أوضحت مصادر معنية بتأليف الحكومة الجديدة لصحيفة “الحياة” أن اتصالات كثيفة أجريت في الساعات الماضية من قبل بعض الوزراء مع كل من قيادات الأحزاب الثلاثة التي ارتفعت حدة السجالات بينها في اليومين الأخيرين بسبب تفاقم الخلافات حول العديد من الملفات وأبرزها التباعد في المواقف حيال أحجام التمثيل في الحكومة.
وقالت مصادر سياسية بارزة لـ «الحياة» إن شخصيات تدور في فلك «تيار المستقبل» أجرت اتصالات مع قياديين من «التيار الوطني الحر» و «الحزب التقدمي الاشتراكي» من أجل تهدئة السجال الحاد الذي نشأ أول من أمس بين الجانبين والذي أدى برئيس الاشتراكي وليد جنبلاط إلى وصف العهد الرئاسي بأنه فاشل منذ البداية، ورد نواب «التيار» عليه بنبش مرحلة الحرب الأهلية. كما شملت الاتصالات «القوات اللبنانية» و «التيار» من أجل تهدئة الموقف بين الجانبين نتيجة الخلاف على عدد من الملفات كان آخرها مرسوم التجنيس فضلاً عن الحصص في الحكومة المقبلة على خلفية الخلافات التي سبقت الانتخابات النيابية، لا سيما ملف الكهرباء وغيرها من العناوين، التي راكمت التباعد بين الفريقين وانعكست على عملية تأليف الحكومة الجديدة، برفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل تمثيل حزب «القوات» بخمسة وزراء كما يطالب، بحجة أن حجمه النيابي (١٥ نائباً) يساوي ٤ وزراء فقط مع استبعاد إسناد حقيبة سيادية ومنصب نائب رئيس الحكومة له.
وأوضحت المصادر السياسية البارزة لـ «الحياة» أن الغرض من الاتصالات مع الفرقاء الثلاثة المعنية هو دعوة قياداتها إلى فرملة التصعيد في المواقف للحؤول دون عرقلة أجواء التشنج لتأليف الحكومة وتأخيرها، «فمن الصعب مواصلة جهود التأليف في هذه الأجواء التي لا بد من أن تنعكس تأخيراً في استيلادها». وتعتبر المصادر أنه إذا كان صحيحاً أن الأجواء بين «التيار الحر» وبين «الاشتراكي» من جهة وبين «التيار» وبين «القوات» لم تكن سليمة قبل عملية تأليف الحكومة، فإن الأمور تفاقمت في جانب منها بسبب الخلاف بين تيار الرئيس عون وبين الفريقين الآخرين بسبب موقفه من مطالب كل منهما الحكومية. وهذا التصعيد يؤخر التأليف حكماً، لكن يجب العمل بقوة على ألا يؤخره كثيراً وعلى وجوب السعي لإعادة إطلاق طبخ الحكومة بسرعة فور عودة الرئيس المكلف من إجازة العيد في اليومين المقبلين. فهناك فرصة كي نشكل حكومة تنطلق بزخم لمعالجة القضايا الملحة التي تنتظر حلولاً وللإفادة من الاستثمارات التي تقررت في مؤتمر «سيدر» لدعم الاقتصاد اللبناني، ولذلك لا بد من وقف الاشتباك السياسي.
وتقول المصادر إياها إن سبب وصف جنبلاط العهد الرئاسي بأنه فاشل من البداية هو يأسه من تصحيح العلاقة مع «التيار» ومع رئيس الجمهورية فأطلق تغريدته هذه أول من أمس، التي أدت إلى رد فعل «التيار» العنيف. فهو لم يكتف بتوجيه الانتقادات لموقف الوزير باسيل من قضية النازحين، بل تجاوزه إلى توجيه سهامه نحو الرئيس عون لموقفه الرافض مطلب الاشتراكي حصر التمثيل الدرزي به في الحكومة. لكن المرحلة قد لا تحتمل هذه الدرجة من الخصومة مع تأليف الحكومة.
وتشير المصادر المعنية بالتأليف في المقابل إلى أن ربط وزير العدل سليم جريصاتي حملة جنبلاط بزيارته الأخيرة إلى السعودية غير منطقي، فلا علاقة بين الزيارة وبين تأليف الحكومة. وموقف جنبلاط يتعلق بمسألة التمثيل الدرزي.
