كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
منذ بضعة أيام، بدأ «مونديال» كرة القدم بعد انتظارٍ دام 4 سنوات. نهار الخميس الواقع فيه 14 تموز 2018، الساعة السادسة مساءً، تسمّر ملايين الأشخاص، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً وشيوخاً، أمام شاشات التلفزيون، الصغيرة أو الكبيرة أو العملاقة، داخل أو خارج بيوتهم، ليشاهدوا بداية مباريات كرة القدم من روسيا، ويشجّعوا فريقهم المفضل… وسط انتشار «أخبار المونديال»، و»التحليلات الرياضية» لكلّ مباراة، المبنيّة على المتابعة الحثيثة للاعبين ولمجريات اللعبة… وهناك تفسيرات تحليلية ونفسية ونفسية – إجتماعية لتلك الـ «هستيريا». فما هي الدوافع النفسية لحبّ الرياضة ومتابعتها؟ وما هو التحليل النفسي لكرة القدم؟
لم يهتم فقط علم النفس والطب النفسي بدراسة الإنسان وتقسيماته النفسية وتكوينه الباطني، بل اهتمّ أيضاً بالموضوعات الإجتماعية التي تستحوذ على أفكاره وتؤثر في حياته اليومية. ومن هذه الأفكار: الرياضة. ولسيت ممارسة الرياضة وحدها كفيلة بإبعاد شبح الإكتئاب عن أيّ شخص إنما مشاهدتها أيضاً، فهي تساعد في فرز هرمونات عديدة منها الأدرينالين وتعزّز روح الشجاعة وتخفّف القلق.
علاقة الرياضة بالإنسان
لطالما ربطت علاقة وطيدة الرياضة بالإنسان. وكثرت الدراسات العلمية والنفسية حول تأثير الرياضة على الحالة النفسية للشخص. ومن المعروف بأنّ الإكتئاب، إضطرابٌ نفسي يصيب جميع الفئات العمرية، كما يصيب الذكور والإناث على حدٍّ سواء، وأسبابه كثيرة منها هرمونية جسمية بحتة ومنها نفسية… والدواء لهذا الإضطراب النفسي الذي يمكن أن يوصّل صاحبه إلى الإنتحار (الإكتئاب الحاد) هو الرياضة وممارستها.
عادة يُعْتبَر علاجُ الإكتئاب هو الدواء. وقد يتوجّه المصابون بهذا الاضطراب عند الاختصاصي النفسي والمعالج النفسي لمعالجة المشكلات النفسية المترتّبة عنه. لكن هناك «دواء» آخر فعّال جداً لمعالجة الإكتئاب، وهو الرياضة، إذ تُعتبر حلّاً بديلاً لمعالجة الحزن والأفكار السوداوية التي يمكن أن يشعر بها المريض. وعندما نتكلم عن الرياضة، فالقصد منها التمارين الرياضية كالجري وركوب الدراجة الهوائية…
… وعلم النفس الرياضي
بعد كل مباراة، يتمّ تداولُ النتائج على جميع وسائل التواصل الإجتماعي مع التحليلات الرياضية. ولكن من المهم أن تترافق التحليلات الموضوعية، مع التفسيرات النفسية التي قد يواجهها اللاعب خلال مباراته فتؤثر بشكل مباشر على أدائه الرياضي. وهذا دور علم النفس الرياضي الذي يهتمّ بدراسة العوامل النفسية خلال التدريبات قبل خوض أية «معركة» (مباراة) مع الخصم.
ويؤكد علم النفس الرياضي، أنه كل ما كان الرياضي محصّناً نفسيّاً ومتابعاً بشكل جدّي، كلما خاض مبارياته بشكل هادئ وفعّال.
لذا نلاحظ بأنّ الكثير من المنتخبات الرياضية في لعبة «الفوتبول»، لديها اختصاصي نفسي رياضي خاص بها، يتابع «نفسياً» كل فرد من أفراد فريق كرة القدم. كما يساعد هذا الاختصاصي النفسي اللاعبين على ضبط سلوكهم والتحكّم به. فكلنا نعرف بأنّ الرياضي القلق، لا يتمكن من تحقيق أيّ انتصار حتى لو تدرّب على جميع مفاهيم ونظريات رياضته. لذا يساعد الاختصاصي النفسي الرياضيّين على تعديل سماتهم التي قد تعود إلى طفولتهم أو إلى مشكلات عائلية أو فردية… جعلتهم أشخاصاً قلقين. ويعمل هذا الاختصاصي على تعديل سلوك الرياضيين وتقوية ثقتهم بأنفسهم.
التحليل النفسي… لكرة القدم
يمكن إعتبار هذه اللعبة ملجأً للعديد من الرغبات الكامنة وغير المعلنة عند الإنسان، فهي:
- تحقق رغبة المشاهد في الإستقلال ونقل كل مشاعره تجاه اللاعب أو الفريق الذي يؤيّده، وذلك نسمّيه كاختصاصيين في التحليل النفسي بالنقلة والنقلة المضادة (عندما ينقل المفحوص مشاعره تجاه المحلّل النفسي: «النقلة»، والعكس صحيح: «النقلة المضادة»). وتلك «النقلة» نعرفها نحن كمشاهدين عندما نبكي، نفرح، نحزن، نصرخ… مع الفريق أو مع اللاعب…
• تساعد هذه اللعبة في ظهور مبدأ الحياة والموت، وهو المبدأ الأساسي في سيرة الحياة. ففي هذه اللعبة، لاعب خصم يسدّد هدفاً، يجعل الفريق المهزوم (يموت) والعكس صحيح. وفي نهاية كل مباراة، منتصر واحد (منتصر على الموت) هو الذي يكمل اللعبة.
• تضع هذه اللعبة «حكم» أو «حكام» المباراة في صورة «الأنا الأعلى». الحكام ينظمون المباراة ويجعلونها ضمن إطار قانوني، كالأنا الأعلى التي تجبر الإنسان على احترام القانون… فالملعب واللاعبين والحكام… ليسوا سوى «نماذج» من الحياة اليومية للمشاهد الذي يُسقط إنفعالاته (الإيجابية والسلبية) تجاه لعب الفريقين.
• تقوّي هذه اللعبة الإنتماء الشخصي إلى الدولة المشارِكة أو حتّى الدول القريبة أو الشقيقة، كما في لبنان، حيث يشجّع العديد من الأشخاص الأندية العربية لإنتمائنا العربي.
وعلى صعيد التحليل النفسي، يمكن أن نعتبر بأنّ لعبة كرة القدم هي لعبة «ذكورية» و«أنثوية» على حدٍّ سواء:
لعبة ذكورية لأنها تلتزم إلتحامَ ورضوخ اللاعبين «للأب» (المدرب) الذي يكون مرشد اللعبة. وإذا لم يرضخ اللاعبون لأوامره، يتمّ «عقابهم». وذلك طبعاً يذكّرنا بعقدة أوديب، حيث «يخاف» و»يستهيب» الصبي والده ولكن يرضخ لجميع أوامره ويحقق كل مطالبه.
وهي لعبة أنثوية، خصوصاً أنّ شكل الكرة كشكل البويضة التي تحتاج نقلها إلى رحم (الهدف والمرمى). كما هناك المرمى الذي يقطعه اللاعبون للوصول إلى الملعب والدائرة الكبيرة الموجودة في وسط الملعب…. كل ذلك له أشكال أنثوية.