطاعت إيران، بمساعدة كوريا الشمالية، تخطي القيود التي فرضها الاتفاق الموقع مع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن والمانيا، أي الاتفاق النووي مع إيران، والذي ألغاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في نظر كيم جونغ أون فإن الصواريخ الباليستية، والرؤوس النووية، كانت بمثابة بوليصة تأمين لصيانة النظام. فهو في نظر الحرس الثوري محطة لتحويل إيران إلى دولة إقليمية عظمى تسيطر على أكثر من سورية ولبنان واليمن ومنظمات فلسطينية بينها «حماس» و «الجهاد الإسلامي».
وعليه، يرى المحللون أن اتفاق قمة سنغافورة سيحرم إيران وسورية من تصدير المعرفة النووية والباليستية إليهما.
عقب صدور البيان المشترك في سنغافورة، حذرت ايران زعيم كوريا الشمالية من الوثوق بالرئيس الاميركي، لأن اختباراتها معه أثبتت عدم احترامه للتعهدات.
وردت واشنطن على تحذير طهران بالقول إن ترامب لا يحترم تعهدات وقعها سلفه باراك اوباما، وكان هو من أشد منتقديها.
لذلك حرص ترامب خلال مؤتمره الصحافي على إعلان موافقة البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية جديدة «في محاولة لبناء نظام سلام دائم ومستقر في شبه الجزيرة الكورية.»
النظام الايراني أعلن عن شكوكه في نجاح الاتفاق، ولكنه بدأ يشعر أن الدول الاوروبية، وفي طليعتها فرنسا والمانيا، بدأت تتراجع عن دعم الاتفاق النووي مع ايران، اي الاتفاق الذي ألغاه ترامب.
على صعيد آخر، اتهم وزير خارجية المانيا هايكو ماس الرئيس الاميركي بتدمير علاقة الثقة التي تجمع واشنطن بأوروبا، وذلك بعد رفضه تأييد البيان الختامي الصادر عن قمة مجموعة الدول السبع في كندا.
ولكن أنصاره يدافعون عن موقفه بالقول إن ما يهم ترامب من كل هذا هو إقناع ناخبيه بأنه يدافع عن مصالحهم. وهو بالتالي ينتظر أن تنعكس خطوته الأخيرة على نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
كما ينتظر أيضاً من لجنة تحكيم جائزة نوبل للسلام أن تختاره في دورتها المقبلة مع شريكه في الصفقة كيم جونغ أون، كبطلي سلام. تماماً مثلما اختارت نيلسون مانديلا مع خصمه فريدريك دي كليرك (1993)… أو كما اختارت عرفات وعدويه رابين وبيريز (1994).