ويشترك مصدر في «اللقاء النيابي الديموقراطي» مع المصادر المعنية بتأليف الحكومة في هذا الاستنتاج بالقول إن ربط رموز في «التيار الحر» موقف جنبلاط بزيارته إلى السعودية «هروب إلى الأمام من الواقع السياسي ومحاولة للتعمية على عجز العهد عن إيجاد الحلول المطلوبة للأزمات التي يتخبط بها البلد، وهي محاولة للتزلف لـ «حزب الله» الذي يقوم بحملة على المملكة بدوره لأسباب إقليمية». كما يعتبر المصدر أن ربط موقف جنبلاط بزيارته السعودية هي محاولة سخيفة مؤداها إحراج الرئيس الحريري. وربما كانت للتغطية على جنوح «التيار» نحو تأليف حكومة ترضي محور الممانعة وحزب الله على حساب الجهود نحو تحييد لبنان عن حروب المنطقة. وقال المصدر في «اللقاء الديموقراطي» لـ «الحياة» إن جنبلاط وجه انتقاداته للعهد قبل الزيارة إلى السعودية، فهو سبق أن تحدث عن «السلطة التنفيذية الفعلية والسلطة النظرية»، وعن استباحة فريق الرئيس عون الدولة، في خلال الحملة الانتخابية. وهذه أمور كان يشير إليها وزير «اللقاء الديموقراطي» مروان حمادة على طاولة مجلس الوزراء على مدى السنة الماضية ويرفض الاستئثار بالسلطة وخرق اتفاق الطائف والدستور في التعيينات وممارسة الصلاحيات.
ويضيف المصدر إياه: «إذا كان البعض يستغرب عدم تمييزنا بين باسيل والعهد فنحن لم نميز أساساً بينهما إذا كان غيرنا يعتمد هذا الأسلوب، على رغم أن جنبلاط كان زار رئيس الجمهورية أثناء الإعداد لقانون الانتخاب بناء لنصيحة من الرئيس الحريري بهدف المساعدة على كبح جموح باسيل في حينها نحو قانون انتخابي فئوي وغير مقبول». ويرى المصدر أن جنبلاط وجه انتقاداً سياسياً تحت عنوان فشل العهد فإذا بالردود تعود إلى نبش القبور والحديث عن مرحلة الحرب التي كان جنبلاط المبادر إلى السعي لإنهاء ذيولها عبر المصالحة التاريخية. وفريق الرئيس عون يتصرف كأنه بريء من دم الصديق وينسى ما تسببوا به من إراقة دماء المسيحيين واللبنانيين خلال الحرب.
ويرفض المصدر الاستنتاج القائل إن السجال بين «التيار الحر» و «الاشتراكي» يؤخر تأليف الحكومة، متسائلاً: «ماذا عن مشكلة الرئيس عون مع «القوات اللبنانية»؟ فهل تأليفها كان يسير على ما يرام بحيث أن موقفنا فرملها؟ فانتقادات جنبلاط قد يتم تجاوزها لكن مفعولها أنها كشفت التناقضات وأضاءت على فظاعة الممارسات في السلطة وآخرها افتعال أزمة مع المجتمع الدولي حول ملف النازحين من أجل توظيفها طائفياً».
ويتابع المصدر: «فليدلنا أحد على علاقة سوية لـ «التيار» ورئيسه مع سائر الفرقاء اللبنانيين. فعلاقتهم مع رئيس البرلمان نبيه بري تشوبها المشاكل اليومية وآخرها إصدار مرسوم تعيين القناصل الفخريين من دون توقيع وزير المال. وعلاقتهم مع «القوات» تتراجع بسبب الخلاف على ملف بواخر الكهرباء وعلى استفراد «التيار» بالتعيينات للمسيحيين وغيرها. وصلتهم بـ «تيار المردة» حدث ولا حرج»، وكذلك مع الحزب السوري القومي الاجتماعي. و «حزب الله» يبقى في حال استنفار إزاء ممارساتهم سواء في محاولتهم تجاوز الرئيس بري أو في علاقتهم بالخارج، وهم مطوقون بالأزمات والملفات الفضائحية، من مرسوم التجنيس الذي بلغ الأمر حد مطالبة البطريرك الماروني بشارة الراعي بسحبه، وصولاً إلى الاشتباك مع المجتمع الدولي في ملف النازحين الذي تسبب بتوتر بين باسيل والرئيس الحريري، بعد أن تبرأ الأول من الأخطاء في مرسوم التجنيس موحياً بأن المسؤولية عنها تقع على عـــاتق رئــاسة الحكومة ووزارة الداخلية.